اخبار اليمن
موقع كل يوم -شبكة الأمة برس
نشر بتاريخ: ٢٢ تشرين الأول ٢٠٢٥
الرباط -عبد العزيز بنعبو- لا يمكن مطلقا فصل المشهد الثقافي في أي دولة، وقياس نجاحه وإشعاعه دون المرور عبر ميزان الإصدارات الورقية من كتب ومجلات وغيرها من المطبوعات التي تؤكد أن الأمور بخير ومتحرّكة، في حواره مع القدس العربي
لكن هذا الكائن الحي جدا المسمّى «الكتاب»، كلما ذكر اسمه وضعت فئة عريضة من عشاقه وأهله والمشتغلين فيه والمنشغلين به، اليد على القلب، ولسان حالها يقول: إن الوضع سيئ وغير مطمئن، المطبوعات الورقية في طريقها إلى الانقراض، وغيرها من التخوّفات الناتجة أساسا عن الغزو الكبير للإنترنت. وعكس المتداول والرائج من آراء وتخوّفات، يؤكد الكاتب والصحافي والناشر المغربي عبد النبي الشراط، أن الكتاب بخير وسيظل كذلك، وهو «ليس في أزمة، والقارئ يبحث دوما عن الجيد»، لكنه في الوقت نفسه يؤكد أنه «لا توجد في المغرب وزارة للثقافة»، وحجته في ذلك انشغالها بالمهرجانات والحفلات الموسيقية عوض الانشغال بالشأن الثقافي الحقيقي.
طيلة ربع قرن قضاها الشراط في خدمة الكلمة المطبوعة كناشر صاحب «دار الوطن» التي تواصل سيرها في هذا الطريق الوعر، وتتحدى الأحكام المسبقة التي تفيد بأن الكتاب انتهى أو سينتهي. وقبل ذلك بعقود كان وما زال مرتبطا بالورق ككاتب أولا، وكصحافي ثانيا أطلق عدة جرائد ورقية. وعندما تسأله عن حال الكتاب الورقي مع القارئ أولا، ومع المكتبات ثانيا، يسارع الشراط في حديثه لـ»القدس العربي» إلى الإجابة بالقول: «الكتاب يبقى هو صديق المرء الوحيد، الذي لا يخون ولا يغدر أحدا. أما عن حال هذا الكتاب مع قارئه، فإن الجواب يكون من شقين: أولا: من هو هذا القارئ؟ إذا كان القارئ يبحث عن متعة معرفية وفكرية ودينية حتى، فلا شك أنه سيجدها في الكتاب، أي كتاب. ثانيا: إذا كان هذا القارئ يبحث عن أعذار واهية لكيلا يقرأ الكتاب، فإن الخاسر هو القارئ طبعا».
أما بخصوص المكتبات، فيوضح الشراط أن «الحال يختلف من واحدة إلى أخرى، فهناك مكتبات تعتمد (الماركوتينغ) فتجدها نابضة وحية ومنتعشة، وفي حالة العكس تجد ركودا، لأن تسويق الكتاب يخضع للدعاية كأي سلعة أخرى، ومن لا يُجيد فن التسويق في مجاله، عليه أن يعتزله ويبحث عن مهنة أخرى».
الأكيد أن شكايات بعض المثقفين والمهنيين تجعل الحديث عن الكتاب محفوفا بالخوف، فهل يملك هذا الكائن الورقي الأصيل ما يكفي من أسلحة في حرب البقاء مع الإنترنت؟
يقول الشراط: «لقد أجبت عن هذا السؤال أكثر من مرة لوسائل الإعلام، كانت أولها في ما أتذكّر سنة 2000، أي في بدايات عهد تسويق الإنترنت عندنا، وما زلت متمسكا بالإجابة نفسها، وهي أن الكتاب الورقي لن ينقرض، على الرغم من تحديات الإنترنت ووسائط التواصل الاجتماعي. وأنا أتحدث هنا من باب تجربتين، تجربتي كصحافي وناشر لعدد من الصحف الورقية، وكذلك ناشر متخصص في نشر الكتاب الورقي، إذ أمارس هذه المهنة منذ ربع قرن تقريبا، ولحد الآن ما زال الكتاب الورقي مطلوبا، حتى إننا أحيانا نريد تيسير المعرفة على الناس، وننشر بعض الكتب بصيغة (بي دي أف) على الإنترنت بالمجان، ثم نُفاجأ بأن الناس يطلبونها ورقيا، ويدفعون ثمنها. لكنني أعتقد أن الجيل الطالع لن يكون جيلا تربطه علاقة بالورق… إلا القليل».
