اخبار اليمن
موقع كل يوم -شبكة الأمة برس
نشر بتاريخ: ٣ حزيران ٢٠٢٥
لندن- ناقش المعلق في صحيفة “فايننشال تايمز” جدعون رخمان، قائلاً إن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب دائمًا ما يجبن في القرارات المتعلقة بالسياسة الخارجية. فعلى الرغم من الصخب والغضب الذي يبديه الرئيس، إلا أنه أظهر خوفًا من اللجوء إلى القوة.
وقال الكاتب إنه ممتن للرئيس ترامب وزميله في “فايننشال تايمز” روبرت أرمسترونغ، لأن الكثير من المستثمرين حول العالم يتحدثون حول “تجارة تاكو”. فقد كان أرمسترونغ هو أول من اخترع مصطلح “ترامب يجبن دائمًا” (تاكو)، وقال إن النمط السائد هو أن الرئيس الأمريكي يهدد بفرض رسوم جمركية ضخمة على هدف محدد، لكنه يخفضها لاحقًا، أو يؤجلها، وغالبًا ما يكون ذلك رد فعلٍ على الأسواق السلبية. وقد حدث هذا مع كندا والمكسيك، ثم مع “الرسوم الجمركية المتبادلة” المفروضة على معظم البشر في الكرة الأرضية (وبعض طيور البطريق)، ثم فرْض رسوم جمركية بنسبة 145% على الصين. واستمر التهديد برفع الرسوم الجمركية على الاتحاد الأوروبي إلى 50% لنهاية أسبوعٍ كاملة، أما ما حدث بعد ذلك فهو “تاكو”، أي تردد وجبن.
وفي مؤتمر صحافي عقده الرئيس ترامب في الأسبوع الماضي، ذكّره صحافي بـ “تاكو”، ولم يعجبه السؤال، وقال إنه “سؤال بغيض”. والأبغض من كل هذا هو أن الوصف دقيق، وفي الحقيقة فمصطلح “تاكو” ليس أداة إرشادية للمستثمرين، بل مفتاح لتحليل سياسة ترامب الخارجية. وكما أشار جيرمي شابيرو من المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية، في ورقة نشرها مؤخرًا، فإن ترامب يستمتع بإطلاق تهديداتٍ مرعبة باستخدام القوة، لكنه نادرًا ما ينفذها. ففي ولايته الأولى، هدد ترامب كوريا الشمالية بـ”النار والغضب”، وفكر أيضًا في إمكانية محو أفغانستان “عن وجه الأرض” في عشرة أيام فقط. وما حدث في الحقيقة هو أنه دخل بمفاوضات مع كوريا الشمالية بشأن برامجها النووية. وعندما فشلت المحادثات في نهاية المطاف، لم يتبع ذلك بالنار والغضب، بل بفقدان الذاكرة. وسرّعت كوريا الشمالية برنامجها النووي على مدى السنوات الخمس الماضية، ويبدو أن ترامب قد نسي المشكلة.
وعندما يتعلق الأمر بأفغانستان، وافق ترامب في نهاية المطاف على سحب القوات الأمريكية من هناك دون الحصول على تنازلات حقيقية من طالبان، وهو ما مهّد الطريق لسقوط كابول خلال إدارة بايدن.
ولعل أكثر الأمثلة المثيرة للدهشة عن استخدام القوة، هو أمره باغتيال الجنرال الإيراني قاسم سليماني، في كانون الثاني/يناير، لكن ترامب لم يكن ليصادق على الاغتيال إلا بعد تلقيه تأكيدات بأن مخاطر الرد الإيراني ستكون متدنية.
وفي تحليله لفترتي ترامب في البيت الأبيض، وجد شابيرو 22 مناسبة هدد فيها ترامب باستخدام القوة، لكنه لم يستخدمها إلا في مرتين. وشهدنا 25 استخدامًا فعليًا للقوة، معظمها ضربات محدودة ضد جماعات مثل تنظيم “الدولة” أو “القاعدة”. وفي مناسبتين فقط، سبق الهجمات تهديد رئاسي.
