اخبار السعودية
موقع كل يوم -صحيفة البلاد
نشر بتاريخ: ٢٠ تشرين الثاني ٢٠٢٥
صحيح، لم تكن زيارة أخي العزيز الغالي، صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز آل سعود، رئيس مجلس الوزراء، ولي العهد القوي بالله الأمين، إلى أمريكا رحلة سياحية للاستجمام والترفيه عن النفس والراحة من عناء عمل شاق متصل ليل نهار، بل جاءها حاملاً ملفات غاية في الأهمية، مثقلة بطموحه لشعبه وأمنياته لبلاده، وتطلعات أُمَّتِه وآمالها في غدٍ أفضل، وحياة في عالم يسوده التسامح والسلام والأمن الذي يحقق الاستقرار، لتعاون بناء من أجل خير الجميع ورفاهيتهم.
أجل، إنها زيارة تاريخية بكل ما للكلمة من معنىً، أكثر بكثير جداً من كونها بروتوكولاً سياسياً عادياً، اشتملت على عشر فقرات، صاحَبها زخم فريد، كما وصفها الضيف الكبير الهمام الملهم المهيب في حديثه إلى الرئيس الأمريكي دونالد ترامب: (نحن نعمل معاً منذ زمن طويل، إذ تمتد هذه العلاقة لنحو تسعة عقود، غير أن هذا اليوم يمثل مرحلة مهمة في تاريخنا). ولهذا يحار المرء بحق، فلا يدري من أين يبدأ وإلى أين ينتهي.
ومن محاسن الصدف الرائعة أن تتزامن هذه الزيارة التاريخية لولي العهد مع اليوم العالمي للرجل، الذي تتم فيه نشاطات عديدة في بلدان كثيرة حول العالم، أهمها الاحتفاء بإسهامات الرجال الإيجابية في الأسرة والمجتمع، وتأثيرهم في العالم أجمع. واليوم في هذه الزيارة التاريخية، جاء الرجل الكبير الهمام الملهم المهيب الشهم النبيل، صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان آل سعود إلى أمريكا، مثقلاً بهموم بلاده والمنطقة والعالم، في وقت عصيب اختلط فيه الحابل بالنابل، ناشداً مع هذه التحديات الجسام تحقيق التنمية والازدهار والاستقرار لكافة شعوب العالم من خلال إرساء سلام حقيقي، معرباً عن رغبته تلك صراحة للرئيس ترامب في أثناء كلمته: (نحن نعمل في شراكة راسخة لمستقبل أفضل، ونقدِّر جهود فخامتكم في دعم السلام العالمي).
هذه المكانة المتميزة لولي العهد السعودي القوي بالله الأمين، التي يعرفها له الجميع، ونثمنها له نحن السعوديين عالياً، أكدها ترامب الذي لا يعرف المجاملة صراحة قائلاً: (يسعدني أن أرحب في البيت الأبيض بصديقي العظيم، ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، رجل القيادة والرؤية والشجاعة والقوة). وقد ترجم الرئيس ترامب حديثه هذا عملياً بهذا الاستقبال الاستثنائي الأسطوري الذي تجاوز استقبال الملوك والرؤساء والسلاطين ليفوق حتى استقبال القياصرة والأباطرة. استقبال مترع بالصدق والفرح، بذراعين مفتوحين على اتساعهما، ودفء مصافحة وصدقها مؤكداً: (أنا لا أُحَيِّ سموه الكريم بقبضة اليد، كما فعل بايدن بعد عشرين ساعة طيران إلى الرياض، بل بذراعين مفتوحين ومصافحة، لأنك تلتقي أحد أكثر الرجال احتراماً في العالم). إضافة إلى انفراج أسارير ترامب طيلة مدة وجوده إلى جانب ولي العهد وحديثه معه خلال مدة زيارته التاريخية لأمريكا؛ تأكيداً على هذا الاحتفاء الذي لم يحظ به أي زعيم زار أمريكا تقريباً عبر تاريخها الطويل، اشتمل على استعراض جوي بمقاتلات (F – 35) العملاقة، في إشارة إيجابية صريحة مبكرة، إلى أن أمريكا ستستجيب لطلب السعودية لبيعها هذه الطائرات، إضافة إلى ذلك العشاء الفاخر الذي أشرفت عليه ميلانيا ترامب شخصياً وهي ترتدي فستاناً أخضر في إشارة لعلم المملكة، تقديراً واحتراماً وعرفاناً وامتناناً لهذا الضيف الكبير الملهم المهيب؛ بل أكثر من هذا: احتفت كل المحطات الفضائية الغربية بولي العهد الأمير محمد بن سلمان، فكانت عناوين تغطياتها الإخبارية الرئيسية للزيارة: (The Prince and the President) مقدمة صفة ولي العهد على صفة ترامب في صياغتها.
