اخبار السعودية
موقع كل يوم -جريدة الرياض
نشر بتاريخ: ٣ تشرين الأول ٢٠٢٥
حسين الحربي
في هذه الزاوية سيأخذنا أحمد الزناتي، المؤلف المصري والمترجم، والذي درس الأدب الألماني والإنجليزي، وألف عدداً من الكتب ما بين الرواية، والقصة، وترجم عدداً من الأعمال الأدبية من الإنجليزية والألمانية إلى العربية، إلى عوالم القراءة، من خلال ما اطلع عليه مؤخراً ويوصي بقراءتها.
«كيف تقرأ كيركجارد» ترجمة دعاء شاهين
بعد أن أنهيتُ قراءة الكتاب وددتُ لو بعثتُ برسالة شكر إلى المترجمة التي عرّفتنا على هذه التحفة، وهو من الكتب التي لا يمكن الكلام عنها، بل التوصية بقراءتها. في الكتاب تعريف وافٍ بأسس فلسفة كيركجارد بأسلوب يسير بحسبي أن أنقل للقارئ الفقرة التالية «لمسألة متعلقة بفهم قَدَري، أن أرى ما يريدني الله أن أفعله؛ الأمر يتعلق بإيجاد حقيقة تكون حقيقية بالنسبة إليَّ إيجاد الفكرة التي أكون على استعداد للعيش والموت من أجلها»، أيقنتُ بعد إنهاء قراءة العمل أن محاولة تقبّل كل إنسان لقَدَره هي أعزّ ما يُطلب، بل إنها غاية الكتابة والقراءة والعمل والزواج والحب، وكل شيء، ويبقى المرء عاقلًا ما دام يحاول استيعاب قَدَره وقبوله، أما محاولة تغيير القَدَر أو السَخط عليه فعلامة على حماقة لا دواء له.
«تجليات المحتجب» تأليف علي رضا
لا أظن أن هناك عملًا آخر أثار إعجابي بهذا العمق، فقد راودتني بذور أفكار مماثلة في كتابي هكذا تكلم كارل غوستاف يونغ حول هذا الموضوع، لكنها كانت تحتاج إلى تفرغ كامل، وقد صرتُ مشغولًا وأقل صبرًا مع مرور الوقت خلال العقدين الماضيين، لم تُصدر المطابع عملًا يماثل هذا الاتساع والشمولية والأصالة، لا يضاهيه إلا العوسج الملتهب، مع اختلاف الرؤية والمنهج، لكن هذا العمل يتميز بقدرته على استيعاب حضارات الشرق الأقصى والثقافة الإسلامية بسلاسة وعمق، منذ شهرين أطلّ كل ليلة قبل النوم على صفحاته، وكل صفحة فيها جديد، دون حشو أو تكرار. وعرفت اسم المؤلف، الأستاذ علي رضا، من مشاركته في ترجمة كتاب تنويعات التجربة الدينية لوليام جيمس، فزادني احترامًا لمجهوده. العمل موسوعي، ومما أضفى عليه رونقًا خاصًا إحالاته الأدبية. هنا أيضًا تمتزج الفلسفة بالأدب، كما في الإشارة إلى الأخوة كارامازوف وعلاقة إيفان بالدين، وعجزه عن القفز إلى المجهول، ثم التأمل الدقيق في التمييز بين الجليل والجميل. كل صفحة مرتبطة بالفكرة الرئيسة للعمل، بلا تشتيت أو استطراد، رغم غزارة المادة التي قد تُغري بالانتقال إلى الإطناب، وبالرغم من فيضان المعلومات والأسماء، يظل الخط الناظم للعمل واضحًا متماسكًا، والفكرة الكبرى تتوهج بلا انطفاء، محور الكتاب وفق قراءتي مقولة فيتجنشتاين «ما لا يمكن الحديث عنه، ينبغي الصمت أمامه».
«القراءات الخطرة» لآذر نفيسي، ترجمة متعب الشمري
توصية مهمة لمن يريد فهم قوة الأدب بوصفها أداة مقاومة في أوقات الأزمات، تستند نفيسي إلى تجربتها كامرأة وقارئة نهمة، ومهاجرة وأستاذة أدب في الولايات المتحدة، لتقدم دلائل وبراهين حول دور الأدب في مواجهة الاستبداد والتطرف. في اعتقادي ميزة الكتاب أسلوبه؛ فهو عبارة عن سلسلة رسائل موجهة إلى والدها، الذي علّمها كيف ينقذ الأدب النفس في أوقات الصدمات، ويتناول أسئلة من قبيل: ما دور الأدب في عصرنا الراهن؟ وكيف يربط الأدب بين الصراعات السياسية والعدو في الروايات؟ تقدم المؤلفة قائمة قراءة مقاومة تشمل أعمال جيمس بالدوين، مارغريت أتوود، توني موريسون، وغيرهم، وقد أضافت الترجمة الصافية لمتعب الشمري إلى الكتاب قوة فوق قوته.
«مختارات من مقالات أمرسن» ترجمة محمود محمود
هذا كتاب لا يفارقني وأطلُّ على بعض مقالاته مرة كل سنة على الأقل، ميزة رالوف والدو إيمرسون أنه لم يدّع أنه فيلسوف صاحب مذهب وطريقة، بل إنه كثيرًا ما يناقض نفسه فيما يكتب وما يقول، وهذا في اعتقادي ديدن الباحث عن الحقيقة عاش حياته الخاصة للحكمة الخالصة والفكر المجرد، وأوصي القارئ خصوصًا بمقالة «الاعتماد على النفس» الحكمة الأشدّ رسوخًا في ذاكرتي «كل الأشياء مباركة وكل التجارب مفيدة وكل الأيام مقدسة».
رواية «بومغاتن» لبول أوستر، ترجمة د. سعد البازعي
عمل أدبي رفيع يتجاوز حدود السرد ليطرح الأسئلة التي يواجهها كل إنسان عند بلوغه مرحلة عُمرية حاسمة: متى يبدأ المرء بالنظر إلى الماضي أكثر مما يتطلّع إلى المستقبل؟ في قلب الرواية يقف د. سي باومغارتنر، أستاذ جامعي أرمل متخصص في الفلسفة، نلتقي به بعد سقوطه وتعثره، لكنه يجد دفعة من النشاط والحيوية بعد مكالمة من صديق قديم، فتستنهض همّته لمراجعة مخطوطات زوجته الراحلة غير المنشورة، بعد أن نشر قبل سنوات مجموعة من قصائدها. الرواية أشبه بأنشودة رثاء للفقد والحب والفراق، لكنها تتعمق في فكرة ضياع الذات والشيخوخة والذاكرة والكتابة، حيث يَضيع باومغارتنر نفسه في فكرة ضياع الذات والشيخوخة والذاكرة والكتابة، حيث يَضيع باومغارتنر نفسه في خضّم أفكاره وذكرياته. أوصي بها لمن يبحث عن القراءة التأملية الهادئة، حيث تخلو من التوترات الدرامية الحادّة.