×



klyoum.com
yemen
اليمن  ٦ كانون الأول ٢٠٢٥ 

قم بالدخول أو انشئ حساب شخصي لمتابعة مصادرك المفضلة

ملاحظة: الدخول عن طريق الدعوة فقط.

تعبر المقالات الموجوده هنا عن وجهة نظر كاتبيها.

klyoum.com
yemen
اليمن  ٦ كانون الأول ٢٠٢٥ 

قم بالدخول أو انشئ حساب شخصي لمتابعة مصادرك المفضلة

ملاحظة: الدخول عن طريق الدعوة فقط.

تعبر المقالات الموجوده هنا عن وجهة نظر كاتبيها.

موقع كل يوم »

اخبار اليمن

»منوعات» المشهد اليمني»

كيف حوَّل الإماميون الأذان من شعيرةٍ تعبُّدية إلى أداةٍ للهيمنة؟

المشهد اليمني
times

نشر بتاريخ:  الخميس ٤ كانون الأول ٢٠٢٥ - ١٢:٣٦

كيف حول الإماميون الأذان من شعيرة تعبدية إلى أداة للهيمنة؟

كيف حوَّل الإماميون الأذان من شعيرةٍ تعبُّدية إلى أداةٍ للهيمنة؟

اخبار اليمن

موقع كل يوم -

المشهد اليمني


نشر بتاريخ:  ٤ كانون الأول ٢٠٢٥ 

كانت الإمامة الزيدية، عبر تاريخها الطويل، المعضلة الأشد وطأة على الوعي اليمني؛ فكرة كهنوتية تقوم على الاصطفاء السلالي، وتستمد شرعيتها من احتكار الحقيقة الدينية. غرست أنيابها في الجسد الوطني، فمزقته انقسامات، وخلقت لدى غالبية اليمنيين شعورًا مَريرًا بالغبن؛ إذ وجدوا أنفسهم، جيلًا بعد جيل، وقودًا لحروب عبثية، وموضوعًا لفقه سياسي تكفيري استباح الأرض والعِرض.

تكشف وقائع تاريخية دامغة - موثقة في كتب أئمة الزيدية ومصادرهم نفسها - عن كيفية تحويل الأئمة للشعيرة الدينية إلى أداة قهر. فالأذان، الذي يُفترض أن يكون نداءً سماويًا خالصًا للسكينة والعبادة، تحوّل في محطات فارقة من التاريخ اليمني إلى بيان سياسي معلَّق في الهواء، وإحدى وسائل فرض الهيمنة المذهبية على المناطق الشافعية.

في هذه القراءة، تتبعنا جذور استخدام عبارة 'حيّ على خير العمل' كأحد أهم أدوات الإكراه المذهبي، وكيف غدت سوطًا مُسلَّطًا على ظهور المُخالفين، وكيف تحوّلت الخلافات الفقهية إلى ذرائع لشرعنة التسلط، ونهب القرى، وغزو المجتمعات.

هندسة الإبادة العقائدية

لم يكن المذهب الهادوي - في بنيته الأولى - قابلًا للتعايش مع مُخالفيه؛ إذ لم يرَ فيهم شركاء في الوطن أو الدين؛ بل تابعين بالضرورة. ومتى رفضوا الانضواء تحت رؤيته الدينية للعالم، انتقل بهم فورًا من خانة المخالف إلى خانة الكافر بالتأويل. وحين وجد مُؤسسه، الهادي يحيى بن الحسين الرسي (284هـ/897م - 298هـ/911م) مُقاومة من بعض القبائل اليمنية لمشروعه الديني الإقصائي؛ لم يتردد في تكفيرهم بالجملة، وإعلان الجهاد عليهم، وإباحة دمائهم وأموالهم لمناصريه؛ بدعوى أنهم كفار تأويل. وقد جاءت هذه الفتوى متسقة تمامًا مع طبيعة القبائل حينها، المجبولة على الحرب والغزو، والمعتاشة على الفيد، والمنهكة بشظف العيش، وقسوة الجغرافيا.

