اخبار الاردن
موقع كل يوم -وكالة جراسا الاخبارية
نشر بتاريخ: ١ تشرين الأول ٢٠٢٥
نجح فريق من الفلكيين وهواة الفلك الأردنيين باستخدام تلسكوبات محوسبة ذكية وبسيطة في الأردن والإمارات وقطر والولايات المتحدة، في رصد وتصوير سديم الدمبل (Messier 27 – NGC 6853) بتعريض امتد إلى 13 ساعة وأربع دقائق وثلاثين ثانية، جُمعت في 4707 صور متتابعة، مدة كل صورة منها 10 ثواتي.
ونفذ الرصد الفلكيون أنس عودة ومكثم أبو علان وهيثم حمدي وعمار السكجي.
واستغرق العمل في معالجة آلاف الصور الفلكية قرابة 10 ساعات من قبل هيثم حمدي؛ إذ أتاح هذا العمل بناء صورة عالية الجودة والدقة لهذا السديم الكوكبي، حيث أظهرت بعض التفاصيل الجميلة مثل الهالات الخارجية الباهتة والعُقَد الغازية الصغيرة داخل البنية المركزية.
وقال رئيس الجمعية الفلكية الأردنية عمار السكجي إن أهمية هذا العمل تكمن في أنه دليل واضح على قدرة الفلكيين الأردنيين على المشاركة الفاعلة في إنتاج بيانات علمية وفلكية جميلة، وعلى أن التعاون في مجال الفلك بات ضرورة علمية وثقافية لا غنى عنها، خاصة في ظل تحديات السماء الملوثة بالأنوار والحاجة إلى تراكم البيانات عبر أكثر من موقع جغرافي.
وبين أن سديم الدمبل ليس جرمًا عاديًا، فهو واحد من أشهر السُدم الكوكبية وأكثرها دراسة، ويمثل نموذجًا مثاليًا لفهم مصير النجوم المتوسطة الكتلة مثل الشمس، عندما نفد وقود النجم الأصلي، انهار قلبه وتحوّل إلى قزم أبيض فائق السخونة تزيد حرارته على 85 ألف كلفن، بينما قُذفت طبقاته الخارجية إلى الفضاء مكوِّنة سحابة غازية متوهجة، الإشعاع فوق البنفسجي القادم من القزم الأبيض هو ما يضيء هذه السحابة، فتتاين ذراتها.
وتابع السكجي 'عندما تعود الإلكترونات إلى مداراتها تنبعث خطوط انبعاث مميزة تجعل السديم يتألق بالألوان التي نعرفها: الأحمر الناتج عن الهيدروجين، والأزرق المائل إلى الأخضر الناتج عن الأكسجين المزدوج التأيّن، والأحمر الداكن الناتج عن النيتروجين'،
وأوضح أن هذه العمليات الفيزيائية تجعل سديم الدمبل بمثابة مرجع أساسي في دراسة فيزياء البلازما الكونية.
وأشار السكجي إلى أنه من الناحية الرصدية، يبعد سديم الدمبل عن الأرض مسافة 1360 سنة ضوئية؛ أي 13 مليون مليار كيلومتر، ويمتد السديم على مساحة تبلغ نحو ثماني دقائق قوسية في السماء، وقطره الحقيقي يقدّر بحوالي 2 إلى 2.5 سنة ضوئية، ويتميز بسرعة تمدد تصل إلى قرابة 25 كيلومترًا في الثانية.
وأوضح أن هذه الأرقام تشير إلى أن عمر السديم لا يتجاوز عشرة آلاف سنة، وهو عمر قصير إذا ما قورن بعمر المجرة والنجوم، وتقديرات الحرارة في غازاته تتراوح بين ثمانية آلاف واثني عشر ألف كلفن، بينما الكثافة الإلكترونية في نطاق مئات الإلكترونات لكل سنتيمتر مكعب، وهي كثافة منخفضة لكنها كافية للحفاظ على انبعاث قوي وواضح.
وأشار إلى أن البنية الداخلية للسديم أعقد بكثير من شكله الدمبلي البسيط، ويهيمن على النواة المركزية الساطعة انبعاث الأكسجين المزدوج التأين، بينما تمتد فصوص ثنائية القطب نتيجة لتفاعل رياح سريعة من النجم المركزي مع رياح أبطأ سابقة.
وبين أن هذا التفاعل يولّد صدمات متداخلة تُسرّع الغاز وتنحت الفصوص بشكل مميز، على الأطراف توجد هالات خارجية باهتة هي بقايا قذائف غازية طُردت في مراحل مختلفة، ويحيط بالسديم عدد كبير من العُقَد والخيوط الغازية الصغيرة، التي تبدو كثيفة نسبيًا وأكثر برودة.
