اخبار السعودية
موقع كل يوم -جريدة الرياض
نشر بتاريخ: ٢٢ أيلول ٢٠٢٥
جورجي سعد ومها رعد*، وجايانث مانتري**
أصبحت منطقة الشرق الأوسط عموماً، والدول الخليجية خصوصاً، من أهم روافد التجارة العالمية، فقد رسّخت مكانتها وارتقت إلى مصاف أهم وأبرز مُصدّري النفط والغاز والأنواع البديلة من الوقود على مستوى العالم، حيث يتم نقل كمية كبيرة من النفط عن طريق خطوط التجارة البحرية، غير أنها تعتمد في الوقت نفسه بشكل كبير على استيراد السلع الأساسية، من المواد الغذائية إلى المنتجات المُصنّعة.
ومع ذلك، أدّت المنطقة دور هامشي في قطاع بناء السفن حتى الان، الذي هيمنت عليه اليابان أولاً لفترة طويلة، ثم كوريا الجنوبية، تلتها الصين في الآونة الأخيرة.
يُلفت إلى أن هذه الصورة بدأت تتغير، إذ تُمهّد الدول الخليجية الطريق وتُرسي الأسس اللازمة لعصر جديد من القدرات والإمكانات البحرية، ونجاحها في ذلك يُبشّر بقدرة المنطقة على تحقيق تأثيرات إيجابية ضخمة وهائلة لا تقتصر على دعم التجارة فحسب، بما يشمل الاحتياج المتزايد لنقل مصادر الطاقة – حيث يستمر الطلب على ناقلات النفط وناقلات الغاز الطبيعي المُسال وسفن الدعم البحري في الازدياد – وإنما أيضاً تعزيز أولويات الأمن الوطني وتلبية الطلب المتزايد على الترفيه.
وإذ تتمتع المنطقة بأهم مقومات النجاح التي تكفل تعزيز قدراتها البحرية، ألا وهو الموقع حيث تُطل على ممرات بحرية استراتيجية كمضيق هرمز والبحر الأحمر – وهي طرق ستشهد إقبالاً متزايداً من حيث مرور خطوط التجارة بها، فمن المتوقع أن يرتفع عدد السفن العابرة في البحر الأحمر وحده من 28 ألف سفينة في عام 2025 إلى ما يقرب من 48 ألف سفينة بحلول عام 2040. علاوةً على ذلك، تتميّز منطقة الخليج بموقع فريد يجعلها مركزاً عالمياً لبناء السفن وتقديم الخدمات البحرية. وإلى ذلك، تهدف المملكة العربية السعودية، سابع أكبر دولة من حيث الإنفاق على قطاع الدفاع على مستوى العالم، إلى توطين 50% من ميزانيتها العسكرية في إطار رؤية 2030، مما يساهم في صناعات السفن العسكرية.
كذلك يُبشر التأثير الاقتصادي بتحقيق النجاح المنشود في تعزيز القدرات البحرية، فمن خلال بناء أحواض بناء سفن محلية وسلاسل إمداد محلية للصناعات البحرية، تُشير التقديرات إلى أن الدول الخليجية قادرة على تحقيق قيمة اقتصادية تبلغ 40 مليار دولار أمريكي خلال العقد المُقبل، والتي بدلاً عن ذلك لكانت ستتسرب إلى المورّدين الأجانب. بالإضافة إلى ذلك، يُساهم هذا التحوّل في توفير ما يصل إلى 70 ألف فرصة عمل، مُعززاً بذلك القواعد الصناعية على مستوى المنطقة.
