في وادي الموت.. نبات غريب يعيد ترتيب "أحشائه" ليقهر الحرارة

في قلب 'وادي الموت' بولاية كاليفورنيا، حيث تتجاوز درجات الحرارة صيفًا 49 درجة مئوية وتذبل معظم أشكال الحياة، اكتشف العلماء سرًا بيولوجيًا مذهلًا يختبئ داخل شجيرة صحراوية تبدو للوهلة الأولى مجرد 'عشبة ضارة'، لكنها قد تحمل مفتاح تأمين غذاء البشرية في ظل التغير المناخي.

الدراسة الجديدة التي نُشرت في 17 نوفمبر الجاري بمجلة (Current Biology)، كشفت أن نبات 'تيديستروميا أوبلونجيفوليا' (Tidestromia oblongifolia) يمتلك قدرة فريدة على 'إعادة ترتيب أحشائه' وتغيير بنيته الخلوية الداخلية ليزدهر في درجات حرارة تؤدي عادة إلى توقف عملية التمثيل الضوئي في النباتات الأخرى.

كيف يحدث 'السحر' البيولوجي؟

أخضع الباحثون بذورًا من النبات لظروف تحاكي 'وادي الموت' لمدة شهر. والمفاجأة كانت أن النبات لم يكتفِ بالبقاء حيًا، بل ضاعف كتلته الحيوية ثلاث مرات في غضون 10 أيام فقط.

وجد العلماء أن النبات قام بعملية هندسية دقيقة داخل خلاياه:

– نقل 'البطاريات': قام النبات بزيادة عدد 'الميتوكوندريا' (مصانع الطاقة في الخلية) وجعلها أكثر قدرة على الحركة، لتقترب من مواقع البناء الضوئي (البلاستيدات الخضراء) لتزويدها بطاقة مركزة وفورية.

– تغيير الأشكال: تحولت البلاستيدات الخضراء من شكلها البيضاوي المعتاد إلى شكل يشبه 'الكوب'، وهي ظاهرة نادرة شوهدت سابقًا في الطحالب ولم تُرَ في النباتات العليا.

– تصغير الأوراق: أنتج النبات أوراقًا أصغر حجمًا لكن بكثافة أعلى للتعامل مع الحرارة.

لماذا يجب أن نهتم؟

تكمن أهمية هذا الاكتشاف في 'الأمن الغذائي العالمي'. فمع ارتفاع درجات الحرارة العالمية، تواجه محاصيل رئيسية مثل القمح والذرة خطر انخفاض الإنتاجية.

ويقول سونغ ري، عالم الأحياء النباتية والمشارك في الدراسة: 'إن فهم هذه التكيفات قد يساعد الباحثين على تصميم محاصيل واستراتيجيات إدارة زراعية لتحسين النمو في ظل درجات الحرارة المرتفعة المتكررة'.

ويصف آندي لي، عالم بيئة النبات في جامعة التكنولوجيا بسيدني، هذا النبات بـ'الغريب حقًا'، مشيرًا إلى أنه 'يبدو كعشبة ضارة قد تتجاهلها، لكنه يقوم بأشياء غريبة قد تكون المفتاح لتحسين محاصيلنا'.

ويضيف أن النبات يعيد تشكيل 'آلاته الضوئية' فعليًا عندما تشتد الظروف، لضمان استمرار العمل.

وتشير الدراسة أيضًا إلى أن النبات يقوم بإعادة توجيه 'النسخ الوراثي' (Transcriptome) الخاص به، لتفعيل جينات محددة مسؤولة عن الاستجابة للحرارة ونظام الإصلاح الذاتي، مما يقدم للعلماء 'خارطة طريق' محتملة لنقل هذه الصفات الوراثية إلى المحاصيل الزراعية التي نعتمد عليها يوميًا.