اخبار تونس
موقع كل يوم -جريدة الشروق التونسية
نشر بتاريخ: ٣ أيلول ٢٠٢٥
في عمل مسرحي فريد يحمل في طياته معاناة حقيقية ومواقف إنسانية عميقة، قدم الفنان التونسي صابر السحيمي المعروف بكنية 'القيصر' او 'سيزار' مسرحية 'سلطة سيزار' نص واخراج بلال الميساوي التي تتناول قضايا ذوي الهمم في المجتمع التونسي من منظور شخصي مباشر. ويحمل 'القيصر' بطاقة إعاقة لم يعمل على اشهارها لدى الجميع، مما منحه شرعية فريدة لتقديم صوت هذه الفئة عبر الفن المسرحي، مسلطًا الضوء على ما وصفه صابر بـ'الإقصاء والاضطهاد' الذي يعانونه يوميًا.
رؤية فنية وشمولية في معالجة القضايا
انطلقت مسرحية 'سلطة سيزار' بعد نجاح كبير لمسرحيته الأولى 'اهوا' التي استمرت عروضها لعامين، إذ استطاع سيزار أن يبني قاعة جماهيرية واسعة لدى التونسيين، ما وضع على عاتقه مسؤولية تقديم عمل مسرحي متقن وهادف.
تمزج المسرحية بين الخرافة والحكي الواقعي، حيث لم تقتصر على موضوع معين، بل سلطت الضوء على العديد من المواضيع الاجتماعية المرتبطة بذوي الهمم، من بداية الحياة وحتى نهايتها، مجسدةً تجربة شاملة ومتكاملة.
ويقول صابر القيصر في حوار للشروق' إن مسرحية 'سلطة سيزار' تأتي لتعبر عن قضية لا تكاد تُرى بوضوح في المجتمع، وهي المعاناة التي يعيشها ذوي الإعاقات غير الظاهرة، ممن يحاولون العيش بكرامة وسط بيئة تواجههم بالتهميش والبيروقراطية القاسية حسب وصفه
شرعية التعبير وصوت شخصي معبر
ويذهب صابر القيصر إلى أن حصوله على بطاقة إعاقة رسمية، منحه صلاحية وقوة لتوصيل رسالة واقعية عبر فنه، يقول في حواره للشروق إنه 'صوت ينطلق من تجربة شخصية وممارسات يومية، لا مجرد شاهد عيان، ركز في تعبيره على أن الشرعية الحقيقية هي تلك التي تُمنح للإنسان من خلال مصداقيته وتجربته الخاصة، لا من خلال القوانين أو التصريحات الرسمية وحدها هذه الشرعية الذاتية تمكنه من مخاطبة جمهوره بواقعية وصراحة، دون الحاجة للالتزام بقيود تقليدية أو مجاملة، مما يجعل عرضه قادرًا على كسر الحواجز وتوجيه النظرة الإنسانية إلى عوالم مخفية في مجتمعنا'.
معاناة ذوي الهمم: واقعية غير منعكسة في القوانين
ويعتبر صابر أن مسرحية 'سلطة سيزار' مرآة تعكس واقعًا يوميًا صعبًا، يتعرض فيه ذوو الهمم لشتى أنواع ما وصفه بالإهمال والاضطهاد، بدءًا من تدني مستوى الخدمات المقدمة، مرورا بالمشاكل الإدارية التي تعرقل منحهم حقوقهم، وانتهاءً بالنظرة المجتمعية المتحيزة التي تعمق من عزلتهم حسب تعبيره.
يشير سيزار إلى أن جزاءهم في المجتمع يمثل سلبًا من حقوقهم بداية من التسمية السطحية لبطاقة الإعاقة، مرورًا بمنح مادية ضئيلة لا تكفي لتغطية الاحتياجات، وعدم توفير مرافق ومعدات ضرورية في الشوارع والمدارس ومراكز التكوين، فضلاً عن المعاملة الإدارية غير العادلة التي تزيد من معاناة هذه الفئة.
مزج الكوميديا بالرسالة الاجتماعية
إحدى أبرز سمات 'سلطة سيزار' هي المعادلة الصعبة التي نجح في تحقيقها بين الاضحاك والجدية، إذ استعمل الفكاهة في مواقف كوميدية ساخرة لتسليط الضوء على الواقع. يستند في ذلك إلى المبدأ القائل: 'الإبداع يولد من رحم المعاناة'، فارضًا على الجمهور أن يضحك ويتأمل في آنٍ واحد، مما يعزز تأثره بالرسالة وأعمق معانيها.
هذا الأسلوب منح المسرحية بعدًا خاصًا جعلها قادرة على الوصول إلى شرائح مختلفة، وفتح باب النقاش حول قضايا قلّما تُطرح علنًا.
نداء للتغيير والاهتمام
يؤكد صابر سيزار أن هدفه من المسرحية ليس فقط التسلية، بل نشر الوعي وتحفيز العمل الجاد من أجل توفير المزيد من الحقوق والاهتمام والتدريب لذوي الهمم في تونس، داعيًا المجتمع كله إلى دعم هذه الفئة وتقدير قدراتها ومواهبها.
مسرحية 'سلطة سيزار' نموذج حي على دور الفن في نقل الواقع المكبوت عبر رسالة إنسانية صادقة، فصابر سيزار يمثل بصوته وتجربته الحية عمق القضية التي تعانيها الفئة الأكثر حساسية في المجتمع التونسي، مقدّمًا أداءً يمزج الجرأة بالإبداع، والضحك بالتوعية، وذلك في عمل يستحق أن يلقى اهتمامًا كبيرًا من الجميع.