اخبار تونس
موقع كل يوم -اندبندنت عربية
نشر بتاريخ: ٢٥ تشرين الثاني ٢٠٢٥
انتقادات لاذعة تلاحق الطرح وتأكيدات على عدم التراجع عن المكاسب التشريعية للمرأة
أثار نقاش نادر داخل البرلمان التونسي في شأن تعدد الزوجات مخاوف جدية من فرضية الارتداد على المكاسب التي جنتها النساء طوال العقود الماضية. فمنذ صدور مجلة الأحوال الشخصية في الـ13 من أغسطس (آب) عام 1956 بات الجدل في شأن هذه النقطة محسوماً حين حظرت آنذاك البلاد تحت قيادة الزعيم الحبيب بورقيبة تعدد الزوجات، لكن النقاش حول ذلك عاد إلى الواجهة بعد ثورة عام 2011.
دعا النائب عبدالستار الزارعي الذي ينتمي إلى كتلة 'الأمانة والعمل' إلى تعديل مجلة الأحوال الشخصية وإلغاء حظر تعدد الزوجات وهو ما أثار سجالاً حاداً داخل البرلمان التونسي، وذلك على هامش مناقشة الموازنة. وقال الزارعي في مداخلة غير مسبوقة إنه 'يتحدث من منطلق مجتمعي وليس دينياً، فمجلة الأحوال الشخصية قيدت الرجل في تونس ويجب إباحة تعدد الزوجات، وأؤكد أن جزءاً كبيراً من الشعب التونسي يدعم هذه الفكرة وينتظر فتح النقاش في شأنها داخل البرلمان'. وتابع أن 'هذه الخطوة قد تكون حلاً لعديد من المشكلات مثل ارتفاع حالات الطلاق والنفقة'.
وأحدثت هذه الدعوة جدلاً داخل البرلمان حيث انتقدتها النائبة فاطمة المسدي بشدة ما يعكس حجم الانقسام الذي يخيم على مجلس النواب على رغم من صلاحياته المحدودة، لكن وزيرة المرأة التونسية أسماء الجابري نفسها استغربت 'بشدة' صدور مثل هذه الدعوات من البرلمان، وقالت إنه 'لا تراجع عن المكاسب التشريعية للمرأة التونسية'، ومضت قائلة إن 'النقاش في شأن تعدد الزوجات خط أحمر لا يجوز تجاوزه حتى عند مناقشة تعديل مجلة الأحوال الشخصية'.
وتحظر مجلة الأحوال الشخصية تعدد الزوجات وتفرض عقوبة بالسجن على كل من يخالف ذلك، وقد عاد الجدل إلى الواجهة إبان تولي الإسلاميين الحكم إثر عام 2011.
وعدت الصحافية والناشطة النسوية مريم مطيراوي أن 'الأمر محسوم منذ صدور مجلة الأحوال الشخصية إبان الاستقلال عام 1956، وجرى حظر منع تعدد الزوجات وكذلك منح عديد من الحقوق للنساء وهو أمر لا ننكره ولكن نسعى إلى البناء عليه وتكريس المساواة الفعلية'. وأوضحت مطيراوي أنه 'لا يمكن الحديث عن أمور جرى حسمها والنائب الذي طرح هذا الأمر يسعى إلى الإثارة، أو يتبنى خطاباً ذكورياً يرجع أي أزمة على غرار الخيانة أو التفكك الأسري إلى منع تعدد الزوجات، وهناك تيار كامل في تونس اليوم يسعى إلى إلغاء النفقة الممنوحة للمرأة المطلقة'.
وقالت، 'لا نستغرب صدور هذا الخطاب من البرلمان الحالي الذي نشهد فيه خطاباً سيئاً وصل حتى تكريس للجهويات بين التونسيين، لكن الخطاب المعادي للمرأة يتعزز في ظل مواقف الرئيس قيس سعيد المناهضة للمساواة الفعلية بين النساء والرجال'.
وواجهت هذه الدعوات موجة من الاستنكار، إذ قالت رئيسة الاتحاد الوطني للمرأة، راضية الجربي، إنها 'مخجلة سواء من حيث المضمون أو من حيث توقيتها'.
تجدر الإشارة إلى أن تونس سعت منذ عام 2014 إلى تكريس مزيد من الحقوق النسائية وذلك على يد الرئيس الراحل الباجي قائد السبسي الذي طرح مبادرة أثارت جدلاً دينياً واجتماعياً غير مسبوق آنذاك تتعلق بإقرار المساواة في الميراث، لذلك واجهت هذه الدعوات الآن بصدمة واستغراب، إذ يتطلع كثر إلى تعزيز حقوق المرأة وليس التراجع عنها. ويرى الباحث السياسي التونسي المنذر ثابت أنه 'بالفعل صدرت دعوات داخل البرلمان من أجل مراجعة مجلة الأحوال الشخصية وخصوصاً نقطة تعدد الزوجات، وهذه ليست المرة الأولى التي تصدر مثل هذه المواقف عن شخصيات في المشهد السياسي في تونس'.
وأكد ثابت في تصريح خاص أنه 'لا بد من تأكيد مسألة، وهي أن هذه الأصوات المعزولة داخل المجتمع والفضاء السياسي التونسي لا تأثير لها، ويمكن أن تدرج ضمن تفاعل مع أزمة اجتماعية حقيقية تتجسد في مسائل مثل تأخر سن الزواج والفشل داخل المؤسسة الأسرية (نحو 50 حكم طلاق يومياً في البلاد)، وكل هذه الإشكالات مثل الهجرة غير النظامية والبطالة تدفع البعض إلى طرح مثل هذه التصورات'. ولفت إلى أنه 'عموماً، المجتمع التونسي وثقافته معادية لتعدد الزوجات، وحتى الآن لم تجد هذه الدعوات ما يمكن أن يشكل تيار داعم لها، ولا يوجد موقف يمثل شريحة مهمة داخل الرأي العام تتبنى مثل هذه الأفكار، لكن التسويق السياسي لبعض الشخصيات يعتمد هذا الأسلوب وهذه الأفكار'.
واستنتج ثابت أن 'من حيث المبدأ لا يمكن أن نتبنى حقوق الإنسان وفي الوقت ذاته تعدد الزوجات ولا يمكن أن يستوعب ضمن مقولات الحداثة والديمقراطية، لذلك أعتقد أن الجزء الأعظم من التيارات الفكرية والسياسية في تونس لا يؤيد مثل هذه الدعوات، بل العكس يمتنع حتى عن التفاعل معها، لذلك تظل هذه الدعوات هامشية بصورة كبيرة'.
وفي ظل موجة الاستنكار التي واجهتها مثل هذه الدعوات سواء رسمياً أو من منظمات وفاعلين سياسيين واجتماعيين فإنها ستبقى على الأرجح معزولة في بلد يئن تحت أزمات اقتصادية واجتماعية وسياسية يرى كثر أنها الأولى بالنقاش عن غيرها.

