كان مفهوم 'كافر التأويل' في فقه الهادي يشمل كل من لا يخضع لتفسيره للنصوص الدينية، التي اعتبرها مُلزِمة بولاء سياسي وديني لآل البيت، وجعلهم - وفق فهمه - الركن الثاني من أركان التشريع. واستدل على ذلك بحديث: «كتاب الله وعترتي» الذي ضعّفه كثير من المحدثين، فاتخذه مدخلًا للسيطرة على الناس، وحكم به بإخراجهم من دائرة العصمة، ليصبح دمهم ومالهم مباحًا. وجاء فـي (مجموع رسائله) قوله: «ووجب به علـينا جهاد من أبدى لنا المعصية، وثبتت به لله سبحانه فـي ذلك علـينا الحجة، حتى حكمنا بالهلكة على المُخالفـين عن دعوتنا، وبالنجاة للمُسلمين على أمرنا، الساعين فـي طاعتنا».

كانت تلك الفتوى - في حقيقتها - نقطة التأسيس لمنهجية إحكام السيطرة المذهبية بالقوة، وبداية مسار طويل من تحويل الخلاف الفكري إلى مبرر للقتل، وممارسة هندسة عقائدية قسرية على المجتمع اليمني.

الأذان تحت ظلال السيوف

يُعدّ المنصور عبدالله بن حمزة (593هـ/1197م - 614هـ/1217م) أحد أبرز منظّري الإمامة الزيدية ومؤسسي دولتها الثانية. ترك خلفه تراثًا فقهيًا وشعريًا رسّخ منظومة فكرية عنيفة لا تزال آثارها ممتدة حتى اليوم. وما زالت سيرته - بسطوتها وقسوتها - الأكثر قتامة في سجل الإمامة، حتى إن أحمد بن يحيى حميد الدين شبّه نفسه به واعتبره قدوته، فيما سار عبدالملك الحوثي اليوم على خطاه فكرًا وسلوكًا، وهو ما تُظهره خطاباته وممارساته بجلاء.

خلال إقامته في براقش - مركز دعوته - خطّط ابن حمزة لتوسيع نفوذه نحو مأرب وبيحان. فأرسل جيشًا بقيادة الأمير سليمان بن حمزة، ودارت بين قواته وأهالي تلك المناطق معارك ضارية كانت الغلبة فيها للغزاة. وعندما رفض أهل مأرب رفع الأذان بعبارة 'حيّ على خير العمل'، أمطرهم ابن حمزة بالرسائل المليئة بالتهديد والوعيد. وإزاء ضغطه العسكري والعقائدي، أذعنوا مُكرهين؛ فاستقبل ابن حمزة ذلك الفرض الشعائري ببيتٍ شعري يقطر تفاخرًا بالدم:

إذا بدت مثل السعالى مـن دَغَل

وطلعت فـوق الرمــاح كالشُّعَل

وأيقنوا أن الحِمــــــــام قد نزل

نادى مُناديهم: على خير العمل

أما أهل بيحان فثبتوا على رفضهم. ويروي المؤرخ يحيى بن الحسين أن ابن حمزة نهض إليهم بنفسه، بعد أن كرّر عليهم كتبه يدعوهم إلى «الطاعة، وإقامة الجمعة والجماعة، والأذان بحيّ على خير العمل». وحين أبوا واجتمعوا لدرء جيشه، شتّت صفوفهم بالقوة، وأمر بقطع نخيلهم وإتلاف زروعهم، قبل أن يعود إلى براقش ظافرً، كما يصف الراوي، تاركًا خلفه أرضًا محروقة، وقرًى منكوبة.

لقد كان الأذان - في عهد هذا الإمام الطاغية - اختبار ولاء لا نداء عبادة؛ وأداة إخضاع تُرفع تحت ظلال السيوف، لا فوق المآذن.

