اخبار تونس
موقع كل يوم -أنباء تونس
نشر بتاريخ: ١ تموز ٢٠٢٥
عزم الرئيس الأمريكي دونالد ترامب على رفع العقوبات عن الجيش السوري وربما بدأ في تنفيذ ذلك، بعد اللقاء الشهير بينه وبين الرئيس السوري أحمد الشرع في السعودية برعاية الأمير محمد بن سلمان ولي عهد المملكة العربية السعودية، ويبدو أن هذا اللقاء كان إشارة إلى عهد جديد تشهده المنطقة برمّتها كما خطّط لها ترامب ونتنياهو.
فوزي بن يونس بن حديد
الرئيس الأمريكي والوزير الأول الإسرائيلي يتحدّثان سويًّا إلى وسائل الإعلام ويقولان أنهما يغيّران الشرق الأوسط، ويبنيان دولا جديدة تعترف بإسرائيل دولة في الشرق الأوسط دون مُنغصات، وتقزيم القضية الفلسطينية باعتبارها ليست قضية قومية ولا دينية ولا تمت حتى بالإنسانية، فكلُّ ما جرى في غزة الجريحة، لم يكن ليؤثر في قادة الغرب إلا بقدر ما يطفئ لهيب الشارع الذي بدأ يشتعل وينمو اشتعاله يومًا بعد يوم، ولكنه لم يصل إلى الحدّ الذي يؤثر بشكل مباشر في الزعماء السياسيين الذين يبدو أنهم يواصلون المشوار لإعادة تشكيل الشرق الأوسط وفق الرؤية الأمريكية الصهيونية.
ووفق هذه الرؤية المشؤومة، فإن الشرق الأوسط الجديد الذي يقصدونه، هو شرق يعترف بإسرائيل دولة على الأرض، ولا يحقّ لجيرانها مهاجمتها تحت أي ظرف من الظروف، ولها الحق في الدفاع عن نفسها بأي وسيلة، ولها الحق في امتلاك القنابل النووية، والصواريخ الباليستية وغيرها لإزالة التهديد الإيراني الذي لا يزال يمثل خطرا محدقًا عليها، وتتسيّد أمريكا المشهد في الدفاع عن مدلّلتها إسرائيل في أي وقت وأي زمن وبالطريقة التي تريدها، غير أن السفينة هل تجري بما يشتهي الرجلان أم أن هناك عقبات هائلة تنتظرهما في الطريق؟
أحمد الشرع صار بطلًا قوميًّا
لا شك أن تغيير النظام في سوريا لم يكن نتيجة ثورة سورية من الداخل كما تزعم وسائل الإعلام، بل كان نتيجة تأثير خارجي واضح، تزعّمته أمريكا وطرفاه إسرائيل وتركيا وربما دولة قطر التي كانت تسعى إلى تغيير النظام السوري منذ 2011، وبات واضحًا أن تهديد نتنياهو الذي وجّهه لبشار الأسد قبل أيام من هروبه كان إشارة بيّنة لتغييرٍ سيحصل في سوريا وفي أقرب الآجال، وما الهيئة العامة لتحرير الشام إلا وسيلة سوريّة ظاهرة للعيان ضخّمتها قناة الجزيرة القطرية بأنها هي التي حرّرت سوريا من قبضة الأسد، بينما الفاعل الحقيقي كان وراء الستار، والدليل أن الجميع عبّر عن إشادته بالتغيير الذي حصل في سوريا بسرعة هائلة وفي مقدمتهم الرئيس التركي والرئيس الأمريكي وبعض الدول العربية والغرب عموما، وبدأت الوفود تأتي لدمشق للتعبير عن التأييد المطلق، وصار أحمد الشرع بطلًا قوميًّا في سوريا بعد أن كان عميلًا إرهابيًّا تبحث عنه أمريكا والعراق وغيرهما من الدول.
فالشرع تغيّر بين عشية وضحاها بين إرهابي تبحث عنه الدول الكبرى إلى رئيس دولة تتعامل معه الدول الكبرى قبل الصغرى في المنطقة، وصارت سوريا وجهة دوليّة مرموقة تحمل في طياتها كثيرا من الخفايا الخطيرة التي ستظهر لاحقًا ربما، وإذا كان الراعي الأكبر قد صافح الشرع ذات يوم في السعودية فيعني ذلك منطقيًّا وعقليًّا وسياسيًّا وبروتوكوليًّا أن هناك صفقات كبيرة تمت تحت الطاولة بين الدول الكبرى، لعل أهمها ملف التطبيع مع إسرائيل الذي يشغل بال الدولة العبرية ويقض مضجعها لتستبيح بعدها أي مكان يمكن أن يعارضها أو يسبب لها إزعاجًا، ولتحصره في زاوية معينة وتخنقه كما تفعل اليوم مع إيران.
سوريا تعيش تجربة مُرّة مَرّة أخرى
فسوريا الأسد كانت من الدول الممانعة، وتساعد وتساند المقاومة الفلسطينية، وبها عديدُ المقرات التي تضم مقاومين فلسطينيين ولبنانيين وكانت من مناصري حزب الله اللبناني ومؤيديه، ولذلك عملت أمريكا وإسرائيل وبعض الدول العربية على كسر هذه اليد، بدعوى الحرية والكرامة، فحدث ما حدث في سوريا منذ 2011 من الحرب الداخلية التي أهلكت الحرث والنسل، وجعلت سوريا بلد أشباح، وهاجر على إثرها نصف الشعب، وبات الشعب كله في فقر مدقع وخوف مستدام، وها هو اليوم وبعد الثورة المزعومة والحرية المنقوصة يعيش تجربة مُرّة مَرّة أخرى قد تكون أخطر بكثير مما كانت عليه في عهد الأسد، وهي السماح لإسرائيل بأن ترتع وتلعب في سوريا من شمالها إلى جنوبها، دون محاسبة ولا معاقبة ولا حتى إدانة ودائما يبقى ذلك في إطار الدفاع عن النفس.
فالمسألة اليوم تحت المحك، وتبقى رغبة الرئيس الأمريكي في رفع العقوبات عن سوريا محل شك وارتياب، فترامب لا يمنح شيكًا على بياض، وقد تعودنا منه أنه لا يُقدم على شيء إلا بعد أن يَقرص ضيفه كما فعل مع من يخالفهم في البيت الأبيض، ولعل رئيس جنوب إفريقيا كان أبرز مثل واضح على رفض طلبات ترامب وامتعاض الأخير منه.