وعلى صعيد آخر، كان الأمير محمد بن سلمان، رئيس مجلس الوزراء، ولي العهد القوي بالله الأمين جالساً بثقة وثبات كبيرين كثبات طويق، يتحدث في الموضوعات كلها باطمئنان حقيقي وارتياح شديد ومعرفة راسخة، واضعاً النقاط على الحروف حتى وهو داخل البيت الأبيض، بجانب الرئيس الأمريكي. وفي ما يتصبب كثير من الرؤساء عرقاً في مثل هذا الموقف، مع أنهم يأتون لأداء فروض الطاعة العمياء لأمريكا، يؤكد ولي العهد السعودي ملء الفيه في شموخه المألوف وصراحته المعهودة وقوته في الحق التي لا تخشى لومة لائم: (استثماراتنا في أمريكا لم تكن من أجل إرضاء أمريكا أو كسب ود الرئيس ترامب، بل لأن السعودية ترى في الأمر ثمَّة فرص استثمار حقيقية تعود عليها بالنفع العميم).. وقطعاً الاستثمارات السعودية في أمريكا ليست وهماً كما أكد سموه الكريم، وليست ابتزازاً للسعودية كما يروج له القومجية الفوضويون. كما أكد سموه الكريم بالثبات نفسه وبالثقة الراسخة ذاتها أنه يسعى لاتفاقية أساسية بين أمريكا وإيران سعياً لضمان مستقبل أفضل للمنطقة. ولأن ولي العهد السعودي جاء إلى أمريكا مثقلاً بهموم الأُمَّة، لم يتردد في أن يطلب إلى الرئيس ترامب التدخل بفعل شيء مؤثر حاسم لإنهاء الحرب في السودان الشقيق لوضع حد نهائي لنزيف الدم هنالك، ومع أن ترامب أكد أنه لم يكن ضمن خططه التدخل في موضوع السودان لشدة تعقيده، إلا أنه وعد بالاستجابة لطلب ولي العهد، مع إدراكه أن الأمر لن يكن سهلاً، تماماً كما فعل ولي العهد من أجل سوريا أثناء زيارة ترامب الأخيرة إلى الرياض، فاستجاب الأخير برفع العقوبات الأمريكية عنها لمنحها فرصة جديدة للانطلاق. ثم يعود ولي العهد ليؤكد بالطريقة نفسها في المكان ذاته: لا تطبيع مع إسرائيل إلا بقبولها بحل الدولتين وقيام دولة فلسطين المستقلة.
من ناحية أخرى، يؤكد ولي العهد حضوره وذكاءه وبديهته الحاضرة دوماً التي لم تخذله يوماً أبداً، عندما سأله الرئيس ترامب عن أفضل رئيس أمريكي عمل مع السعودية، ممازحاً: بعيداً عن ترامب. فتأتيه إجابة ولي العهد الصادقة كعادته دوماً، دونما تملق أو رياء: روزفلت الذي كان ديمقراطياً، الذي أسس لهذه العلاقة الراسخة بين بلدينا الصديقين، في إشارة إلى أول لقاء بين رئيس أمريكي وقائد سعودي، عندما التقى الملك عبد العزيز آل سعود المؤسس، الرئيس الأمريكي روزفلت في السابع عشر من شهر فبراير عام 1945م، ثم يضيف سموه الكريم: وربَّما ريغان الذي كان ديمقراطياً أيضاً، ثم تحول إلى الحزب الجمهوري. وأحسب انه كان يقصد هذا تحديداً، في إشارة ضمنية إلى أن السعودية ليست معنية بالحزب الذي ينتمي إليه هذا الرئيس أو ذاك، بقدر اهتمامها لتقديره لما بين البلدين من شراكة إستراتيجية.