اختراق العصر الذهبي

يُعدّ عهد السلطان الرسولي الثاني المظفر يوسف بن المنصور عمر الذروة اللامعة للدولة الرسولية؛ أربعة عقود ونصف من الاستقرار السياسي والازدهار الاقتصادي، بلغ فيها اليمن أقصى اتساع نفوذه، وازدهرت مدنه علمًا وثقافة. ويشهد المؤرخون أنَّ هذا العصر كان أخصب مراحل اليمن علميًا وحضاريًا، وأرحبها عطاءً، وأغزرها إنتاجًا في ميادين المعرفة.

غير أنّ هذا الوهج لم يكن بمنأى عن محاولات الاختراق الإمامي. ففي 13 صفر 646هـ / 6 يونيو 1248م، أعلن أحمد بن الحسين - الشاب الثلاثيني القادم من ثلا، والمنحدر من نسل القاسم بن إبراهيم طباطبا - نفسه إمامًا. تلقب بـ (المهدي)، والتفّ حوله معظم علماء الزيدية وأنصارها، وقيل إنَّ اختياره كان حلًا وسطًا لوقف الصراع المحتدم بين الحمزات وآل الهادي، وهو الصراع ذاته الذي سيجره لاحقًا إلى نهايته المأساوية.

لم تكن عدائية الإمامة تجاه الدولة الرسولية وليدة لحظتها؛ فقد ورث الأئمة حقدًا راسخًا على الدول اليمنية المتعاقبة، وعلى الدولة الرسولية خصوصًا. وبفضل الاضطرابات السياسية في السنوات الأولى لحكم المظفر يوسف، تمكّن أحمد بن الحسين من فرض نفوذه على صنعاء ثلاث مرات، قاتل الرسوليين تارة، وصالحهم تارةً أخرى، ثم نقض الصلح بانتظام، رغم اعترافهم به حاكمًا على المناطق الشمالية.

وقد جاء انضمام الأمير الرسولي المتمرد أسد الدين محمد إلى صف هذا الإمام ليقلب موازين القوى، فامتدت سيطرته إلى ذمار وبيحان، ثم توغّل شرقًا إلى مأرب على رأس 1400 مقاتل، ليُجبر سكانها على العدول عن مذهبهم السني لبعض الوقت، وفرض عليهم الأذان بعبارة 'حيّ على خير العمل'.

وصلت خطورة الأمر إلى بغداد؛ فكتب الخليفة العباسي المستعصم بالله عبد الله إلى السلطان المظفر يوسف يطالبه بالقضاء على ابن الحسين، ووعده - إن نجح - بأن يمنحه حكم مصر. وقد تحالفت إرادات كثيرة لإنهاء هذا التمدد؛ فتمكّن الحمزات، بدعم رسولي كبير، من قتل الإمام الزيدي أثناء عودته من الجوف، في شُوابة ذيبين بتاريخ 28 صفر 656هـ / 5 مارس 1258م، وكان عمره 44 عامًا. ومثّلوا بجثته، وحزّوا رأسه.

أما المفارقة الأكثر إدهاشًا، فهي أنَّ الخليفة العباسي نفسه قُتل في اليوم ذاته على يد التتار، في واحدة من أغرب التزامنات التاريخية.

الانتقام من الجغرافيا

جاء الأتراك بحملاتهم العسكرية، سيطروا على السواحل اليمنـية، ثم على تعز وإب وصنعاء. ويعد محمود باشا من أسوأ ولاتهم، وأكثرهم فسادًا، ونقضًا للعهود، وسفكًا للدماء، ونهبًا للأموال، جعل من مدينة تعز مقرًا له، واستمرت ولايته لأربع سنوات، ليُغادر اليمن نهاية سنة 971هـ، بطلب منه. عُين والـيا على مصـر، ومن هناك استمر ببث حقده على اليمنـيين والأتراك المُؤثرين معًا، لتحدث بسببه انتكاسات كثيرة.