وأشار السكجي إلى أن هذه التراكيب ارتبطت بعدم الاستقرار الهيدروديناميكي وباحتمالية وجود حقول مغناطيسية توجه حركة الغاز، وأن صور الأشعة تحت الحمراء المنشورة في أبحاث مختلفة أظهرت أيضًا مناطق غبارية وبقايا جزيئات H₂، وهو ما يوضح أن السديم ليس مجرد غاز مؤين بل يحتوي أيضًا على بقايا باردة وجزيئية من تاريخ النجم.
وأضاف أن الدروس التي يقدمها سديم الدمبل لا تقتصر على فيزياء النجوم، بل تمتد إلى فهم دورة المادة في المجرة؛ فعندما تنثر النجوم المتوسطة طبقاتها إلى الفضاء، فإنها تغني الوسط البين نجمي بعناصر ثقيلة مثل الكربون والنيتروجين والأكسجين.
وبين أن هذه العناصر هي اللبنات الأساسية للكواكب والحياة، وبهذا فإن موت نجم يتحول إلى عملية إخصاب كوني تساهم في تكوين أجيال جديدة من النجوم، وهو ما يجعل السُدم الكوكبية مثل M27 محورية في فهم تطور المجرات والفيزياء الكونية.
وتابع السكجي 'لم يكن سديم الدمبل دائمًا بهذا الوضوح في السابق، فقد اكتُشف لأول مرة في القرن الثامن عشر واعتبر لغزًا لعلماء الفلك، إذ لم يكن مفهوم السُدم الكوكبية قد تطور بعد، وليام هيرشل وصفه ضمن فئة غريبة من الأجرام الضبابية، وأنجلو سيكي في القرن التاسع عشر اعتبره نموذجًا لأجسام غازية، ومع تطور أدوات الرصد في القرن العشرين، وخاصة بعد إدخال التحليل الطيفي والكاميرات الرقمية، بدأ العلماء يدركون حقيقة بنيته، وفي عام 2000 صُوِّر في مرصد كِت بيك باستخدام تلسكوب 2.1 متر ضمن برنامج بحثي مدعوم من المؤسسة الوطنية للعلوم الأميركية، وكانت الصورة المرجعية آنذاك أظهرت بوضوح الهالات الخارجية الباهتة.
وأضاف 'في العقود الأخيرة، أتاحت التلسكوبات الفضائية مثل هابل وسبتزر رؤية أدق، حيث أظهرت تفاصيل العقد والخيوط في قلب السديم، وكشفت الأشعة تحت الحمراء عن الغبار البارد والجزيئات التي لم يكن ممكناً رصدها في الضوء المرئي'.
وقال السكجي إن هذا العمل المشترك اعتمد على جمع آلاف الصور القصيرة من مواقع متعددة في الأردن والإمارات العربية المتحدة وقطر والولايات المتحدة الأميركية، ثم دمجها في لوحة عميقة واحدة، مبينا أن هذا الأسلوب يتيح تجاوز تأثير التلوث الضوئي المحلي وظروف الطقس، ويُبرز أهمية التعاون الفلكي العابر للحدود، النتيجة صورة ذات تفاصيل دقيقة تكشف عن الجمال الفيزيائي المعقد للسديم، وتؤكد أن العمل العلمي لم يعد حكرًا على المراصد العملاقة وحدها، بل يمكن أن يشارك فيه الهواة والعلماء باستخدام معدات متقدمة وبرامج معالجة متطورة.
وأشار إلى أن سديم الدمبل يقدم درسًا في الفيزياء والفلسفة معًا، فهو يوضح بجلاء أن النجوم ليست أبدية، بل تمر بمراحل حياة وموت، وأن موتها نفسه يتحول إلى بذرة لحياة جديدة، ومن الناحية الفلسفية، يمثل هذا السديم تذكيرًا بأن الكون محكوم بدورات متكررة من الولادة والفناء والتجدد، وأن الجمال الذي نراه في السماء هو في جوهره انعكاس لهذه العمليات الكبرى، ومع ذلك فإن العمل الأخير له بعد ثقافي أيضًا، إذ يثبت أن السماء مفتوحة لكل من يسعى وراء المعرفة، وأن التقدم العلمي لا يعرف حدودًا، وأن العرب قادرون على أن يكون لهم إسهام مباشر في استكشاف أسرار الكون.
وقال إن النظر إلى صورة سديم الدمبل بعمق يضعنا أمام مشهد يتجاوز حدود الجمال البصري، فهو وثيقة طبيعية حيّة عن مصير الشمس والنجوم المشابهة، ومختبر مفتوح لفهم كيف يعيد الكون صياغة نفسه، وإذا كان هذا السديم قد أدهش الأجيال السابقة بجماله الغامض، فإنه اليوم يُدهشنا مرتين: مرةً بما يكشفه من أسرار علمية عميقة، ومرةً بما يلهمه من تعاون إنساني مشترك بين شعوب ودول متباعدة، فالعلم هنا لا ينقل إلينا مجرد بيانات وأرقام، بل يروي قصة شاملة عن الكون والإنسان، وعن العلاقة الأبدية بين النظر إلى السماء والبحث عن مكاننا فيها.