اخبار السعودية
موقع كل يوم -جريدة الرياض
نشر بتاريخ: ١٨ تشرين الثاني ٢٠٢٥
الرياض - بكر هذال
في أمسية تنبض بالحكايا المشوقة وأساطير كتب التراث، نظم نادي وجيز الثقافي بالتعاون مع مقهى الأدب الذهبي، وتحت مظلة الشريك الأدبي التابع لهيئة الأدب والنشر والترجمة، لقاءً أدبيًا بعنوان 'ضوء على السرد القديم' قدّمه الدكتور أحمد يحيى القيسي، رئيس نادي الهايكو السعودي، وسط حضور لافت من الشعراء والمثقفين ومحبي الأدب.
استهل القيسي حديثه بالتأكيد على أن حياة الإنسان مليئة بالحكايات اليومية المتشابكة؛ فكل يوم يحمل قصة جديدة، بعضها بسيط وبعضها معقد الأحداث، تظهر في الشارع والعمل والملعب والسوق والمنزل، وفي كل مكان يتجه إليه الإنسان. وأوضح أن الإنسان يعيش سلسلة متصلة من الحكايات؛ فهو إما بطل الأحداث أو شاهد عليها، ولذلك ارتبط بالحكاية ارتباطًا وثيقًا منذ وجوده على هذه الأرض. وأضاف أن السرد هو ما يمنح الحكاية قيمتها، فليست كل قصة نشاهدها ممتعة بذاتها، لكن طريقة سردها هي ما يضفي عليها الحيوية، لأن السرد ينقلها من نطاق الواقع إلى محضن اللغة، لتعيش حياة ثانية.
وأكد القيسي أن السرد مهارة وموهبة، وأن الحكاية الواحدة قد تُروى عشرات المرات ولا يتقن حكايتها إلا راوٍ واحد يجيد الإمساك بخيط الحكي، مشيرًا إلى أننا اعتدنا منذ الصغر سماع الحكايات في المجالس ومع الأصدقاء وعند النوم وفي السفر والسهر والسمر، ما جعل السرد جزءًا أصيلاً من الثقافة الإنسانية. وأوضح أن القصة عند العرب القدماء كانت تجربة تُروى للعبرة أو الفكاهة أو التندر أو ما نسميه اليوم بالدراما.
وتناول القيسي أشكال السرد العربي القديم، فذكر أولاً قصص الأمثال التي اكتسبت أهميتها لأنها وليدة تجربة واقعية لا مجرد تعبير إنشائي، مستشهدًا بالميداني في كتابه مجمع الأمثال وقصة المثل الشهير 'إن وراء الأكمة ما وراءها'، الذي يضرب لمن يُفشي أمرًا مستورًا. بعدها تحدث عن أيام العرب التي تطلق على الحروب والمعارك التي دارت بين القبائل قبل الإسلام، وأصبحت مصدرًا مهمًا لمعرفة تاريخ العرب في الجاهلية، مستعرضًا أبرزها مثل: حرب البسوس وداحس والغبراء ويوم ذي قار وحروب الفِجار. كما تناول النوادر التي تعتمد على الطرافة والسخرية، ونشأت في الأصل شفاهيًا في المجالس قبل أن يبدأ تدوينها مع الجاحظ، مؤكدًا أن الإضحاك عنصر رئيس فيها، وهي تُعدّ من أكثر الأشكال القصصية قدرةً على التسلية.
وتحدث القيسي كذلك عن السرد القصير المرتبط بالواقع اليومي، مبينًا أن عنصر الإضحاك عنصر أساسي في صناعة النادرة، لما تحمله من مواقف خفيفة تروي تجارب إنسانية بلغة مرحة.
بعد المحاضرة، ألقى الزميل عبدالله الحسني، مدير تحرير الشؤون الثقافية في جريدة 'الرياض'، كلمة أثنى فيها على موضوع الأمسية، مشيرًا إلى أن الفنون السردية والشعرية تشكل ذاكرة الشعوب، وأن الإنسان احتاج إلى الحكاية قبل اختراع الكتابة، حين كان أفراد القرى يتحلقون حول النار ويتبادلون القصص والأخبار. وبيّن أن هذا الامتداد التاريخي للسرد جعله جزءًا لا يتجزأ من تكوين الوعي الجمعي. كما استعرض الحسني عددًا من الأعمال التراثية المهمة، مثل: أخبار الحمقى والمغفلين لابن الجوزي، وألف ليلة وليلة التي أثّرت في كبار الأدباء الغربيين، ومنهم خورخي بورخيس الذي كان يشير إليها بوصفها كتابًا غيّر نظرته للسرد. وأشار كذلك إلى عيون الأخبار لابن قتيبة، ورسالة الدكتور زكي مبارك في النثر الفني، وإلى 'أدب التوقيعات' في الدواوين الذي يشبه الشذرات السريعة أو التغريدات الحديثة، إضافة إلى 'أساطير شعبية' لعبدالكريم الجهيمان، و'من شيم العرب' للمؤرخ فهد المارك، مؤكداً أن هذه الأعمال شكلت مراجع مهمة لفهم القيم والمروءات العربية. بعد ذلك، فُتح باب النقاش للحضور الذين طرحوا أسئلة متعددة حول أهمية السرد القديم ودوره في حفظ الذاكرة العربية، مما أضفى على الأمسية بعدًا تفاعليًا ثريًا. وفي ختام اللقاء، قام مدير مقهى الأدب الذهبي خالد الزيدان بتكريم الدكتور أحمد القيسي، قبل أن تُلتقط الصور التذكارية في أمسية احتفت بجماليات الحكي وسحر السرد القديم.










































