اخبار تونس
موقع كل يوم -اندبندنت عربية
نشر بتاريخ: ٢٥ شباط ٢٠٢٥
أثارت القرارات القضائية جدلاً سياسياً بسبب توقيتها ودعوات إلى تنقيح المرسوم 54
أفرج القضاء التونسي عن كل من الرئيسة السابقة لهيئة الحقيقة والكرامة سهام بن سدرين، والصحافي محمد بوغلاب، ووزير البيئة السابق رياض الموخر.
تزامنت هذه الخطوة مع تتالي المواقف الدولية الداعية إلى الإفراج عن عدد من الشخصيات السياسية والإعلامية في تونس، علاوة على دعوات داخلية لتنقيح المرسوم 54 الذي يمكث بمقتضاه عدد من الصحافيين والإعلاميين في السجون، على غرار برهان بسيس ومراد الزغيدي والمحامية والإعلامية سنية الدهماني.
فكيف تفاعلت الساحة السياسية في تونس مع هذه الخطوة؟ وهل هي نتيجة الضغوط الدولية؟ وهل تفتح مرحلة جديدة من الانفتاح السياسي في البلاد؟
فاجأت القرارات القضائية الساحة السياسية والحقوقية والإعلامية في تونس، بعد فترة من الصرامة في التعامل مع عدد من القضايا ذات العلاقة في الشأن العام السياسي والحقوقي والإعلامي، من قبل الدوائر القضائية التي تتولى هذه الملفات.
وأثار الإفراج عن كل من سهام بن سدرين ورياض الموخر، ومحمد بوغلاب، جدلاً في الساحة السياسية والقضائية في تونس، حيث يطرح الشارع السياسي أسئلة عدة حول توقيت الإفراج والأسباب الحقيقية الكامنة وراء تلك القرارات، وتباينت المواقف بين من يرى أنها ناتجة من ضغط دولي ومن يرى أنها بادرة صحوة من السلطة القضائية.
ضرورة تنقيح المرسوم 54
يجمع عدد من السياسيين على ضرورة الفصل بين القضايا التي لها علاقة بالفساد الإداري والمالي، وقضايا الرأي والتعبير، المتصلة بالمرسوم 54.
ويرفض الأمين العام للتيار الشعبي زهير حمدي محاكمة التونسيين على آرائهم أياً كانت، مجدداً دعوته إلى ضرورة تعليق المرسوم 54 أو تنقيحه، بما يتماشى وروح دستور 2022 ومجمل الاتفاقات الدولية التي وقعت عليها تونس.
ويعتبر حمدي في تصريح لـ'اندبندنت عربية'، أن الصحافيين ومهنة الصحافة عموماً يؤطرها المرسوم 115 و116 وليس المرسوم 54، واصفاً قرار الإفراج عمن حوكموا وفق هذا المرسوم بـ'الموقف الإيجابي من القضاء التونسي'، واصفاً المرسوم 54 بـ'السيف المسلط على رقاب الصحافيين والإعلاميين'، وداعياً إلى 'الإفراج عن البقية من الذين حوكموا وفق هذا المرسوم'.
ويشدد الأمين العام للتيار الشعبي على 'ضرورة توفير المحاكمة العادلة لجميع الموقوفين في قضايا فساد مالي وإداري من السياسيين وتمكينهم من حق الدفاع'.
من جهة أخرى، يعتقد زهير حمدي في أهمية 'تعزيز الجبهة الداخلية عبر سد كل الثغرات التي قد تفتح الباب أمام التدخل الأجنبي، بتوفير مناخ سياسي سليم وإطلاق الحريات ومنع أي نوع من الانتهاكات، وفتح نقاش داخلي في الفضاء العام لحل مشكلات البلاد الاقتصادية والاجتماعية وإخضاع القضايا الوطنية لحوار داخلي، رافضاً أية صورة من صور التدخل الأجنبي أياً كانت جهته في الشأن الداخلي لتونس'.