تولى بعده الشاب رضوان بن قرة شاهين مصطفى حكم اليمن، غير أن الاضطراب كان أعمق من قدرته على السيطرة. ورث ولاية مأزومة، وراح ظلمه يمتد شمالًا، لتعلن القبائل تمرّدها عليه في ذي القعدة 973هـ / مايو 1566م. بذلك انهار الصلح القائم بين العثمانيين والناصر المطهَّر شرف الدين، وتجددت الحرب. ثم جاءت هدنة قصيرة، حصل بموجبها الإمام الزيدي على حكم عمران وما جاورها، وهو امتياز غذّى طموحه التوسعي وفتح شهيته للتمدد أكثر.

لم تمضِ سوى أشهر حتى حاصر الإمام المطهَّر القوات العثمانية في صنعاء، ليجبرها على رفع الراية البيضاء في 2 صفر 975هـ / 7 أغسطس 1567م. بعدها اندفع جنوبًا وغربًا وشمالًا، لتسقط تعز في 13 ربيع الآخر من العام نفسه، ثم عدن، ثم جيزان، تاركًا خلف قواته أثرًا من النهب والخراب. وكان لوفاة السلطان سليمان القانوني أثر بالغ في تصاعد التمردات العسكرية التي أضعفت الموقف العثماني في اليمن وغيرها.

ولأن سكان المناطق الوسطى - وعلى رأسهم تعز - كانوا قد ساندوا العثمانيين في الحروب السابقة، صبّ عليهم الإماميون جام غضبهم، منفذين سياسة انتقام شديدة القسوة. وفي سابقة لم تُسجَّل خلال وجودهم الأول في اليمن، أجبروا سكان تعز على الأذان بـ (حي على خير العمل)؛ وهي خطوة ذات مغزى مذهبي واضح، هدفت إلى إذلال الأهالي وإخضاعهم، بينما كانت سلطة الأتراك قد انحصرت في زبيد وما جاورها من تهامة.

لكن الرياح لم تجرِ كما أراد المطهَّر. ففي غرة شعبان من العام نفسه (18 يناير 1569م)، استعاد العثمانيون مدينة تعز بعد حصار دام ثلاثة أيام فقط، وبمساعدة واسعة من الأهالي الذين ميّزوا أنفسهم أثناء دخول القوات الغازية بلبس العمائم السوداء، ليفرّق العثمانيون بينهم وبين عساكر المطهَّر، ويتجنبوا الوقوع ضحية الاشتباه. وبعد الانتصار، كافأ عثمان باشا - الوالي الجديد القادم من الأستانة - سكان تلك المدينة على تعاونهم، ومنح مدينتهم وضعية خاصة بوصفها بيتًا من بيوت السلطنة، في مرسوم صريح يؤكد أن لا تُفرض عليهم بدعة، ولا مضرة، ولا ضيفة، ولا سخرة.

ذروة التوحش الفقهي

في منتصف القرن الحادي عشر الهجري، وبعد خروج العثمانيين من اليمن، تحوّل البلد إلى غنيمة سائغة للدولة القاسمية، ودخلت الزيدية - مذهبًا وسلطة - اختبارًا حقيقيًا في علاقتها بالآخر. كانت فتاوى فقهاء الهادوية في ذلك الوقت تدور في الحلقة ذاتها من العداء والرفض، حتى اعتلى الإمامة الفقيه المتعصب إسماعيل بن القاسم، الذي شكّل بتحالفاته وفتاويه أخطر مرحلة من مراحل القهر المذهبي. فقد صنع أعداء وهميين، واحتوى الطامحين من أقاربه، وحشد القبائل الشمالية جنوبًا وشرقًا وغربًا، وأسس بذلك أسوأ احتلال عرفته تلك المناطق عبر تاريخها.

كان المتوكل إسماعيل شديد الغلو في مذهبه. أصدر فتواه الأشهر (إرشاد السامع في جواز أخذ أموال الشوافع) عام 1058هـ، فكفّر بها سكان المناطق الشافعية، وأباح نهب أموالهم، وألزمهم بإضافة 'حيّ على خير العمل' في الأذان، وبترك الترضي عن الشيخين، وحرّم زواج العلوية من غير العلوي، وكفّر كل من يخالف ذلك.

