اخبار تونس
موقع كل يوم -اندبندنت عربية
نشر بتاريخ: ٢ تشرين الأول ٢٠٢٥
يرى مراقبون أن التنافر بين المملكة والجزائر أثر بصورة كبيرة على الاتحاد المغاربي
طوال التاريخ السياسي المعاصر راوحت العلاقات بين المغرب وتونس بين الاستقرار والبرود نظراً إلى السياقات التاريخية التي عاشتها المنطقة المغاربية، ومرت العلاقات بينهما بمحطات فارقة طبعت تاريخهما المشترك، إذ تقاسم البلدان ويلات الاستعمار الفرنسي بداية منذ عام 1881 بالنسبة إلى تونس و1912 للمغرب، لكنهما نالا استقلالهما في العام نفسه (1956).
وتعود العلاقات التاريخية بين البلدين إلى زمن الفتوحات الإسلامية، حين قدم الفاتح عقبة بن نافع من تونس إلى المغرب، وخاض معارك ضد القبائل البربرية عام 62 للهجرة. كما شدت فاطمة الفهرية الرحال من القيروان إلى مدينة فاس المغربية، حيث أسست أقدم جامعة في العالم وهي جامعة القرويين عام 859 ميلادية.
أشهر قليلة بعد نيل الدولتين الاستقلال عن الاستعمار الفرنسي، ليجري ملك المغرب محمد الخامس زيارة إلى تونس، وتحديداً في أكتوبر (تشرين الأول) عام 1956، حيث التقى خلالها الرئيس الحبيب بورقيبة. كانت تلك الزيارة هي الأولى لملك المغرب إلى تونس. إثر ذلك، جرى تسمية أكبر شارع في تونس العاصمة باسم 'شارع محمد الخامس'.
بدوره رد بورقيبة على تلك الزيارة بأخرى مماثلة إلى المغرب في مارس (آذار) 1957، وفي هاتين الزيارتين المتبادلتين جرى التوصل إلى ما يعرف في تاريخ البلدين الدبلوماسي بمعاهدة الأخوة والتضامن.
إلا أنه وفي ظل توتر ظرفي للعلاقات بين البلدين بسبب دعم الحبيب بورقيبة استقلال موريتانيا، توجه الرئيس التونسي إلى المغرب، عام 1961، لحضور جنازة الملك الراحل محمد الخامس، وهو ما استحسنته الرباط، وبعد ذلك ببضعة أعوام وفي عام 1964، زار الملك الحسن الثاني تونس، ومثلت تلك الزيارة لحظة فارقة في طي صفحة الخلافات والتوترات بين البلدين.
وفي عام 1980، واجهت تونس محاولة إرباك للنظام، عندما حاولت مجموعة مسلحة مدعومة من النظام الليبي بقيادة معمر القذافي، السيطرة على مدينة قفصة، وعرفت تلك العملية بـ'أحداث قفصة'. وندد الملك المغربي الحسن الثاني، وقتها بالعملية.
وقال الملك الحسن الثاني في حوار تلفزيوني مع قناة فرنسية، 'في حال تعرضت تونس لأي اعتداء فإن المغرب سيكون إلى جانب الشعب التونسي، ولا يمكن التفكير في زعزعة النظام'. وتوطدت العلاقة بين البلدين لأعوام في فترة حكم الرئيس الراحل زين العابدين بن علي، بينما حافظت تونس على نهج الحياد في قضية الصحراء الغربية التي مثلت الملف الأكثر حساسية في علاقات البلدين.
وخلال عام 2014، قرر الملك محمد السادس زيارة تونس، ومكث فيها أياماً عدة، وتجوال وسط شوارعها في العاصمة والتقى المواطنين التونسيين.
مثل صيف عام 2022 المنعرج في علاقة البلدين بمناسبة انعقاد منتدى التعاون الأفريقي- الياباني (تيكاد 8) في تونس، الذي قاطعه المغرب بصورة رسمية، بعدما استقبل الرئيس قيس سعيد، رئيس جبهة البوليساريو إبراهيم غالي، وهو ما عدته الخارجية المغربية 'عملاً عدائياً صارخاً وغير مبرر، ولا علاقة له بتقاليد الضيافة التونسية'.
في المقابل، قالت وزارة الخارجية التونسية إن 'دعوة الحضور للندوة التي تستضيفها تونس قد وجهها الاتحاد الأفريقي، وأن تونس حافظت على حيادها التام وموقفها الثابت في قضية الصحراء، التزاماً بالقرارات الدولية'.
وبينما لم يصدر عن تونس أي موقف رسمي يوحي بتغير موقفها إزاء ملف الصحراء الغربية، الذي يرتكز على قرارات الأمم المتحدة، فإن الجمود طبع العلاقات بين البلدين منذ تلك الفترة في غياب تمثيل دبلوماسي رسمي بينهما.
وعلى رغم أن الدبلوماسية التونسية راكمت رصيداً ثرياً من الحياد القانوني في قضية الصحراء الغربية وامتنعت عن تبني موقف عدائي صريح تجاه أي من طرفي النزاع، لا يزال الجمود هو سيد الموقف في علاقة البلدين في الوقت الراهن.