الارتباط وثيق جدا بين «أزمة» الكتاب كما يصفها البعض، وما ينتج عنها من أزمة لدور النشر والمطابع، فهناك من يؤكد أنها تعيش على وقع التراجع المهول في نسبة رواج الكتاب الورقي، ويستدلون على ذلك بأن الطبع صار في حاجة إلى دعم من وزارة الثقافة، لكن في المقابل يؤكد آخرون أن كلمة «الأزمة» مجرد استنتاج كسول أمام اجتهاد الجميع للسباحة في بحر الإنترنت، لأننا نصادف نجاحات كبيرة لكتب في الولايات المتحدة وأوروبا وتوقيعات ضخمة لا مثيل لها لدينا. وفي هذا السياق، يرى الشراط أن «دور النشر بدورها تنقسم إلى شطرين: هناك دور نشر تتقن فن التجارة، وهناك دور نشر أخرى لا تتقن هذا الفن. بمعنى أن الذي يسعى إلى تكديس الثروة عن طريق الكتاب، فإن هذا الصنف من الناس الناشرين يتجهون لطباعة ونشر الكتب التجارية، ويحجمون عن نشر الكتب المعرفية والفكرية. مثلا كتاب يتطرق لفن الطبخ، يحقق مبيعات أعلى من كتاب يتحدث عن نظرية معرفية أو علمية، والكتاب بدوره له تصنيفات، فهناك الكتاب العام، وهناك الكتاب الخاص، لأن المرأة التي تهتم بالمطبخ، على سبيل المثال، لا يمكنها أن تقرأ كتابا يتحدث عن ظاهرة الإعجاز العلمي، وهكذا».
ويضيف: «إذا عزلنا العالم العربي عن أوروبا وأمريكا بخصوص موضوع الكتاب، فإننا نجد النساء عندنا أقل قراءة من الرجال، بينما في العوالم الأخرى يحصل العكس… وأنا أركز جزئيا على المرأة، لأن المرأة هي أمّنا قبل كل شيء، وإذا كانت هذه المرأة قارئة ومثقفة إلى حد ما، فلا شك أنها ستساهم في تحبيب الكتاب لأبنائها، لكن مع الأسف الشديد، الكثيرات من نسائنا، على الرغم من تقلدهن وظائف مهمة جدا فإن الكثيرات لا يقرأن، خاصة الموظفات بالتحديد».
ويشير الشراط إلى أنه في المغرب تحديدا، الملاحظ «أن أغلب الأنشطة الثقافية الخاصة بتوقيعات الكتب هي أنشطة نسائية بامتياز، لكن ليست كل الكتب التي تنظم لها حفلات التوقيع كتبا حقيقية، باستثناء جزء يسير منها. وإذا أعددت بيبليوغرافيا لهذا الموضوع، فسوف تتأكد بأن القليلات هن من يتجهن لكتابة الأعمال الإبداعية والعلمية والثقافية الجادة، بينما تتجه الأخريات للكتابة.. مجرد الكتابة، وما ينطبق على النساء الكاتبات ينطبق أيضا على الرجال بطريقة أو بأخرى».
ويجزم الشراط بالقول «إن العرب كانوا يقرؤون دوما، وأنا لا أعترف بما يسمى ظاهرة العزوف عن قراءة الكتاب، فأنت خلال زيارتك للمكتبات، أو بعضها على سبيل التدقيق، تجد عالما من الناس يبحثون عن الكتاب (نساء ورجالا وشبابا وفتيات وأطفالا) لكنهم يبحثون عن الكتاب المفيد جدا. وأنا لا يمكنني هنا أن أسمي أنواع المؤلفات، لأن القارئ ذكي ويفهم عادة، ومن خلال التجربة فإن الكتاب المعرفي والفكري ما زال مطلوبا لحد الآن، أما الكتب.. مجرد كتب أو دواوين، فهي مجرد مسميات».
أما عن المكتبات التي أغلقت أبوابها، فيفسر الشراط ذلك بقوله: «بعض المكتبات أصبحت مقاهي، لأن المقهى مشروع مربح بالنسبة لصاحبها، والزبون عادة إنسان كسول، عوض أن يبحث عن شغل يذهب للمقهى ويقضي يومه هناك، ثم يلعن البطالة ويسخط على الأزمة.. أما دور النشر فإن الإنترنت ساهمت كثيرا في ترويج أعمالها وليس العكس، فالإنترنت كما أسلفنا لم يقض على الكتاب، بل ساهم ويساهم في ترويجه». ثم يضيف موضحا سبب إحجامه عن التعامل مع بعض المكتبات: «كناشر ملتزم، أحجمت عن تسويق كتب (دار الوطن) داخل رفوف هذه المكتبات، لأن أغلبها إما لا تؤدي لك قيمة المبيعات بالمرة، أو تماطل عليك. لقد قلت أكثر من مرة إن الكتبيين هم الفئة الأكثر ربحا من الكتاب، وليس الناشر أو الكاتب، فهذان الأخيران مجرد خدمة وشبه عبيد لدى أرباب المكتبات، التي بتّ أمقت طريقة تعاملها حقيقة… ولهذا تعتمد الدار الآن البيع عبر الإنترنت والهاتف ووسائط التواصل الاجتماعي».
وبشأن دعم الكتاب، يوضح الشراط «لا توجد وزارة للثقافة عندنا، بل توجد وزارة أو، بصحيح العبارة، جزء من وزارة يشرف على المهرجانات والنشاط والموسيقى فقط. أنا شخصيا كناشر منذ ربع قرن تقريبا، لم أستفد من وزارة المهرجانات شيئا، باستثناء مرة واحدة سنة 2012، حيث طلبت مني هذه الوزارة بعض العناوين، وكي تؤدي لي قيمتها، انتظرت أربع سنوات، حتى هددت باللجوء للمحكمة». ويختصر الشراط مجمل الردود على أصحاب نظرية انقراض المطبوعات الورقية بقوله: «الكتاب حيّ رغما عنّا جميعا، والكتاب الجيد لا يحتضر أبدا».