وعندما حاول بعضُ فقهاء مذهبه وأقاربه ثنيه عن غلوّه، ازداد تعصبًا، وردّ عليهم قائلًا: «هذه الأصول معلومة عندنا بأدلتها القطعية، ومدونة في كتب أئمتنا». ثم مضى يقرر أن المجبرة والمشبهة كفار، وأن «الكفار إذا استولوا على أرض ملكوها» حتى لو كانت أرضَ مسلمين، وأن البلاد التي «تظهر فيها كلمة الكفر تُعدّ أرضًا كفرية، ولو كان سكانها لا يقولون بها». وبناءً على هذا التأصيل الخطير، منح نفسه حق التصرف المطلق في أي أرض يفتحها، بغض النظر عن عقيدة أهلها.

وفي ظل هذه الذهنية، اجتاح ابن أخيه أحمد بن الحسن حضرموت منتصف عام 1070هـ/1659م، وكتب يصف حملته بلهجة لا تخفي نشوة الانتقام: «فما زال القتل الذريع فيهم والأسر، واحتُزّت رؤوس كثيرة… واشتغل الناس بالغنائم لأموالهم وسلاحهم وخيلهم». ثم أمر بأن يُزاد في الأذان 'حيّ على خير العمل'، ومنع الناس من ترديد أذكار الشيخ عبدالله بن علوي الحداد، في اعتداء سافر على حرية التدين.

وفي مطلع عام 1083هـ/1672م، حضر بعضُ مشايخ جبل صبر إلى المتوكل إسماعيل يشكون ظلم عامله راجح الآنسي، لكنه أعرض عنهم وانحاز إلى الظالم، فما كان منهم إلا أن قادوا انتفاضة عارمة. يقول المؤرخ عبدالله بن علي الوزير واصفًا تلك اللحظة: «تحزّبوا على الخلاف، وساعدهم أهل الحجرية الأجلاف، فكفّوا يد العامل، وحذفوا حيّ على خير العمل من الأذان…». لكن الانتفاضة لم تدم طويلًا، فقد أرسل إليهم الإمام جحافله بقيادة صالح عقبات، وتولى محمد بن أحمد بن الحسن 'إطفاء شرارهم'، كما تسميه المصادر.

بوفاة المتوكل إسماعيل في 5 جمادى الآخرة 1087هـ / 14 أغسطس 1676م، عن 66 عامًا، انزلقت الدولة القاسمية إلى نفق مظلم من الفوضى وصراعات الإخوة الأعداء. تقاتلوا، وتحالفوا، ثم عادوا ليتقاتلوا، وانحصرت فتنهم في الشمال، فيما ورث الأئمة الذين جاؤوا بعده منهجه العنيف وغلوّه الفقهي، ليصبح سلوكًا مُلازمًا لمرحلة كاملة من تاريخ اليمن.

سيل الليل

على الرغم من افتقاره لشروط الإمامة، انتزع المهدي أحمد بن الحسن بن القاسم سلطته انتزاعًا بالقوة. ويروي صاحب (أنباء الزمن) أنَّ من بايعوه قالوا صراحة: «ما بايعناه إلا حسبة لا إمامة». كما يذكر صاحب (بغية المريد) أنَّ نفرًا من العلماء اعترضوا عليه حين رأوا ما بيده من أموال، فبادرهم بإخراج وثيقة مختومة بختم عمه المتوكل إسماعيل، تُثبت - على حد زعمه - أن تلك الأموال إنما هي مما غنمه من الأمير الحسين بن عبدالقادر. ثم خاطبهم بقوله: «وكل ما ترونه بيدي من نعمة المال، فهو من غنائم ذلك الأمير وأصحابه، الذين تعتقدونهم عاطلي المذهب، أما أنا فأراهم من كفار التأويل».

