اخبار السعودية
موقع كل يوم -صحيفة الوئام الالكترونية
نشر بتاريخ: ٣٠ تشرين الثاني ٢٠٢٥
هل الزمن حقيقي أم مجرد وهم؟ الإجابة الأدق قد تكون 'لا هذا ولا ذاك'؛ إذ تشير الفيزياء والفلسفة معًا إلى أن ما نسميه 'زمنًا' هو مجرد إسقاط يفرضه العقل البشري على واقع 'أبدي' لا زمن فيه.
في مقال رأي نُشر بمنصة The Conversation، يفكك الفيلسوف أدريان باردون، أستاذ الفلسفة بجامعة 'ويك فورست' الأمريكية، المسلمات البشرية حول 'مرور الوقت'، مستندًا إلى دمج مثير بين شكوك الفلسفة القديمة وحقائق الفيزياء الحديثة.
'الزمن يطير'.. مجرد استعارة لغوية
نحن نستخدم عبارات مثل 'الزمن يطير' أو 'الزمن لا ينتظر أحدًا'، مما يوحي بأن مرور الوقت هو عملية فيزيائية حقيقية تحدث في الخارج. لكن باردون يتحدى هذه الفكرة بسؤال جوهري: 'تدفق ماذا؟'. الأنهار تتدفق لأن الماء يتحرك، لكن ماذا يعني أن نقول إن الزمن يتدفق؟
الأحداث ليست كائنات مادية لها مكان، ومع ذلك نتحدث عنها وكأنها تتحرك من المستقبل (القادم نحونا) إلى الماضي (الذي يبتعد عنا). ولكن، أين توجد هذه الأحداث فعليًا؟ المستقبل والماضي لا يملكان أي موقع فيزيائي ملموس.
الشك القديم واليقين العلمي
هذا الشك ليس وليد اللحظة؛ فمنذ القرن السادس قبل الميلاد، تساءل الفيلسوف اليوناني 'بارمينيدس': إذا كان المستقبل لم يأِت بعد، والماضي لم يعد موجودًا، فكيف تنتقل الأحداث بينهما؟ واستنتج أنه إذا كان المستقبل حقيقيًا، فهو حقيقي 'الآن'، ما يعني أن الوجود ثابت لا يتغير.
ظلت هذه الأفكار مجرد فلسفة حتى جاء إسحاق نيوتن الذي افترض وجود 'ساعة كونية' تتكتك في خلفية الكون بانتظام. لكن ألبرت أينشتاين قلب هذه الطاولة في عامي 1905 و1915 بنظريتيه للنسبية، اللتين نسفتا فكرة 'الزمن العالمي الواحد'.
قطار أينشتاين ونهاية 'الآن'
وفقًا للنسبية، لا يوجد شيء اسمه 'سكون مطلق' أو 'حركة مطلقة'، وسرعة الضوء هي الثابت الوحيد. هذا يعني أن 'توقيت' حدوث الأشياء يعتمد كليًا على موقع المراقب وسرعته (الإطار المرجعي).
يستشهد 'باردون' بمثال أينشتاين الشهير: إذا وقعت ضربتا برق في وقت واحد بالنسبة لشخص يقف على رصيف المحطة، فإن شخصًا آخر يركب قطارًا مسرعًا سيرى ضربة قبل الأخرى لأنه يتحرك نحو ضوئها.
النتيجة الصادمة هنا: لا يوجد 'حاضر' واحد يشترك فيه الجميع. كل لحظة في الكون هي 'حاضر' لشخص ما، وكل حدث في الماضي أو المستقبل هو 'يحدث الآن' بالنسبة لمراقب افتراضي آخر. هذه النظرية تُعرف علميًا بـ 'الأبدية' (Eternalism).
الحل: الزمن 'إسقاط نفسي'
إذا كانت الفيزياء تنفي تدفق الزمن، فلماذا نشعر جميعًا بمروره؟ يرفض باردون تسمية ذلك بـ 'الوهم' (كأنها خدعة بصرية)، بل يصفه بـ 'الإسقاط النفسي' (Psychological Projection).
ولتبسيط الفكرة، يستخدم تشبيه 'اللون': الوردة الحمراء ليست حمراء في ذاتها؛ هي فقط تعكس موجات ضوئية معينة، وعقولنا تترجم هذه الموجات إلى تجربة 'اللون الأحمر'. الوردة لا تخدعنا، لكن 'الاحمرار' هو طريقتنا لفهمها.
وبالمثل، فإن مرور الزمن هو طريقة عقولنا لفهم وترتيب الواقع، وليس صفة فيزيائية للواقع نفسه.
يختتم باردون حجته بمثال تقني: 'عندما يقول جهاز الـ GPS إنني انحرفت عن الطريق، فأنا أصدقه رغم علمي أن الجهاز لا يمتلك عقلًا ليفكر. وبنفس الطريقة، رغم أن الفيزياء لا تترك مجالًا لمرور الزمن، إلا أنه يظل ديناميكيًا وواقعيًا بالنسبة لتجربتي البشرية، لأننا لا نستطيع وصف العالم دون صبغته بصبغة الزمن، تمامًا كما لا نستطيع وصف الوردة دون لونها'.










































