الهدوء يبدأ من الداخل: كيف يدعم التنفس العميق توازنك النفسي؟

هل سبق لك أن استنشقت الهواء ثُمّ حبست أنفاسك لبعض الوقت قبل أن تزفر هذا الهواء مُجددًا، لكن برفق شديد؟، بحسب الرجل.

جرِّب الآن، تنفّس مُجددًا، ربّما لم تشعُر بشيءٍ بعد، لكن المواظبة على ما يُعرَف بـ'التنفس العميق'، تساعدك على الشعور بالاسترخاء الذي تبحث عنه بين ضوضاء التوتر والقلق في داخلك، فكيف تُتقِن هذا النوع من التنفّس؟ وهل حقًا يعزِّز الاسترخاء ويُخفِّف القلق؟

التنفس العميق

التنفس العميق، طريقة للتنفّس، تساعد على تقليل قلقك وتوترك، كما تُحسِّن وظائف الرئتين أيضًا، فهذا التنفُّس البطيء، يُنشِّط الجهاز العصبي اللاودي، الذي يجعلك مُسترخيًا، ويحافِظ على طاقة جسمك، وهو على النقيض من الجهاز العصبي السمبثاوي، الذي يزيد مستويات الأدرينالين في الجسم.

التنفس العميق وفوائده النفسية

هل تبحث عن الاسترخاء والهدوء وسط ضجيج الحياة الخارجية وقلقك الداخلي المستمر؟ ربّما يساعدك التنفّس العميق على تحقيق ذلك؛ إذ إنه من تقنيات الاسترخاء الفعالة في تخفيف التوتر والقلق.

1. تخفيف القلق:

بيّنت مراجعة منهجية نشرت عام 2023 في دورية 'Scientific Reports'، أنَّ الأشخاص الذين شاركوا في تمارين التنفّس البطيء، شهدوا مستويات أقل من التوتر والقلق وأعراض الاكتئاب، مقارنةً بغيرهم مِمّن لم يفعلوا ذلك.

بل إنّ التنفّس العميق أو تمارين التنفّس، قد تكون وسيلة فاعلة في علاج الاضطرابات النفسية، مثلاضطراب القلق؛ إذ أشارت دراسة نشرت عام 2022 في مجلة 'Journal of Physical Therapy Science'، إلى أنّ تمارين التنفّس وسيلة فاعلة في تخفيف اضطراب القلق العام، إلى جانب التدخلات العلاجية الأخرى.

2. تقليل التوتر:

كذلك فإنّ التنفّس العميق، يساعد على تقليل مستويات هرمون التوتر 'الكورتيزول'، مما يُسهِم في تخفيف التوتر.

وقد أشارت دراسة صغيرة نشرت عام 2017 في دورية 'Frontiers in Psychology'، إلى أنّ الأشخاص الذين قاموا بالتنفّس العميق على مدى 8 أسابيع، كانت لديهم مستويات أقل بكثيرٍ من هرمون الكورتيزول، مقارنةً بغيرهم.

مخاطر التوتر على الصحة الجسدية

التوتر ليس مُحفِّزًا للمشكلات النفسية فحسب، بل قد يزيد المشكلات الجسدية أيضًا دون أن تشعر، وحسب 'Cleveland Clinic'، فإنّ التوتر قد يُسبِّب:

آلام المفاصل والعضلات.

تفاقُم أمراض القلب وارتفاع ضغط الدم.

ضيق أو سُرعة التنفّس، وهذا قد يكون شديد الضرر على مرضى الرئة.

تفاقُم المشكلات الجلدية، مثل الصدفية أو الإكزيما.

اضطرابات الجهاز الهضمي، مثلارتجاع المريء، الإمساك،القولون العصبي.

الأرق واضطرابات النوم.

زيادة الوزن.

كيف يعزِّز التنفّس العميق الراحة والاسترخاء؟

كشفت مراجعة لـ15 دراسة، نُشِرت عام 2018 في دورية 'Frontiers in Human Neuroscience'، عن طريقة عمل التنفّس العميق على تعزيز الاسترخاء وإزاحة التوتر والقلق عن النفس باستخدام الآليات التالية:

1. التغيّرات العاطفية:

كشفت المراجعة زيادة مشاعر الراحة والاسترخاء واليقظة، وانخفاض مشاعر القلق والاكتئابوالغضب، لكن لمؤلّفي المراجعة نظريّتان حول سبب هذه التغيّرات العاطفية:

- زيادة الإحساس الداخلي

الأُولى أنّ التنفس البطيء يعزِّز القدرة على معرفة والشعور بما يحدث في جسمك، فهم يزعمون بناءً على ذلك أنّ التنفّس العميق يساعدك على التعرّف على مشاعرك وتنظيمها بشكلٍ أفضل.

- الشم والتأثير على القشرة الدماغية

الثانية أنّ التنفّس البطيء، ينطوي غالبًا على التنفّس من خلال الأنف، مما يُنشِّط البصلة الشمية، وهي البِنية العصبية في الدماغ التي تعالِج معلومات الروائح التي نشمُّها، وترتبط بالقشرة المُخيّة، التي تتحكّم في الوظائف العُليا، بما في ذلك الإدراك والعاطفة.

ومِنْ ثمّ حسب تلك النظرية، فإنّ تحفيز البصلة الشمية بالتنفّس العميق، يُؤدِّي إلى تغييرات في القشرة الدماغية، يمكن أن تؤدي إلى حالة من الاسترخاء العميق.

