اخبار تونس
موقع كل يوم -اندبندنت عربية
نشر بتاريخ: ٢٠ حزيران ٢٠٢٥
الأسباب تتركز في البحث عن عمل والتعليم الجيد وتحسن مستوى المعيشة زيادة على التغيرات المناخية
بعيداً من الضجيج تتواصل ظاهرة الهجرة الداخلية في تونس من عمق البلاد في مدن وقرى لم تصلها التنمية إلى المدن الكبرى الساحلية الأوفر حظاً والأفضل من ناحية جودة الحياة، وإن كانت هذه الحركة السكانية انتقالاً طبيعياً فإنها تخفي وراءها فجوة تنموية عميقة بين جهات البلد الواحد.
يقول صابر الوحيشي موظف في شركة خاصة، إنه ترك والديه في تطاوين بأقصى جنوب تونس وجاء إلى العاصمة لإنهاء تعليمه العالي، وبعدها قرر البقاء لأن العمل في قريته أمر مستحيل لعدم توفر شركات تشغل الاختصاص الذي درسه.
أما نورهان التي جاءت من إحدى قرى الشمال الغربي للبلاد، فتقول إنها تعمل بمجال الموسيقى وتنظيم الحفلات، وإن العمل في قريتها شبه مستحيل لاعتبارات عدة. مضيفة 'جئت إلى العاصمة من أجل تحقيق حلمي في ميدان فني يتطلب البقاء هنا، حيث الآفاق أوسع بكثير من مناطق أخرى تموت فيها الأحلام'.
مازن طبيب شاب من سيدي بوزيد جنوب وسط البلاد، يقول إنه اختار البقاء في مدينة سوسة حيث أنهى تعليمه في مجال الطب، مبرراً اختياره بأن 'الطب يتطلب مستشفيات جامعية يمكن فيها متابعة كل المستجدات في الميدان، لكن الأوضاع في مستشفيات بعض المناطق الداخلية للبلاد كارثية، ولا توفر للطبيب أبسط متطلبات العمل مما يجعله في وضع حرج مع المرضى والمواطنين'.
مستوى المعيشة
أظهرت النتائج التفصيلية للتعداد العام للسكان لعام 2024 توزيع الكثافة السكانية في مختلف أنحاء تونس، حيث تبين أن أكبر تركيز للسكان في الجهات الساحلية وتونس الكبرى.
ترى الباحثة في علم الاجتماع صابرين الجلاصي، أن تونس من الدول المهددة بتنامي الهجرة الداخلية لأسباب من بينها البحث عن العمل، والفرص التعليمية، وتحسين مستوى المعيشة، مع بروز معطى جديد وهو التغيرات المناخية.
وتضيف أن البحث عن فرص عمل من الأسباب الرئيسة للهجرة الداخلية، حيث يختار كثير من السكان المناطق التي توفر وظائف أكبر، وعادة ما تكون المدن الكبرى الساحلية. كما تتجه بعض العائلات إلى هذه المناطق التي يكون فيها مؤشر التنمية مرتفعاً مقارنة بمناطق أخرى داخلية، بحثاً عن فرص تعليمية أفضل لأبنائها، مما يؤثر في معدلات الهجرة الداخلية.
وتواصل الجلاصي، أن كثيراً من الناس يسعون إلى تحسين مستوى معيشتهم من خلال الهجرة إلى المدن الكبرى، حيث توجد فرص أفضل في العمل والخدمات الصحية والترفيهية.
وتفيد بأن التغيرات المناخية والبحث عن المياه أصبحت أيضاً من العوامل الجديدة التي يترك بسببها كثير من التونسيين مناطقهم الداخلية الجافة إلى مدن أخرى، بخاصة منطقة تونس الكبرى التي قد تصبح مستقبلاً بؤرة للهجرة الداخلية بسبب التغيرات المناخية.
