اخبار تونس
موقع كل يوم -أنباء تونس
نشر بتاريخ: ٧ حزيران ٢٠٢٥
في الأول من يونيو الجاري، أُلقي القبض على محمد صبري سليمان، وهو مصري يبلغ من العمر خمسةً وأربعين عامًا، في ولاية كولورادو، بعد أن قذف عبوات حارقة على مشاركين في تجمع أسبوعي لدعم الرهائن الإسرائيليين المحتجزين لدى حركة حماس في قطاع غزة. وقد وصفت السلطات الهجوم فورًا بأنه «عمل دنيء»، وأثار الحدث موجةً من الاستنكار. غير أن الزلزال الحقيقي جاء من أعلى هرم السلطة التنفيذية الأمريكية. (الصورة: المتهم محمد صبري سليمان / ابنته الكبرى حبيبة سليمان).
خميّس الغربي *
ففي غضون ساعات قليلة، اعتقلت سلطات الهجرة زوجة سليمان، هايم الجمل، وأطفالهما الخمسة، دون توجيه أي تهمة إليهم. وأعلنت إدارة ترامب نيتها ترحيلهم جميعًا في أقرب وقت. أما البيت الأبيض، فنشر عبر حسابه على منصة “إكس” رسالة مثيرة للفزع: «ست تذاكر ذهاب فقط لزوجة محمد وأطفاله الخمسة». وبررت وزيرة الأمن الداخلي، كريستي نوم، هذا القرار بقولها: «نحن نحقق لمعرفة ما إذا كانت عائلته على علم بهذا الهجوم، وإن كانت قد شاركت فيه».
لكن هذا الظن غير المدعوم بأي دليل أو لائحة اتهام لم يُقنع القضاء. ففي اليوم التالي، أصدر قاضٍ فيدرالي في كولورادو قرارًا احترازيًا يقضي بمنع ترحيل أفراد الأسرة أو نقلهم من الولاية أو من الولايات المتحدة، إلى حين صدور حكم قضائي صريح.
الدوس على القانون الأمريكي على المباشر
بعيدًا عن مشاعر الغضب المشروعة إزاء الهجوم، تطرح هذه الحادثة سؤالًا جوهريًا: سؤال المسؤولية الفردية. إذ إن سعي الإدارة الأمريكية لمعاقبة عائلة المشتبه به بشكل “استباقي”، دون أي إثبات لمشاركتهم أو علمهم، يُعدّ انتهاكًا صارخًا لمبدأ أساسي من مبادئ القانون الحديث: ' لا تُؤخذ نفسٌ بجريرة أخرى'.
هذا المبدأ ليس مجرد فكرة مجردة، بل هو ركن أصيل في البنية القانونية الأمريكية، أُقرّ منذ الثورة الأمريكية عام 1776، وثُبّت في الدستور الأمريكي عام 1787، وفي وثيقة الحقوق عام 1791. وقد شكّل حينها قطيعةً مع الممارسات الاستعمارية البريطانية، التي كانت تجيز العقوبات الجماعية ضد العائلات. وعلى امتداد القرن التاسع عشر، عززت الولايات المتحدة هذا المبدأ من خلال:
• الحد من العقوبات الجماعية،
• ضمان محاكمة عادلة لكل متهم
• وترسيخ مبدأ المسؤولية الجنائية الفردية، بعيدًا عن الانتماءات أو الروابط الأسرية.
انحراف يثير القلق حتى داخل الحزب الجمهوري
وإن كانت هذه الخطوة قد لاقت تصفيق الأوساط الترامبية المتطرفة، فإنها أثارت كذلك قلقًا حتى لدى بعض المحافظين القانونيين، المتمسكين بالتقاليد الدستورية الأمريكية. فالمسألة لا تتعلق بترحيل إداري بسيط، بل بسابقة خطيرة: معاقبة امرأة وخمسة أطفال على فعل لم يرتكبوه ولم يشاركوا فيه بحسب ما هو متاح حتى اليوم.
بهذا التصرف، لا يدافع الرئيس ترامب عن القانون الأمريكي، بل يُحرّفه ويُفرغه من معناه، ويُقدّمه أداة للانتقام الجماعي، متجاهلًا العدالة الفردية التي طالما ادعت الولايات المتحدة تمثيلها.
قرار معلق… لكن الخطر ما زال قائمًا
بفضل القرار الوقائي للقاضي الفيدرالي، لا تزال أسرة سليمان في مأمن مؤقت. غير أن التهديد لم يزل. ومن وراء هذه القضية، يطفو سؤال أعمق: ما الذي يتبقى من دولة القانون حين تطغى الانفعالات السياسية على المبادئ القضائية؟ وماذا يبقى من الديمقراطية حين يصبح التغريد عقوبة؟
بحركة واحدة، أعاد دونالد ترامب العدالة الأمريكية قرنين إلى الوراء. وسيحتاج الأمر إلى أكثر من قرار قضائي واحد حتى لا تبقى هناك.
* كاتب ومترجم.