قضى المهدي أحمد معظم سني عمره بين لهيب المعارك، كقائد أعلى لجيوش عمه المتوكل إسماعيل. ولأن معظم هجماته كانت تتم ليلًا؛ عُرف بـ (سيل الليل). كان كثير البطش بخصومه، ونقل ابن عمه المؤرخ يحيى بن الحسين عنه قوله: «وأما قتل النفوس في زمن المتوكل (يقصد عمه إسماعيل) فهو عندي من أقرب القُرَب، فإذا أنكر عليّ من قتل بين يدي رسول الله في يوم بدر وأحد وفتح خيبر والخندق ويوم حنين، أنكر عليّ بمن قتلت يوم أبين، ويوم نجد السلف، ويوم يافع، ويوم بحران بحضرموت».

وفي عهده - كما افاد ذات المؤرخ - ارتفع شأن الشيعة، ووجد كل من يشاركه الميل إلى الرفض مظلة آمنة تحميه. فقد كان جاروديًا متعصبًا، بلغ به الغلو حدّ الأمر بكشط أسماء الخلفاء الراشدين من محراب الجامع الكبير في صنعاء، في نزعة واضحة لتصفية رموز المخالفين من الفضاء الديني العام.

وتروي المصادر أنَّه كتب قبل توليه الإمامة رسالة من تعز إلى عمه المتوكل إسماعيل اعترض فيها بشدة على تمكين فقهاء الشافعية من إمامة المساجد، لأنهم - كما قال - «يُعلِّمون الناس عقائدهم الخبيثة». ثم زاد في لهجته قائلًا: «عذر الأئمة من قبلك واضح لعدم تمكن الوطأة، فما عذرك عند الله في السكوت عن ذلك وقد تمكنت الوطأة؟».

اختتم أحمد بن الحسن حياته في الغراس، حيث توفي في 22 جمادى الأولى 1092هـ / 10 يوليو 1681م، عن عمر ناهز اثنين وستين عامًا، تاركًا خلفه سجلًا حافلًا بالحروب والدماء، وميراثًا ثقيلًا من التعصب والبطش السياسي والمذهبي.

نسخة مُحدثة

بناءً على الوقائع المذكورة آنفًا، والتي هي في الأصل غيض من فيض، لم تكن قضية الأذان في الفكر الإمامي يومًا مسألة تعبّدية بحتة؛ بل راية سياسية ووسيلة إحكام للسيطرة، تُرفع كلما أراد الأئمة تكريس هيمنتهم على المجتمع. وما نراه اليوم من تجريف للهوية وفرض لطقوس محددة، امتداد طبيعي لمسار طويل من هندسة المجتمع بالقوة، وإخضاع الإنسان لهيمنة الفكر الواحد.

أرسى الأئمة السلاليون منظومة حكم ثيوقراطية مغلقة، تُقصي اليمنيين من حقّ المواطنة المتساوية، وتختزلهم في خانة كفار التأويل، استباحت أموالهم، وحاصرت مُعتقداتهم، وفرضت عليهم طقوسًا وصفت بمعيار الولاء الوحيد. وما الكارثة الحَوثية الراهنة إلا نسخة محدَّثة من ذلك السجل الدموي، تُؤكد أنَّ التحرر من هذا الإرث العنصري هو الطريق الوحيد لاستعادة اليمني لكرامته، وهويته، وحقه في الحرية داخل وطنه.

*26سبتمبر

موقع كل يومموقع كل يوم

أخر اخبار اليمن:

كشف إسرائيلي: حاملة الطائرات الأمريكية "ترومان" تكبدت خسائر 100 مليون دولار بصواريخ يمنية

* تعبر المقالات الموجوده هنا عن وجهة نظر كاتبيها.

* جميع المقالات تحمل إسم المصدر و العنوان الاكتروني للمقالة.