في سياق متصل تعد الجلاصي، أن هذه الهجرة الداخلية تسببت في عدم توازن التنمية الاقتصادية والاجتماعية'، موضحة 'يؤثر عدم التوازن بين المناطق في تونس على الهجرة الداخلية، حيث يفضل السكان المناطق الأكثر تنمية'، ومضيفة 'هذا الوضع يجعل المناطق التي تشهد نفوراً بسبب ضعف التنمية أكثر تهميشاً وتخلفاً من ناحية التنمية الاقتصادية، حيث لا نجد بها كفاءات في غالب المجالات التي بدورها تهرب من هذه المناطق'.
البؤر الساخنة
قال البنك الدولي في تقرير صدر قبل أشهر، إنه من دون إجراءات فورية لمكافحة تغير المناخ وارتفاع مستويات البحار وشح المياه وتراجع إنتاجية المحاصيل، فإن 216 مليون شخص قد يضطرون إلى الهجرة داخل بلدانهم بحلول عام 2050.
وجاء في تقرير البنك الدولي الذي خصص لـ'الاستعداد لاحتواء الهجرات الداخلية الناجمة عن تغير المناخ'، أن من بين ست مناطق يشملها بالتحليل، تأتي شمال أفريقيا في المركز الرابع ضمن المناطق التي تتهددها هذه الظاهرة.
وفي ما يخص منطقة شمال أفريقيا، توقع التقرير أن تصبح التغيرات في الكميات المتاحة من إمدادات المياه الدافع الرئيس إلى الهجرة الداخلية بسبب المناخ، إذ ستجبر الناس على ترك المناطق الساحلية والداخلية التي يزداد فيها شح إمدادات المياه.
وينخفض النمو السكاني في هذه البؤر الساخنة على امتداد الساحل الشمالي الشرقي لتونس. وقال التقرير إنه بالنسبة إلى مدينة تونس الكبرى فهي مرشحة لأن تكون بؤرة هجرة داخلية إذا لم يتم التحرك. ويظهر كذلك بؤراً ساخنة عدة للهجرة الداخلية الناجمة عن تغير المناخ بحلول عام 2030، وتواصل انتشارها وتفاقمها بحلول 2050.
هذه التوقعات والأرقام حذر من نتائجها كثير من التونسيين الناشطين في مجال المناخ والمياه والبيئة، مقابل ذلك لم تصدر أية أرقام من الجهات الرسمية التونسية تحدد عدد حالات الهجرة الداخلية المناخية باعتبارها نوعاً جديداً من الهجرة. وما يتم تداوله من معطيات معظمه صادر عن منظمات دولية وأممية، ومن ذلك الأرقام التي كشف عنها التقرير العالمي حول النزوح الداخلي لعام 2022، الصادر عن مركز رصد النزوح الداخلي، لكنه أهمل تفاصيل دقيقة عن الوضع في تونس، إذ اكتفى بالإشارة إلى أن عدد حالات النزوح بسبب الكوارث بلغ 2000 حال خلال 2022.
لكن ربما يخفى على من لم يتأثروا بعد بصفة مباشرة بالتغيرات المناخية، أن هناك كثيراً من المهن فقدها أصحابها فاضطروا إلى البحث عن موارد رزق أخرى خارج المحيط الذي تعودوا عليه، ومن ثم اللجوء إلى الهجرة الداخلية. فبسبب ارتفاع درجات الحرارة ونقص المياه وتقلص المساحات الزراعية، غيّر كثير من العاملين والعاملات في المجال الفلاحي وجهتهم من الأرض إلى البحث عن مهن أخرى، وكذلك الحال بالنسبة إلى مربي المواشي .
ومن أكثر المتضررات في هذا الخصوص النساء الفلاحات، مما دفع وزارة الأسرة والمرأة والطفولة وكبار السن إلى تبني خطة وطنية للمرأة والتغيرات المناخية بالتعاون مع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، من أبرز أهدافها إيلاء التمكين الاقتصادي للمرأة الريفية الأولوية ضمن هذه الخطة، والتشجيع على بعث مشاريع خصوصاً في المناطق الريفية.