وفي دراسة مسحية للسجل، توصل شابيرو إلى نتيجة، وهي أن “ترامب يستخدم التهديدات والقوة مثل المتنمر في الملعب: فبينما يبدو ضخمًا وقويًا ظاهريًا، إلا أنه يخشى في الواقع استخدام القوة في أي موقف، حتى لو كان الوضع يشبه- وبشكل غامض- حربًا عادلة. ولا يحدث العنف الحقيقي إلا ضد أعداء أضعف بكثير، ليس لديهم أمل في الرد”.
وعليه، فتطبيق مبدأ “تاكو” على أزمات السياسة الخارجية الحالية مفيد جدًا. فقد هدد ترامب بشن هجمات على إيران إذا فشلت المحادثات الحالية للحد من برنامجها النووي. لكن السجل يشير إلى أنه من المرجح أن يظل مترددًا جدًا لتوجيه ضربة لإيران، مهما كانت نتيجة المفاوضات.
وفي ما يتعلق بأوكرانيا، من المرجح أن يكون ترامب أكثر قلقًا من إدارة بايدن بشأن مخاطر التصعيد مع روسيا. ورغم تحذير وزير الدفاع الأمريكي، بيت هيغسيث، الأسبوع الماضي، من أن هجومًا صينيًا على تايوان قد يكون “وشيكًا”، فمن غير المرجح أن يخاطر ترامب بشن حرب من أجل تايوان، مهما فعلت الصين. وفي الوقت الذي ناقش فيه أفراد الدائرة المقرّبة من ترامب استخدام الجيش الأمريكي لملاحقة عصابات المخدرات المكسيكية، إلا أنه قد يتوخى الحذر من المواجهة معهم إذا كان هناك خطر من أن تشن هذه العصابات هجومًا مضادًا على الأراضي الأمريكية.
ومن هنا، فالتردد نابع من قوة البلدان هذه. لكن الأماكن التي يجب عليها القلق، وتبدو عرضة للخطر، ولن ترد على أي هجوم، تضم غرينلاند، ما يشير إلى حاجة كل من الدنمارك والاتحاد الأوروبي لإيجاد سبل لإبلاغ ترامب بأنه سيدفع ثمنًا إذا أقدم على خطوة في الجزيرة.
وفي الحقيقة، فترامب ليس استثنائيًا في نهجه هذا وتردده باستخدام القوة. فقد كان جو بايدن وباراك أوباما قلقين من دفع القوات الأمريكية إلى حروب. ومثل ترامب، فقد تشكّلت نظرتهما كرئيسين من خلال التجربة المُرّة في العراق وأفغانستان.
وما يميز ترامب عنهما، ليس تردده في خوض الحرب، بل التناقض الصارخ بين خطابه المتشدد وحذره في الواقع.
ويبدو أن الرئيس الحالي قد قلب مقولة تيدي روزفلت الشهيرة حول اللين في الكلام والتلويح بالعصا، حيث يفضل ترامب الصراخ بصوت عالٍ وهو يلوّح بقلم رصاص.
لكن علينا ألا نبالغ كثيرًا في أهمية مبدأ “تاكو”، فبعد استفزاز ترامب بالحديث عنه، ربما يحاول أن يثبت العكس، وأنه رجل قوي بالفعل. فبعد يومٍ من سؤال “تاكو” المزعج، رفع ترامب التعريفة الجمركية الأمريكية على الصلب الأجنبي إلى 50%.
وعليه، فليس من الحكمة السخرية من متنمر. ومن الأفضل أن تحتفظ الدول التي تعتقد أن تهديدات ترامب الغاضبة لن تقود إلى أي شيء، بهذا التفكير لنفسها.