هل يهدد العزوف الانتخابات الرئاسية المقبلة في تونس؟

دعوات إلى إجراء حوار سياسي وطني وتأمين حال من التعايش بين مختلف التيارات السياسية

لم يختلف الدور الثاني عن نظيره الأول في الانتخابات المحلية في تونس، والقاسم المشترك بين المحطتين هو عزوف التونسيين عن المشاركة، إذ أبدى الجسم الانتخابي، المقدر بنحو تسعة ملايين ناخب، حالة من اللامبالاة تجاه الانتخابات التشريعية 2022 التي أفرزت البرلمان الحالي، وأيضاً إزاء الانتخابات المحلية الأخيرة.

وأعلنت الهيئة العليا المستقلة للانتخابات أن النسبة العامة للمشاركة في الدور الثاني من الانتخابات المحلية بلغت 12.44 في المئة، وبلغت النسبة في الدور الأول 11.66 في المئة، بينما بلغت نسبة المشاركة في الانتخابات التشريعية عام 2022 (11.22) في المئة.

وإزاء تدني نسبة المشاركة في المحطات الانتخابية المتعددة التي عاشتها تونس في السنتين الأخريين، هناك تخوف من أن تمتد ظاهرة العزوف إلى المحطات الانتخابية المقبلة على غرار الانتخابات الرئاسية، مما ينذر بقطيعة تامة بين النخبة السياسية الحاكمة والشارع.

وعلى رغم أنها انتخابات ذات خصوصية لاهتمامها بالشأن المحلي، فإنها لم تكسر قاعدة العزوف التي باتت ظاهرة لافتة في المشهد السياسي التونسي، كما لم تتوفق هيئة الانتخابات، على رغم الاستراتيجية التي وضعتها للتوعية بأهمية الانتخابات المحلية في دفع التنمية المحلية، في التحفيز على المشاركة.

فتور عميق وليست قطيعة

ورأى النائب السابق في البرلمان هشام الحاجي أن 'ظاهرة العزوف تكاد من أن تكون عالمية، إذ يتجه الناخبون في عدد من دول العالم إلى العزوف عن المشاركة في الانتخابات، على رغم أن النسب متفاوتة بين دولة وأخرى، بينما كشفت الانتخابات الأخيرة في تونس نزوع التونسيين نحو العزوف عن المشاركة السياسية منذ 2019'، لافتاً إلى أن 'أعلى نسبة مشاركة كانت في انتخابات المجلس الوطني التأسيسي، عام 2011، إذ بلغت 54.1 في المئة'، مضيفاً أن 'رئيس الجمهورية قيس سعيد يعتقد في الحكم المباشر بين السلطة والشعب، ولا يؤمن بالأجسام الوسيطة، من منظمات وأحزاب، ولا يعترف بقدرتها على التعبئة والتأطير، بينما انبنى العقل السياسي في تونس، منذ عقود، على الأحزاب، مما أثر في نسبة المشاركة'.

ولا يعتبر الحاجي ظاهرة العزوف نوعاً من القطيعة بين السلطة الحاكمة والشعب، بل يراها 'فتوراً عميقاً'، مشدداً على أهمية 'تنويع العرض السياسي الذي يتم تقديمه إلى الناخب من خلال خطاب سياسي واقعي ومقنع'، ومحذراً مما سماها 'مرحلة خيبة الأمل في السياسيين'، وداعياً إلى 'بلورة مشروع سياسي يجمع التونسيين من أجل إعادتهم إلى الاهتمام بالشأن العام والمشاركة السياسية في تجربة ديمقراطية فتية انطلقت بدستور الـ25 من يوليو (تموز) 2022'، ولئن اعتبر النائب السابق أن 'لرئيس الجمهورية شعبية أكثر من منافسيه المفترضين في الانتخابات الرئاسية المقبلة'، إلا أنه رأى أن 'الناخب التونسي ينتظر منجزاً اقتصادياً واجتماعياً وأفقاً سياسياً واضحاً'.

