اخبار اليمن
موقع كل يوم -شبكة الأمة برس
نشر بتاريخ: ٤ حزيران ٢٠٢٥
إسرائيل ترى أن توسيع الحرب في غزة وزيادة الضغط العسكري مصحوباً بظروف إنسانية قاسية، ستجبر حماس على الموافقة على خطة ويتكوف الجديدة. ولكن في هذا الافتراض عدداً من الأخطاء والتناقضات، التي لا تتساوق مع الهدف العلني، وهو إعادة المخطوفين وتدمير حكم حماس في غزة.
الضغط العسكري – المفهوم المغسول لحجم القتل والقصف الممنهج للبنى التحتية ومن بينها شل الخدمات الصحية المجانية وتدمير مصادر المياه وتجويع مخطط له ونقل قسري للسكان – لم يثمر نتائج حقيقية حتى الآن. لم يتم تحرير المخطوفين، وحماس ما زالت الجسم الوحيد الذي نجري معه المفاوضات. تصفية طبقات قيادة حماس، العسكرية والسياسية، في غزة والخارج، قوضت قدرتها على السيطرة في القطاع وحرمتها من كثير من قدرتها العسكرية، لكن هذه النتائج لم تضر بمكانتها كجسم حصري يقرر مستقبل صفقة إطلاق سراح المخطوفين.
في الأشهر الأخيرة، أثبتت حماس أن رافعة الضغط السياسية المستخدمة عليها، التي نسبت لقطر ومصر وتركيا، تبدو محدودة، بفضل سياسة إسرائيل الارتجالية التي لا ترتكز على أي تخطيط. فسيطرتها على معبر رفح وإغلاقه مثلاً، أضرت بالسكان، وفي الوقت نفسه ألغت رافعة ضغط مهمة كانت في يد مصر، وهي الخطوة التي استفادت منها قطر.
تعتمد رافعة الضغط القطرية على منظومة العلاقات الاقتصادية والسياسية التي تطورت خلال عشرات السنين بتشجيع من إسرائيل، وعلى استضافة الإمارات قيادة حماس الخارج على أراضيها. ولكن إذا كانت إسرائيل والولايات المتحدة قد طلبت من قطر في بداية الحرب تهديد قيادة حماس بالطرد وحتى تنفيذ هذا التهديد، تبين لاحقاً أنه حتى لو تم تنفيذ تهديد الطرد فلن يكون للطرد أي تأثير على قرارات يحيى السنوار أو قرارات من حلوا مكانه في غزة. هم في الأصل تعاملوا مع قيادة حماس الخارج باعتبارها مندوبة ليس لها أي سلطة لاتخاذ القرارات.
بشكل عام، يصعب الآن تقدير ميزان القوة بين خليل الحية المسؤول عن غزة باعتباره حل مكان السنوار، وعز الدين الحداد قائد الذراع العسكري لكتائب عز الدين القسام في غزة. وزير الدفاع، إسرائيل كاتس، أطلق الأسبوع الماضي تهديداً بأن الدور في التصفية سيكون عليهما. وسيكون من المهم رؤية من ستختار إسرائيل لإجراء المفاوضات معه حول المخطوفين بعد تصفيتهما. ربما يشير هذا التهديد إلى أنها قد سحبت يدها من احتمالية تحريرهم.
في الوقت الذي تواصل فيه إسرائيل مطالبة دول الوساطة باستخدام الضغط على حماس، كان ويتكوف وترامب قد عرفا حدودهما. قرار الرئيس المصادقة على إجراء مفاوضات مباشرة مع حماس هو تحطيم لطابو كان يشكل حجر الأساس في السياسة الأمريكية. هذا إنجاز سياسي مهم لحماس، لكنه لا يعتبر هدفاً بحد ذاته. فمن جهة حماس، ترى أن دور الولايات المتحدة هو توفير الضمانات المطلوبة لضمان وقف إطلاق النار، ثم إنهاء الحرب في إطار الاتفاق.
هذا الإنجاز الاستراتيجي لن يضمن بقاء حماس فحسب، بل مكانتها بصفتها الجهة المؤثرة على حل “قضية غزة”. تأمل حماس أن يؤدي الضغط السياسي الأمريكي إلى تقييد الضغط العسكري الإسرائيلي. هنا بالذات تكمن احتمالية تنفيذ خطة ويتكوف، وتحقيق تحرير المخطوفين، حيث نجحت حماس -بمساعدة تصرف إسرائيل المشوش- في بناء معادلة تفيد بأن تحرير المخطوفين يرتبط بـ “تحرير” غزة من إسرائيل. وكما يظهر حسب خطة ويتكوف، فهذه صيغة تميل الولايات المتحدة للتعايش معها بسلام، بالأساس إزاء أبعاد أزمة إنسانية كارثية.
