اخبار السعودية
موقع كل يوم -اندبندنت عربية
نشر بتاريخ: ٢٠ أيلول ٢٠٢٥
زيارة لاريجاني إلى الرياض ولقاء ولي العهد ووزير الدفاع كانت مقررة قبل القمة التي جمعت الأمير محمد بن سلمان بالرئيس مسعود بزشكيان
قد لا تكون الزيارة التي قام بها أمين المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني علي لاريجاني إلى السعودية عابرة أو مجرد حراك دبلوماسي إيراني باتجاه الدول الفاعلة والمؤثرة في الإقليم وعلى الساحة الدولية، بل من المحتمل أن تؤسس لمرحلة مختلفة وجديدة من التعاون قد لا يقتصر على السعودية وإيران، بل قد يشمل ويتوسع نحو دول أخرى.
زيارة لاريجاني إلى الرياض ولقاء ولي العهد الأمير محمد بن سلمان ووزير الدفاع الأمير خالد بن سلمان كانت مقررة منذ أيام، أي قبل القمة التي جمعت ولي العهد بالرئيس الإيراني مسعود بزشكيان على هامش القمة العربية - الإسلامية التي استضافتها العاصمة القطرية الدوحة قبل أيام لاتخاذ موقف موحد من الاعتداء الإسرائيلي الذي استهدف قطر، وما يعنيه ذلك من استهداف للأمن القومي العربي عامة وأمن دول مجلس التعاون الخليجية ثانياً.
القضايا التي شكلت نقاط الحوار والتشاور بين الجانبين السعودي والإيراني، بحسب البيان الرسمي الصادر عن الجهات الإيرانية، تركزت حول محورين أساسين، الأول يرتبط بالآليات التي تضمن وتساعد في تعزيز العلاقات الثنائية بين البلدين، وتسهم في رفع مستوى التنسيق حول القضايا الدفاعية والأمنية، والمحور الثاني يرتبط بزيارة لاريجاني بالتطورات المتسارعة التي تشهدها منطقة الشرق الأوسط وتداعياتها السلبية على أمن واستقرار الإقليم، بخاصة بعد الاعتداء على دولة قطر والذي تجاوز كل الأعراف والمواثيق الدولية، والعلاقات الخاصة التي تربط الدول الخليجية مع الولايات المتحدة ودورها في السعي إلى بناء مسار حقيقي يوفر الأمن والاستقرار في المنطقة، وهو هجوم تحول إلى صدمة إستراتيجية قد تدفع هذه الدول لإعادة التفكير بكثير من المسارات السياسية ما قبل الاعتداء على قطر، إضافة إلى محاولة تقديم تفسير لمقاطعة إيران جلسة الجمعية العمومية للأمم المتحدة للتصويت على إعلان نيويورك حول حل الدولتين الذي صاغته الرياض بالتعاون مع الدولة الفرنسية.
الاعتداء الإسرائيلي على قطر دفع طهران إلى توظيف الصدمة الإستراتيجية التي حدثت على المستوى العربي بعامة والخليجي بخاصة، وتحريك ماكينتها السياسية والدبلوماسية للعمل من أجل بناء معادلة سياسية جديدة على المستوى الإقليمي، تحقق لها طموحاً تاريخياً، وتفتح الطريق أمام بناء تحالفات جديدة مع مراكز القرار العربية بمشاركة وشراكة مع السعودية ومصر، وتكون بماثبة المدخل لإعادة بناء دورها كشريك تحالف إقليمي مقبول من هذه الدول قادر على لعب دور في إعادة التوازنات في المعادلات الجديدة.