القطيعة

في المقابل، رأى رئيس الجمعية التونسية من أجل نزاهة وديمقراطية الانتخابات 'عتيد' بسام معطر أن 'ظاهرة العزوف عن المشاركة في الانتخابات ستطاول الانتخابات الرئاسية المقبلة التي ستجرى في الظروف السياسية والاقتصادية والاجتماعية نفسها، علاوة على حال الانقسام السياسي التي تمزق المشهد السياسي العام في البلاد، وجملة المتغيرات التي شهدتها الساحة السياسية في الفترة الأخيرة من توقيفات ومضايقات'.

ولفت معطر إلى أن 'القطيعة باتت واقعاً سياسياً لا مفر منه بين النخب السياسية والشارع التونسي، بسبب ترذيل العمل السياسي والتجربة الديمقراطية والانتخابات، إذ يتم اتهام النخب السياسية بكل مشاربها ومرجعياتها بالتورط في المال السياسي الفاسد، من دون تقويم حقيقي، ومن دون الأخذ بالاعتبار بكل ما هو إيجابي من تجربة الانتقال الديمقراطي السابقة، بل يتم التركيز فقط على السلبيات، مما أثر في الناخب الذي بات يحمل الانتخابات مسؤولية الأزمات التي يعيشها'.

واعتبر رئيس جمعية 'عتيد' أن 'العزوف رد فعل طبيعي وشكل من أشكال التعبير عن موقف سياسي من العملية الانتخابية، ومن المشروع السياسي الجديد الذي بدأته تونس، في يوليو 2021، مما يؤثر في مشروعية أي شخصية أو مؤسسة منتخبة'، داعياً السلطة الحاكمة إلى ضرورة 'التفطن إلى هذه المعضلة (العزوف) من أجل المصلحة الوطنية'.

واقترح معطر 'إجراء حوار سياسي وطني'، داعياً مجلس النواب إلى إثراء هذا الحوار، وتأمين حال من التعايش بين مختلف التيارات السياسية، والانفتاح على المجتمع المدني لضمان مشاركة أوسع ولاسترجاع ثقة المواطن في الانتخابات. وأكد من جهة أخرى أن 'الانتخابات المحلية جرت وسط ضبابية كبيرة، بخاصة في ما يتعلق بصلاحيات المجالس المحلية وأهدافها وأدوارها، علاوة على أن تسقيف تمويل الحملة الانتخابية أثر في سير العملية الانتخابية وفي نسب الإقبال على صناديق الاقتراع'.

الانتخابات المحلية صوت المهمشين

وتعد هذه الانتخابات تتويجاً للمسار السياسي الجديد الذي وضعه رئيس الجمهورية قيس سعيد بعد الاستفتاء على دستور جديد، وإجراء انتخابات تشريعية مبكرة في ديسمبر (كانون الأول) 2022، والذي يهدف من خلاله إلى الخروج بالبلاد من أزماتها السياسية والاقتصادية.

وسبق لرئيس الجمهورية أن قال إن 'الانتخابات المحلية ستمكن المهمشين، والذين لا صوت لهم، من أن يكونوا فاعلين، وأن يسهموا في اتخاذ القرارات'، مرجعاً سبب عزوف الناخبين عن مراكز الاقتراع في انتخابات المجالس المحلية خلال الدور الأول إلى 'رفض عامة التونسيين لفكرة البرلمان'.

يذكر أن هذه الانتخابات قاطعتها الأحزاب السياسية التي ترفض مسار الـ25 من يوليو 2021، ومن بينها ائتلاف يتكون من 6 أحزاب، أبرزها 'حركة النهضة'، و'حزب العمال'، و'حزب آفاق تونس'، و'الحزب الجمهوري'.

ومن المتوقع أن يتم تنصيب أعضاء المجلس الوطني للجهات والأقاليم في يونيو (حزيران) 2024، على أن يتم تنظيم الانتخابات الرئاسية في سبتمبر (أيلول) أو أكتوبر (تشرين الأول) المقبلين، بحسب قول الناطق الرسمي باسم الهيئة العليا المستقلة للانتخابات محمد التليلي المنصري في ندوة صحافية في الرابع من فبراير (شباط) الجاري.