في هذا يكمن تناقض آخر صارخ في سياسة الحكومة؛ ففي بداية الحرب ثمة من قدروا أن الضغط الإنساني الشديد سيجعل السكان يتصادمون مع حماس ويطالبون بابتعادها عن الحكم. لكن هذا لم يحدث. في الواقع، كانت هناك عدة مظاهرات محلية احتجاجية، لكنها لم تتطور إلى عصيان مدني شامل ضد حماس. رغم ذلك، هذا الادعاء نفسه يستمر في تغذية مبرر الضغط الإنساني، حتى عندما تقول الحكومة بأن حماس فقدت سيطرتها على القطاع. وإذا لم يكن هذا كافياً فإن إسرائيل تقول بأن حماس لا تتأثر من حجم الدمار ومن عدد القتلى الذي سيصل إلى 60 ألف شخص تقريباً، من بينهم نساء وأطفال وشيوخ. إذا كان الأمر هكذا فمن الذي يستهدفه الضغط الإنساني للتأثير عليه.
مقابل هذا التناقض، تطرح إسرائيل حجة أخرى، تقول بأن توزيع المساعدات الإنسانية بواسطة صندوق المساعدات الأمريكي، يحرم حماس من مصدر دخل رئيسي. ولكن هذا المسار يعفي حماس من الحاجة إلى الاهتمام بالسكان. وتفعيل هذا المسار ينقل المسؤولية عن علاج الأزمة الإنسانية إلى إسرائيل والولايات المتحدة.
من المهم التأكيد على أن المساعدات الإنسانية لا تصل إلى معظم السكان حتى الآن، ولا حتى إلى نصفهم. وحسب بيانات منظمات الإغاثة في غزة، تم أمس توزيع 18.720 وجبة غذاء، كل وجبة تكفي خمسة أشخاص ونصف بالمتوسط لثلاثة أيام ونصف. من هنا نستنتج أن حوالي 103 آلاف شخص حصلوا على وجبة طعام لثلاثة أيام قادمة.
إضافة إلى ذلك، لا يقين في أن هؤلاء السكان لن يحصلوا أيضاً على الوجبات في الغد، في حين أن السكان الذين لا يمكنهم الوصول إلى مراكز توزيع الطعام سيبقون جائعين. ولا توجد طريقة لمعرفة ما إذا كانت بعض الرزم تصل إلى حماس في طريقها من مراكز التوزيع إلى الخيام السكنية، أو أن رجال حماس أنفسهم لا يحصلون على الرزم من منظمات الإغاثة، لأنه -حسب شهادات بعض السكان في غزة- لم يتم القيام بأي تسجيل ولا التأكد من هوية من يحصلون على الرزم.
النتيجة أن إسرائيل، التي عارضت بشدة إشراك منظمات المساعدة الدولية، في البداية، خاصة منظمات الأمم المتحدة، في توزيع المساعدات، اضطرت “الآن” بواسطة منظمة مساعدة تعمل برعايتها، إلى استدعاء نفس المنظمات التي ترفض التعاون معها. في هذه الأثناء، عليها الموافقة على إمكانية استفادة حماس أيضاً من القناة الإنسانية الجديدة.
لكن حتى لو افترضنا أن الأمر يتعلق بـ “مناطق استيعاب” لبرنامج ممتاز، كما يصور ذلك المتحدثون باسم المنظمة الإنسانية الأمريكية، فمن المتوقع حسب الخطة الأصلية، أن يستفيد منها 1.25 مليون شخص فقط. في حين أن حوالي مليون شخص سيبقون بدون أي رد. هذه النتيجة ستضمن استمرار تعرض إسرائيل للضغط الدولي، بسبب الأزمة الإنسانية، كأداة ضغط لتغيير طبيعة وحجم نشاطاتها العسكرية في قطاع غزة.
مهم التذكير بأن إسرائيل وافقت على خطة ويتكوف التي تشمل وقف إطلاق النار لستين يوماً، وإدخال غير محدود تقريباً للمساعدات الإنسانية وتوزيعها من قبل منظمات الأمم المتحدة. معنى هذا الأمر، أن حماس ستعود للسيطرة على توزيع المساعدات لتوفير احتياجاتها، على الأقل في فترة وقف إطلاق النار، وبالمناسبة يمكن تمديد مدته إذا قرر ترامب فرض إجراء المفاوضات على إسرائيل لإنهاء الحرب في إطار الضمانات التي سيعطيها لحماس.
حتى لو صيغ ذلك بشكل غامض أو كإعلان رئاسي، فإنه يجبر إسرائيل على إجراء المفاوضات مع حماس.
تسفي برئيل
هآرتس 3/6/2025