وعندما أردف ترامب مبتسماً: هل تفوق ترامب عليهم؟ ردَّ ولي العهد بذكائه ولطفه المعهود مطيباً خاطر مضيفه: أنتم في مستوى آخر سيادة الرئيس.
ويجيب ولي العهد عن أسئلة كان الصحفيون يحسبون أنها صعبة محرجة، بالثبات نفسه والثقة ذاتها، دونما لجلجة أو تعثر أو بحث عن كلمات ضائعة. ويردف ترامب الذي يؤكد احترامه لضيفه الكبير مخاطباً الصحفيين: مرحلة الابتزاز الإعلامي انتهت، ابحثوا عن غيرها. ثم يعلق ولي العهد في حفل العشاء ممازحاً: بعض مواقع المراهنات راهنت على أنني سآتي إلى هنا اليوم مرتدياً بدلة سوداء، غير أنهم خسروا الرهان، ربَّما في المرة القادمة إن شاء الله. والحقيقة أرى بين كلمات سموه الكريم هنا، ما قد لا يراه غيره: الاعتداد بالزي الوطني السعودي والفخر به والاعتزاز حتى في ردهات البيت الأبيض الذي يتهيب كثيرون من دخوله، حتى إن بذلوا كل ما في وسعهم ليكونوا أمريكيين أكثر من الأمريكيين أنفسهم. ثم يرسل ولي العهد إشارة ذكية أخرى، مخاطباً الرئيس ترامب: ستحتفلون فخامتكم بالذكرى المائتين وخمسين لتأسيس بلادكم، في ما نحتفل نحن بالذكرى الثلاثمائة لتأسيس بلادنا. في إشارة ذكية لعراقة بلادنا وظهورها على مسرح الحياة وتجربتها في الحكم والإدارة والعلاقات بين الدول التي سبقت فيها أمريكا بنصف قرن بالتمام والكمال، وبلغة أخرى، أراد ولي العهد السعودي التأكيد لترامب على أنه يتعامل مع شريك يمكنه الثقة به والاطمئنان إلى عهده ووعده.
أما على الصعيد العملي، يمكنني القول: إن هذه الزيارة كانت أنجح من النجاح بكل المقاييس، إذ جاء ولي العهد مترئساً الوفد السعودي بعد استعداد تام في المملكة، استمر لعقد من عمر الرؤية، هيأت فيه البلاد أرضية رائعة لاستيعاب تلك الاستثمارات وتحقيق أقصى قدر من الفائدة منها في أسرع وقت ممكن، فالسعودية تمتلك اليوم اقتصاداً هائلاً، وتشكل محطة غاية في الأهمية للأمن الإقليمي والسلام العالمي؛ إضافة لما تمثله من قوة مستقبلية لأمريكا وعمق جغرافي وسوق عملاق ووزن سياسي لا ينافسها فيه أحد في المنطقة.
وفي المقابل تعاني أمريكا من حرب معقدة في أوروبا، ومنافسة حامية الوطيس مع الصين، وشرق أوسط يغلي على صفيح ساخن، و دب روسي لا تدري من أين يأخذها على حين غرة، الأمر الذي يهدد مصالحها في أكثر من مكان. وربَّما لهذا السبب وغيره كثير، نجد أن العلاقات السعودية – الأمريكية اليوم في أوج تألقها.