تجدر الإشارة إلى أن ديناميكيات السوق العالمي تُشجّع هذا التوجّه، ومن المتوقع أن يشهد بناء السفن التجارية نمواً مُطّرداً خلال العقد المقبل وما بعده، حيث تُشير التوقعات إلى عملية تجديد ضخمة للأساطيل بحلول عام 2035، حيث ستصل أساطيل طاقتها الاستيعابية تقرب من 100 مليون طن من إجمالي الطاقة الاستيعابية العالمية إلى 25 عاماً في الخدمة ما سيستوجب استبدالها. وفي الوقت نفسه، جاري العمل على بناء ما يقرب من نصف السفن المطلوبة بحلول عام 2035 لاستخدامها في نقل الأنواع البديلة من الوقود، مما يُؤكد حدوث تحول هيكلي طويل الأمد في الطلب، وهو أمر لن تتمكن قواعد بناء السفن البحرية التقليدية من التعامل معه لا محالة.
ما الذي يتطلبه الأمر لكي تبني دول مجلس التعاون الخليجي قطاعاً حيوياً لبناء السفن؟ يمكن تصنيف المتطلبات إلى ثلاث مجموعات: أوّلها، توجيهات واضحة من الحكومات لوضع أولويات وطنية خاصة ببناء السفن لتوجيه تفعيل القطاع، أمّا المجموعة الثانية من المتطلبات، فتتمثّل في عوامل التغيير الواجب تطبيقها أو تعزيزها، وتشمل ضمان الطلب طويل الأمد على شركات بناء السفن من خلال تطبيق جملة من التدابير، منها اتفاقيات شراء الإنتاج الإلزامية، بحيث تُلزم هذه الاتفاقيات المؤسسات العاملة في القطاعين العام والخاص بتأمين نسبة محددة من احتياجات أساطيلها من شركات بناء السفن المحلية.
يُشار إلى أنه ستكون هناك حاجة لتطوير البنية التحتية البحرية الحيوية، متضمنةً أحواض بناء السفن، والمناطق الاقتصادية الخاصة، ومرافق الموانئ. وفي هذا الصدد، يجري حالياً تنفيذ بعض المشاريع البارزة، ويُذكر منها على سبيل المثال مجمع الملك سلمان العالمي للصناعات والخدمات البحرية في رأس الخير بالمملكة العربية السعودية، وهو مخصص لبناء السفن، ويقدم حوافز، منها الإعفاءات الضريبية، وتخفيف اللوائح وانسيابية الإجراءات، وتوفير بنية تحتية عالمية المستوى.
وقد تكون الحوافز المالية القوية ضرورية كذلك لاستقطاب المستثمرين والحدّ من تقلبات السوق، فعلى سبيل المثال، تُقدم سلطة دبي البحرية حالياً حلول تمويلية متنوعة وحوافز للمستثمرين في القطاع البحري، وذلك بالتعاون مع مصرف الإمارات للتنمية.
أمّا بالنسبة للمجموعة الأخيرة من المتطلبات، فإنها تتمثّل في عوامل التمكين اللازمة لبناء منظومة بناء السفن، وتشمل توجيه الاستثمارات نحو جهود البحث والتطوير في مجال التقنيات البحرية المتقدمة، والكوادر الماهرة، والدعم التنظيمي، والسياسات والإجراءات. وبهذا الخصوص، جاري العمل على تنفيذ مجموعة من المبادرات في الدول الخليجية حيث حدّثت دولة الإمارات العربية المتحدة قانونها البحري مؤخراً، بإضافة أحكام تتعلق بالملكية الأجنبية، وتسهيل إجراءات استخراج التراخيص، كما أصدرت المملكة العربية السعودية قانوناً بحرياً في عام 2018 ينص على إلزامية ممارسة جميع أنشطة الملاحة البحرية الداخلية بواسطة سفن سعودية ترفع علم المملكة.
صحيح أنه لا يزال هناك الكثير من الجهود والمساعي المطلوبة من المنطقة، غير أنها قادرة على ترسيخ مكانتها باعتبارها القوة المستقبلية لقطاع بناء السفن من خلال الاستفادة من موقعها الاستراتيجي، والطلب المتزايد في القطاعات التجارية والدفاعية ونقل مصادر الطاقة، والمبادرات الحكومية المصممة بشكل جيد.
*شركاء
**مدير مسؤول في ستراتيجي& الشرق الأوسط، وهي جزء من شبكة برايس ووترهاوس كوبرز