مرحلة سياسية جديدة
من جهته، جدد النائب في البرلمان عن حركة الشعب عبدالرزاق عويدات دعوته إلى تنقيح المرسوم 54، وإطلاق سراح جميع من سجنوا وفق هذا المرسوم، معتبراً أن المرسوم 115 و116 هو الذي ينظم قطاع الصحافة وليس المرسوم 54'.
ورحب عويدات في تصريح خاص بإطلاق سراح الصحافي محمد بوغلاب، معرباً عن أمله في أن تشمل قرارات الإفراج بقية الموقوفين، واصفاً ذلك بـ'الخطوة نحو مرحلة سياسية جديدة، قوامها الحوار حول الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية للخروج بتونس من وضعها الحالي بتضافر جهود الجميع'.
وبينما يعتبر بعض المتابعين للشأن العام في تونس هذه الخطوة بداية مرحلة سياسية جديدة يقر آخرون بصعوبة الراهن السياسي وتكلس موقف السلطة إزاء عدد من الملفات ورفضها فتح باب الحوار.
النظام الحالي لا يبالي بالضغط الدولي
يطرح أستاذ القانون العام في الجامعة التونسية شاكر الحوكي جملة من الأسئلة حول توقيت الإفراج وخلفياته، مرجحاً فرضية أن 'يكون الضغط الدولي أتى أكله'، متسائلاً لماذا شمل الإفراج بعض الموقوفين دون غيرهم؟
ويستدرك الحوكي بالتأكيد أن 'النظام الحالي في تونس لا يبالي بالضغط الدولي، ويبني سردية حكمه على مقومات السيادة الوطنية، ورفض التدخل الخارجي'، لافتاً إلى أهمية إعادة الوعي لعقل الدولة، وفتح حوار شامل وتحرير القضاء من قبضة السلطة التنفيذية'.
ويرى أستاذ القانون أن الإجابة عن جملة الأسئلة المحيطة بتوقيت الإفراج عن بن سدرين وبوغلاب موجودة داخل أجهزة الدولة التي تسيطر على مؤسسة القضاء، مستحضراً عدد البيانات التي أصدرتها الهياكل القضائية التي نبهت إلى ضرورة الحفاظ على استقلالية القضاء.
ويستبعد الحوكي أن تكون هذه الخطوة بداية مرحلة سياسية جديدة في تونس، واصفاً خطاب السلطة الحالية بـ'الحاد والرافض للحوار، محذراً من العزلة التي باتت تتهدد تونس دولياً جراء خياراتها السياسية'.
ضغط محلي ودولي
تزامن الإفراج الأخير مع تحركات محلية من الحزام السياسي المساند لرئيس الجمهورية قيس سعيد تدعو إلى ضرورة تنقيح المرسوم 54، وتأمين الجبهة الداخلية من خلال حوار وطني، ومع تقارير حقوقية دولية وأممية تدعو إلى إطلاق سراح سجناء الرأي والتعبير والسياسيين وقد تتلوه خطوات أخرى في حق سجناء آخرين.
وفي السياق ذاته، دعا مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان فولكر تورك السلطات التونسية إلى 'وقف جميع صور اضطهاد المعارضين السياسيين'، وإلى احترام الحق في حرية الرأي والتعبير، وطالب بالإفراج الفوري لأسباب إنسانية عمن هم في سن متقدمة وعن الذين يعانون مشكلات صحية.
وينتظر أن يحاكم أكثر من 40 شخصاً، بداية مارس (آذار)، بينهم معارضون من مختلف الانتماءات السياسية، أمام المحكمة الابتدائية في تونس العاصمة، بتهمة 'التآمر على الدولة' وأخرى مرتبطة بالإرهاب، كما تواجه المحامية عبير موسي رئيسة الحزب الدستوري الحر خمس قضايا، تتعلق اثنتان منها بحرية التعبير.
وحثت المفوضية الأممية السلطات التونسية على إعادة النظر في تشريعاتها الجنائية، وضمان توافقها مع قواعد القانون الدولي لحقوق الإنسان ومعاييره.