وهكذا جاء صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان آل سعود، رئيس مجلس الوزراء، ولي العهد القوي بالله الأمين إلى أمريكا، تلبية لدعوة الرئيس ترامب، ليحصل لبلاده على تسليح نوعي يشمل طائرات (F – 35) المقاتلة التي تفوق سرعتها سرعة الصوت، ومزودة بشبكة استشعار معقدة لجمع المعلومات عن بعد، ولها قدرة فائقة للإقلاع والهبوط بشكل عمودي دونما حاجة لمدرج، إضافة لقدرتها الهائلة لتفادي المضادات الأرضية المتطورة، وتزويد خوذة طياريها بتقنية متقدمة تمنحه رؤية كاملة لعشرات الأميال. إضافة إلى غيرها من طائرات وتحديث أخرى وتطوير قدراتها، بجانب حزمة دفاع جوي ودبابات متقدمة. والحصول على تقنية الذكاء الاصطناعي التي تسعى السعودية لاحتلال المرتبة الثالثة فيها على مستوى العالم بعد أمريكا والصين، سعياً لتحقيق طموحها لكي تصبح مزوداً عالمياً لصناعة الذكاء الاصطناعي. وغير هذا كثير مما شهده منتدى الاستثمار السعودي – الأمريكي لهذا العام الذي انطلق في واشنطن بالتزامن مع زيارة ولي العهد، من اتفاقيات ثنائية بين البلدين في مختلف المجالات.
ختاماً: أقول للقومجية الذين أزعجهم تقدير أمريكا لقادتنا ولبلادنا، وثقتهم فيها وحرصهم على مواصلة شراكة إستراتيجية حقيقية استثنائية معها: أولاً، قبل كل شيء، نحن أحرار في قراراتنا، لا ننتظر إذناً منكم أو من غيركم لكي نتعامل مع هذا ونقاطع ذاك. ثانياً، لدينا اليوم أكثر من ألف وثلاثمائة شركة أمريكية تعمل في بلادنا في شراكات مختلفة، أهمها الصناعات المتقدمة، الطاقة، الصحة، التعليم، التقنية والخدمات المالية.. تحقق لنا، بجانب الفوائد المادية، خبرات مهمة لبناتنا وأبنائنا في مختلف المجالات، إضافة لما توفره لهم من فرص عمل. وهذا عندنا أهم من الكسب المادي، لأن محور اهتمام قيادتنا الرشيدة يدور كله حول الإنسان وتمكينه من العلم والمعرفة، ساعتها ستقوى بناتنا وأبناؤنا على المحافظة على مكتسبات بلادهم وتعظيمها بشتى الطرق. وأزيدكم من الشعر بيتاً أيها القومجية: لم تعد أمريكا تولي رأي الصهيونية ودولة الكيان أي اعتبار في تعاملها مع قادتنا الكرام، بدليل أن أمريكا وافقت على بيعنا طائرات (F – 35) ذات التقنية المتقدمة حتى مع اعتراض دولة الكيان على الصفقة.
وأخيراً وليس آخراً، عندما تكون بلدانكم في موقع يمكنها من تقديم ما توفره لنا أمريكا من شراكة إستراتيجية حقيقية استثنائية، ستكون وجهتنا الأولى بلدانكم تلك بدل أمريكا.. حتى ذلك الحين: أرجو أن تبتلعوا ألسنتكم، وأتمنى أن تموتوا بغيظكم.
فصدق ترامب عندما أكد: لقد أصبح ولي العهد السعودي قائد الشرق الأوسط دونما منازع. فالسعودية اليوم حليف قوي وشريك مهم، معلناً تصنيفها رسمياً أهم حليف لأمريكا من خارج الناتو. وكذب القومجية الذين يرون في العلاقات السعودية – الأمريكية، خدمة لأمريكا وابتزازاً للسعودية.
ولا فُضَّ فوه شبيه الريح: لئن بلغت سنين سليل الأكرمين أربعينا، فليس يقيس ما أنجزه وقت ولا زمن كباقي العالمين.
حفظ الله قيادتنا الرشيدة، ومتعها بالصحة والعافية، وبارك لنا في عمرها وعملها من أجلنا وخير المنطقة والعالم.










