2. موجات ألفا الدماغية:

كذلك يُؤثِّر التنفّس العميق على الجهاز العصبي المركزي، الذي يشمل الدماغ والحبل الشوكي؛ إذ ارتبط التنفّس العميق بزيادة نشاط الموجات الدماغية من النوع ألفا، التي تُعدّ علامة على الأداء الذهني الجيد.

3. تغيّرات الجهاز العصبي اللاإرادي:

كما ذكرنا سلفًا، يُنشِّط التنفّس العميق الجهاز العصبي اللاودي، الذي يتحكّم في كثيرٍ من الوظائف الأساسية، مثل مُعدّل ضربات القلب، الهضم، تنظيم درجة الحرارة، وغيرها، ومن الآثار التي يُحدِثها التنفّس العميق:

زيادة التغيّر فيمعدل ضربات القلب(Heart rate variability).

زيادة التغيّر الطبيعي في سُرعة ضربات القلب في أثناء التنفّس (تزداد سُرعة القلب مع الشهيق وتقل مع الزفير).

وهما علامتان على أنّ القلب والرئتين يعملان بكفاءةٍ، وأن الجسم في حالةٍ متزنة.

تمارين تنفس يمكنك ممارستها في أي مكان

للتنفّس العميق صور مُتعدِّدة، يمكنك تجربة أي منها في أي وقت وأي مكان تريد، فهي كُلّها تُساعِد على الاسترخاء وعلى تخفيف التوتر والقلق، ومنها:

1. التنفّس من الحجاب الحاجز:

الحجاب الحاجز هو العضلة الفاصلة بين أعضاء الصدر وأعضاء البطن، فهو يقع أسفل الرئتين مباشرةً، وإذا كُنت تتنفّس بشكلٍ صحيح، فسوف ينقبض ويتحرّك نحو الأسفل، حتى تتسع رئتاك بما يكفي لاستيعاب الهواء، وعند الزفير يحدث العكس؛ إذ يخرج الهواء من رئتيك.

وللانخراط في التنفّس العميق على هذا المنوال:

ضع إحدى يديك على قلبك والأخرى على بطنك.

تنفّس من خلال أنفك، وأبق يديك على قلبك وبطنك، ولاحظ كيف ترتفع اليد التي على بطنك، بينما يجب أن تبقى التى على قلبك كما هي.

اسحب سُرّتك نحو العمود الفقري في أثناء الزفير، كما لو كُنت تُطفِئ الشموع.

ستشعر بانزلاق اليد الموجودة على بطنك إلى موضعها الأصلي في البداية.

كرّر ذلك 3 - 5 مرات في البداية، مع مراقبة ما تشعر به بعد كل مرة.

2. التنفّس بطريقة 4-7-8:

طريقة تنفّس، تعتمد على الشهيق لـ4 ثوان، والتوقّف عن التنفّس لـ7 ثوان، ثُمّ الزفير لـ8 ثوان:

ابدأ كذلك بوضع يد واحدة على قلبك والأخرى على بطنك.

خُذ نفسًا عميقًا وبطيئًا من بطنك، بينما تشعر بانزلاق الحجاب الحاجز للأسفل، وقُم بالعدّ إلى أربعة في أثناء الشهيق.

ستلاحظ ارتفاع بطنك، فإذا ارتفعت، احبس أنفاسك وقُم بالعد إلى 7.

بعد ذلك قم بالزفير من خلال فمك لمدة 8 ثوان، حتى تفرغ الرئتين تمامًا.

كرّر ذلك من 3 - 5 مرات أو حتى تشعر بالهدوء والاسترخاء.

3. التنفّس المربع أو تنفّس الصندوق:

يُساعِد هذا النوع من التنفّس على تخفيف التوتر أيضًا وتحسين الأداء، فيما يُمارَس على النحو التالي:

الاستنشاق من خلال الأنف لمدة 4 ثوانٍ.

احبس أنفاسك لأربع ثوانٍ.

قُم بالزفير من خلال الفم لمدة 4 ثوان.

احبس أنفاسك مُجددًا لـ4 ثوان.

كرّر هذه الدورة بضع دقائق.

4. التنفّس الرنيني:

يساعد التنفّس الرنيني، الذي هو أحد تقنيات التنفّس العميق، على الاسترخاء وتقليل التوتر وتحسين المزاج، ويمكنكممارسته على النحو التالي:

اجلس مستقيمًا مع بطنٍ مسترخٍ، ثُمّ قُم بالزفير.

استنشق الهواء لمدة 5 ثوانٍ ونصف، مع امتلاء البطن في أثناء دخول الهواء إلى الرئتين.

دون أن تتوقّف، قُم بالزفير لمدة 5 ثوانٍ ونصف، لإفراغ البطن والرئتين.

تنفّس بهذه الطريقة بمعدل4.5 - 7 مرات تنفّس في الدقيقة.

استمرّ على ذلك بضع دقائق إن أمكن.

كيف تحقّق أقصى استفادة من التنفس العميق؟

بالتأكيد سيكون من الممل قطع أوقات عملك أو أنشطتك بالتنفّس العميق، لذا يمكنك وضع أوقاتٍ مُحدّدة خلال يومك لممارسة التنفّس العميق، حتى لو احتجت إلى ضبط منبه مثلًا ليخبِرك بأنّه قد حان الوقت لبعض الاسترخاء والهدوء.

وإذا كان وقتك ضيقًا للغاية، فحاوِل أن تُتقِن التنفّس العميق قبل التعرّض للمواقف التي تُصِيبك بالتوتر أو القلق الشديد، فهذا سيساعدك على الهدوء والاسترخاء والتفكير بشكلٍ أفضل، للتخلّص من التوتر، خاصةً أنّ بإمكانك إتقان التنفّس العميق في أي مكان وبأي وقت ترِيد.