اخبار تونس
موقع كل يوم -جريدة الشروق التونسية
نشر بتاريخ: ٢ أيلول ٢٠٢٥
عندما فرض الغرب في عام 2022 عقوبات اقتصادية صارمة على موسكو، رفضت دول الجنوب العالمي، التي تشمل دول أفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية، بشكل شبه جماعي الانضمام إلى هذه العقوبات.
وباستثناء سنغافورة، لم تنجح جهود إدارة الرئيس الأمريكي، جو بايدن، في حشد الدول لفرض إجراءات صارمة ضد روسيا. واستمرّ الضغط مع عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، على دول الجنوب العالمي، خاصة عبر فرض رسوم جمركية، كما حدث مؤخراً مع الهند بنسبة 25% للضغط عليها لوقف شراء النفط الروسي.
لكن، ووفق تقرير لمجلة 'فورين بوليسي'، فإن هذه السياسات العقابية لم تنجح في تغيير مواقف دول الجنوب العالمي، التي ترى في روسيا شريكاً إستراتيجيًا وقوة عظمى ضرورية لتحقيق توازن عالمي.
أسباب متعددة
تتمسك دول الجنوب العالمي بروسيا لأسباب اقتصادية وسياسية وجيوسياسية عميقة، إذ تُعد روسيا لاعباً رئيساً في قطاعي الدفاع والطاقة، فهي أكبر مصدّر للأسلحة إلى دول مثل الهند وفيتنام، وتُعتبر مورداً حيوياً للنفط لدول مثل الهند وتركيا، بينما تعتمد البرازيل والمكسيك وكولومبيا على الأسمدة الروسية لدعم قطاعاتها الزراعية.
كما تُعد روسيا رائدة عالمياً في مجال الطاقة النووية، مع مشاريع في دول مثل بوليفيا وإيران، وهذه الروابط الاقتصادية تجعل التخلي عن روسيا مكلفاً للغاية.
أما سياسياً وجيوسياسياً، ترى دول الجنوب العالمي في روسيا قوة عظمى ثالثة تُعزز التعددية القطبية في النظام العالمي، وهو هدف تطمح إليه هذه الدول، ففي حين أدانت العديد من دول الجنوب الهجوم على أوكرانيا في الأمم المتحدة، إلا أنها امتنعت عن دعم العقوبات الغربية، مشيرة إلى تعقيدات الحرب ودور توسع حلف الناتو في تأجيجها.
كما عكست مبادرات مثل خطة السلام الإندونيسية ومهمة الدول الإفريقية في 2023 رغبة الجنوب العالمي في إيجاد حلول وسطية بدلاً من الانحياز الكامل للغرب أو روسيا.
وهناك أسباب جغرافية، فروسيا تُعتبر منفصلة عن الجنوب العالمي بمنطقة عازلة من دول الاتحاد السوفيتي السابق، مما يقلل من مخاوف هذه الدول من أي تهديد عسكري روسي مباشر.
وعلى عكس الصين، التي لديها نزاعات إقليمية مع دول مثل الهند، لا تواجه روسيا نزاعات مماثلة، مما يجعلها شريكاً أكثر أماناً في نظر الجنوب العالمي.
ولا تخلو الأسباب من الجانب التاريخي، فقد تخلّت روسيا عن طموحاتها الأيديولوجية التوسعية التي ميزت الاتحاد السوفيتي، وركزت على مصالح عملية، مثل تعزيز الأمن في منطقة الساحل الإفريقي، حيث استغلت المشاعر المناهضة للاستعمار لتحل محل القوى الغربية.
وتُفضل دول الجنوب العالمي وجود ثلاث قوى عظمى، الولايات المتحدة والصين وروسيا، على نظام ثنائي القطب، لأن الأخير يفرض عليها الانحياز إلى أحد المعسكرين أو المخاطرة بالتحول إلى ساحة حروب بالوكالة.
ويرى تقرير 'فورين بوليسي' أن التعددية القطبية تمنح هذه الدول مساحة استراتيجية أكبر للمناورة، وتتيح لها التأثير على القوى العظمى بسهولة أكبر، ففي قمة مجموعة البريكس في يوليو/ تموز الماضي، في ريو دي جانيرو، أكدت الدول الأعضاء، التي تضم ثماني دول من الجنوب العالمي، على أهمية التعددية القطبية لتوسيع الفرص الاقتصادية والسياسية.
وعلى الرغم من الضغوط الأمريكية، تواصل روسيا تعزيز علاقاتها مع دول الجنوب العالمي، فقد عمّق الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين علاقاته مع فيتنام، وحافظ على مرونة العلاقات مع الهند رغم التهديدات الأمريكية، بينما زار الرئيس الإندونيسي روسيا بدلاً من حضور قمة مجموعة السبع.
وتعتقد المجلة أن هذه التحركات تُظهر أن روسيا ليست معزولة، بل تُعزز صورتها كقوة عظمى تقاوم الهيمنة الأمريكية، مما يجعلها شريكاً لا غنى عنه لدول الجنوب العالمي الطامحة إلى نظام عالمي أكثر توازناً.