ويرى خالد الشيات المتخصص في مجال القانون الدولي والعلاقات الدولية في جامعة محمد الأول في وجدة بالمغرب، أن 'فترات الجفاء في علاقة المغرب بتونس لم تكن طويلة، وأن تاريخ العلاقات الثنائية مبني على رصيد ثري من التوافق والتآزر الاقتصادي'، مشدداً على 'ضرورة إيجاد حلول من أجل عودة العلاقات بين البلدين'.
ويقول الباحث في العلاقات الدولية في حديثه إلى 'اندبندنت عربية'، إنه 'رغم عدم التجانس بين المؤسسات السياسية في البلدين، لن يحول دون عودة الدفء إلى العلاقات الثنائية'، مستحضراً 'مبادرة الملك محمد السادس بزيارة تونس عام 2016، تأكيداً لما يجمع البلدين من علاقات عريقة'.
ويوضح أن 'سبب الجمود الراهن في العلاقات بين البلدين هو استقبال سعيد لرئيس جبهة البوليساريو، وهو ما أخرج تونس من المرحلة التاريخية التي كانت تقوم على أساس التوازن في علاقاتها بين المغرب والجزائر، بينما تقيم الرباط علاقاتها مع بقية دول العالم، بناء على مواقفها من قضية الصحراء الغربية'. وينبه إلى أن 'تونس وللأسف اختارت هذا التوجه في مرحلة تاريخية تعرف مزيداً من الاعترافات بمغربية الصحراء'.
المتخصص في العلاقات الدولية خالد الشيات يؤكد أيضاً أن 'تونس اصطفت إلى جانب الجزائر، وكان عليها أن تبقى على حيادها في مسألة الصحراء الغربية'، داعياً إلى 'إعادة العلاقات الطبيعية بين البلدين'.
ويقول إن 'التنافر بين المغرب والجزائر أثر بصورة كبير على الاتحاد المغاربي'، لافتاً إلى أن 'الجزائر تعمل على تحييد المغرب من خلال العمل على إنشاء كيان مغاربي يجمع تونس وليبيا والجزائر من دون المغرب لكن هذا الكيان لن ينجح في غياب المملكة'.
ويشدد على أن 'المغرب ينتظر من تونس أن تكون محايدة وألا تكون لا مع المملكة ولا مع الجزائر'، مؤكداً أن ذلك ليس مستحيلاً لأن تونس بإمكانها أن تحافظ على علاقاتها مع البلدين من دون أن تتوتر مع طرف منهما.
وبحسب مراقبين، فإن استقبال الرئيس قيس سعيد لرئيس جبهة البوليساريو فسر من قبل المغرب باعتباره خروجاً على التقليد، بينما قدمته الرئاسة التونسية بصفته التزاماً بإطار أفريقي مشترك، مما يوحي بأن المشهد ذاته قرأته الدولتان بزاويتين متناقضتين تماماً، وهو ما أنتج شرخاً في العلاقات بين البلدين.
حافظت تونس لعقود على موقفها المحايد من قضية الصحراء الغربية، وهو الموقف الذي جنبها التوترات المحتملة مع كل من الجزائر من جهة، والمغرب من جهة أخرى. وهنا يرى المتخصص في العلاقات الدولية في الجامعة التونسية، منتصر الشريف، في تصريح خاص، أن 'علاقة تونس بالمغرب تاريخياً ممتازة، وكانت تربط الملك محمد الخامس علاقات جيدة بالزعيم الراحل الحبيب بورقيبة، في ظل حركة عدم الانحياز، بسبب مصالح مشتركة بعد الاستقلال'.
ويشير إلى أن 'المغرب استفاد اقتصادياً بعد حال الوهن التي عرفتها تونس بعد 2011، بمغادرة عديد المؤسسات الاقتصادية تونس في اتجاه المملكة'.
ويعيد التذكير بأن المغرب عد استقبال تونس لرئيس جبهة البوليساريو اصطفافاً مع الجزائر، واصفاً الوضع بين البلدين بـ'غير الطبيعي'، لأن تونس لا تتدخل في شؤون المملكة. وعلى سبيل المثال كانت تونس الدولة الوحيدة التي رأت التقارب بين المغرب وإسرائيل 'مسألة داخلية تعني المغرب فقط'.
من جهة أخرى يرى الشريف أن 'اتحاد المغرب العربي هو هيكل منتهي، بلا حراك، مضيفاً أن التقارب بين كل من تونس وليبيا والجزائر يبقى مفتوحاً لانضمام المغرب'، داعياً إلى إيجاد آليات لإعادة الأمور إلى وضعها الطبيعي مع المغرب لأن تونس دولة معتدلة وعلاقاتها جيدة مع الجميع، ولا يوجد ما يبرر توتر العلاقات التاريخية والاقتصادية بينهما.
يذكر أن وزير الخارجية السابق، نبيل عمار، أوضح قبل أشهر أن عودة العلاقات التونسية المغربية إلى نسقها 'قد يحدث في أي وقت' بعودة السفيرين، تأصيلاً لعمق العلاقات التاريخية بين البلدين الشقيقين.