موقع كل يوم
15

أخبار كل يوم

lebanonKlyoum.com is 2228 days old | 585,665 Yemen News Articles | 5,268 Articles in Dec 2025 | 878 Articles Today | from 31 News Sources ~~ last update: 5 min ago
klyoum.com

×

موقع كل يوم


مقالات قمت بزيارتها مؤخرا



كيف حول الإماميون الأذان من شعيرة تعبدية إلى أداة للهيمنة؟ - ye
كيف حول الإماميون الأذان من شعيرة تعبدية إلى أداة للهيمنة؟

منذ ٠ ثانية


اخبار اليمن

 الكيلو بجنيه يحرك أجهزة الرقابة .. إغلاق وتشميع محل دواجن بالجيزة - eg
الكيلو بجنيه يحرك أجهزة الرقابة .. إغلاق وتشميع محل دواجن بالجيزة

منذ ثانية


اخبار مصر

ترامب: المرحلة الثانية من خطة السلام في غزة ستخضع للتعديل - tn
ترامب: المرحلة الثانية من خطة السلام في غزة ستخضع للتعديل

منذ ثانية


اخبار تونس

القومي للإعاقة يشارك في المائدة المستديرة لمصر الخير نحو سياسات دامجة للأشخاص ذوي الإعاقة في مصر - eg
القومي للإعاقة يشارك في المائدة المستديرة لمصر الخير نحو سياسات دامجة للأشخاص ذوي الإعاقة في مصر

منذ ثانيتين


اخبار مصر

أبرز ديكور مجلس نساء تجمع بين الرقي والفخامة - xx
أبرز ديكور مجلس نساء تجمع بين الرقي والفخامة

منذ ثانيتين


لايف ستايل

جون تيري: تشيلسي لا يستطيع الفوز بالدوري الإنجليزي - jo
جون تيري: تشيلسي لا يستطيع الفوز بالدوري الإنجليزي

منذ ٣ ثواني


اخبار الاردن

تعيين مدراء جدد على رأس أربع مطارات - ma
تعيين مدراء جدد على رأس أربع مطارات

منذ ٣ ثواني


اخبار المغرب

رئيس الهيئات الإقتصادية زار رئيس الحكومة: ضرورة ترسيخ الاستقرار في البلاد بشكل مستدام - lb
رئيس الهيئات الإقتصادية زار رئيس الحكومة: ضرورة ترسيخ الاستقرار في البلاد بشكل مستدام

منذ ٤ ثواني


اخبار لبنان

المطبخ المركزي العالمي يتسلم المخبزين المتنقلين الجديدين في غزة - jo
المطبخ المركزي العالمي يتسلم المخبزين المتنقلين الجديدين في غزة

منذ ٥ ثواني


اخبار الاردن

الحكم على طبيب الممثل ماثيو بيري بالسجن 30 شهرا - ly
الحكم على طبيب الممثل ماثيو بيري بالسجن 30 شهرا

منذ ٥ ثواني


اخبار ليبيا

صحة المنوفية تطلق حملة كبرى للتوعية بالاستخدام الآمن للمضادات الحيوية - eg
صحة المنوفية تطلق حملة كبرى للتوعية بالاستخدام الآمن للمضادات الحيوية

منذ ٦ ثواني


اخبار مصر

بعد وعكته الصحية .. عمر خيرت يوجه رسالة لجمهوره ويستأنف نشاطه الفني - jo
بعد وعكته الصحية .. عمر خيرت يوجه رسالة لجمهوره ويستأنف نشاطه الفني

منذ ٦ ثواني


اخبار الاردن

والد يوسف لاعب نادي الزهور يتسلم جثمانه والدفن عقب صلاة الفجر في بورسعيد - eg
والد يوسف لاعب نادي الزهور يتسلم جثمانه والدفن عقب صلاة الفجر في بورسعيد

منذ ٧ ثواني


اخبار مصر

وزير الخارجية يبحث مع نظيريه التركي والنرويجي تعزيز العلاقات السياسية والاقتصادية - eg
وزير الخارجية يبحث مع نظيريه التركي والنرويجي تعزيز العلاقات السياسية والاقتصادية

منذ ٧ ثواني


اخبار مصر

البابا لاوون: أقول للبنان انهض وكن علامة للسلام في المشرق - lb
البابا لاوون: أقول للبنان انهض وكن علامة للسلام في المشرق

منذ ٨ ثواني


اخبار لبنان

* تعبر المقالات الموجوده هنا عن وجهة نظر كاتبيها.

* جميع المقالات تحمل إسم المصدر و العنوان الاكتروني للمقالة.






لايف ستايل