وفي ظل سقوط النظام السوري الذي قاده الرئيس السابق حافظ الأسد، والذي استطاع أن يكون جزءاً فاعلاً في المعادلة الإقليمية، فإن الفراغ الذي أحدثه خروج سوريا من أن تكون عاملاً مؤثراً وشريكاً في رسم السياسات الإقليمية، إضافة إلى تحول الحكم في سوريا إلى عبء على المنظومة العربية بعد رحيل الأسد الأب وتولي الابن السلطة، وأدى بالتالي إلى شغور المقعد الذي احتلته دمشق في ما يعرف بـ 'قمة الإسنكدرية' التي أسس لها الملك السعودي الراحل فهد بن عبدالعزيز إلى جانب الرئيس المصري الراحل حسني مبارك مع الرئيس الأسد عام 1994.
وفي ظل التطورات التي حصلت في الإقليم ما بعد سقوط الأسد وصولاً إلى الاعتداء على قطر، مما دفع طهران إلى إحياء جهودها للعمل من أجل بناء منظومة تعاون مشابهة، وأن تحتل المقعد السوري، باعتبارها إحدى العواصم المؤثرة في الإقليم، بعد فشل كل المحاولات التي بذلتها في السابق، من أجل الدخول إلى النادي الإقليمي في حينه.
وتحاول طهران من خلال الحراك السياسي والدبلوماسي الذي تقوم به باتجاه الرياض والقاهرة، استغلال التطورات الإقليمية وحال الحذر الكبيرة التي تشكلت لدى الدول العربية بعد الاعتداء على قطر، والدفع من أجل التفاهم مع هذه العواصم لبناء مواقف إستراتيجية قائمة على قراءة مختلفة للواقع الجديد والوقائع المستجدة، إذ تساعد في تحصين المستقبل الجمعي في الإقليم، وتسهم في تعزيز وتمتين أي قرار أو توجه قد تتبناه هذه الدول، بخاصة في ما يتعلق بمسار السلام والعلاقة مع إسرائيل وطموحاتها المعلنة وغير المعلنة، كما هي الحال في مشروع إقامة إسرائيل الكبرى وما فيه من تهديد للأمن القومي العربي والإقليمي، وسيادة ووحدة أراضي الدول العربية.
وقد لا يكون مستبعداً أن تلي زيارة لاريجاني إلى الرياض زيارة مماثلة للعاصمة المصرية القاهرة، وعقد لقاء مع الرئيس عبدالفتاح السيسي، باعتبار أن الدوحة شهدت قمة ثنائية بينه وبين الرئيس الإيراني على هامش القمة الأخيرة، بخاصة أن التمهيد لمثل هذه الخطوة، وجهود تعزيز التعاون والتنسيق بين طهران والقاهرة شهدت خلال الأسابيع الأخيرة تسارعاً واضحاً، ترجمته الرعاية المصرية للاتفاق الذي عقد بين إيران و'الوكالة الدولية للطاقة الذرية'، وهو الاتفاق الذي حسم بصورة واضحة إيرانياً، انتقال الملف النووي من دائرة صلاحيات وزارة الخارجية إلى دائرة صلاحيات المجلس الأعلى للأمن القومي بقيادة لاريجاني، وبالتالي سمح لهذا المجلس التصدي لكل الانتقادات التي وجهها الراديكاليون لاتفاق القاهرة.
ويعكس القرار الإيراني بتولي لاريجاني مهمة الحوار والتنسيق وتقريب وجهات النظر مع الرياض والقاهرة، حجم الأهمية التي توليه منظومة القرار في إيران، باعتباره مسألة ترتبط بالأمن القومي والمصلحة الإقليمية، وبالتالي إبعاد هذه العلاقة عن التأثيرات السلبية التي قد تنتج من المواقف المتشددة للجماعات الراديكالية المنزعجة والمستاءة من سياسة الانفتاح التي يقودها ثنائي بزشكيان - لاريجاني، حتى وإن كانت بموافقة وإشراف المرشد الأعلى الذي يملك صلاحية اتخاذ القرارات الإستراتيجية والمصيرية، ولا سيما وأن الهدف من ذلك هو إعادة صياغة معادلة التعاون والتنسيق كخطوة إستراتيجية من أجل تشكيل تحالف واقعي وعملي لمواجهة التحديات التي تواجهها هذه الدول.