اخبار السعودية
موقع كل يوم -صحيفة سبق الإلكترونية
نشر بتاريخ: ١٧ شباط ٢٠٢٥
تزعزع الثقة الداخلية بين أعضاء 'الناتو'
في خضمّ التقلبات السياسية، التي تشهدها الساحة الدولية، تتجه الأنظار إلى الولايات المتحدة التي بدا وكأنها تسير بخُطى متردّدة نحو إعادة صياغة معادلة القوة في أوروبا، وتتردّد أصوات المنتقدين والمحللين حول إمكانية تقديم إدارة الرئيس دونالد ترامب تنازلات رئيسة للزعيم الروسي فلاديمير بوتين؛ ما قد يغيّر مجرى الصراع في أوكرانيا، وتظهر التصريحات المتباينة ومواقف المسؤولين الأمريكيين والنواب الأوروبيين حيرةً كبيرةً في مشهد السياسة الخارجية الأمريكية، حيث يتبادر إلى الأذهان تساؤلات عن مدى جدية هذه الخطوات وماذا قد تعني لمستقبل الديمقراطية والأمن في المنطقة؟
وتظهر مؤشرات أن إدارة ترامب، من خلال سلسلة من التصريحات والإجراءات، تنوي إعادة تقييم موقع الولايات المتحدة في الدفاع عن أوكرانيا وحلفائها الأوروبيين، ويبدو أن هذه السياسة تمثل نقلة نوعية قد تضع بوتين في موقع تفاوضي أقوى، مما يترك أوكرانيا وحلفاءها في مواجهة تحديات إستراتيجية خطيرة، وفقاً لشبكة 'سي إن إن' الأمريكية.مواقف متباينة
ويبرز في هذا السياق تناقضٌ واضحٌ في الخطاب الأمريكي؛ فقد صرّح بعض المسؤولين بأن المفاوضات المُقبلة ستشهد مشاركة فعّالة من كييف والدول الأوروبية، في حين نُقلت تصريحاتٌ أخرى تشير إلى إمكانية استبعاد أوكرانيا من جدول المفاوضات. هذا التباين في المواقف أثار استياء المسؤولين في أوكرانيا، الذين يرون أن صفقة السلام يجب أن ترتكز على حماية سيادة الدولة المتضرّرة من الغزو الروسي.
ويؤكّد بعض المحللين أن التنازلات المحتملة قد تُستخدَم كوسيلة لإضعاف وحدة الحلفاء التقليديين للولايات المتحدة، إذ يُنظر إلى هذه الخطوة على أنها محاولة لتطويق بوتين ومنحه زمام المبادرة في إعادة رسم الحدود السياسية والإستراتيجية في المنطقة، ولقد أصبحت السياسة الخارجية الأمريكية في هذه المرحلة محور جدلٍ واسعٍ بين مؤيديها ومنتقديها، حيث يتردّد صدى هذه التصريحات في أروقة الدبلوماسية العالمية.تنازلات خطيرة
يبدو أن إدارة ترامب قد اتخذت خطوات تهدف إلى إعادة تأهيل بوتين على المستوى الدولي، وذلك من خلال تقديم تنازلات قد تمنح الزعيم الروسي بعض المرونة في التعامل مع الأراضي المحتلة في أوكرانيا، وقد اعتبر هذا التحرُّك بمكانة خطوة استثنائية تنمّي مخاوف من أن تُترك أوكرانيا في موقعٍ ضعيفٍ أمام توسعات روسية محتملة، مما يؤثر سلباً في استقرار القارة الأوروبية بأسرها.
وفقاً لبعض المسؤولين، فإن هذه التنازلات لا تُعدّ سوى بداية لمفاوضات قد تُفضي إلى تسوية أمنية تحمل في طياتها تنازلات جوهرية من جانب أوكرانيا، في حين يتردّد أن يكون لهذه الخطوة تأثيرٌ مباشرٌ على وحدة الردع الأوروبي، ويُشير المحللون إلى أن مثل هذه السياسات قد تُستغَل لاحقاً لإعادة رسم خريطة النفوذ في المنطقة، حيث يُمكن أن تستفيد الدول التي تكتسي ملامح الشعبوية والانعزالية من هذا التحوُّل في السياسات الأمريكية.تداعيات إستراتيجية
وتتراجع الثقة بين الحلفاء التقليديين للولايات المتحدة، إذ يُعد تقويض الدعم الكامل لأوكرانيا ومشاركة الدول الأوروبية في صياغة اتفاقيات السلام خطوة تُثير قلق الأطراف المعنية، وقد أدّت هذه التحركات إلى زعزعة تماسك الحلفاء داخل حلف الناتو، حيث يرى البعض أن مثل هذه السياسات تخضع العلاقات للدبلوماسية الوقائعية، التي قد تؤدي إلى تراجع الروح المعنوية للدفاع عن القيم المشتركة.
والتأثيرات المترتبة على هذه التحركات ليست محصورة في الجانب العسكري فقط؛ بل تمتد لتطول الجانبَيْن السياسي والدبلوماسي، مما يزيد من حدّة الانقسامات الداخلية بين منادي الاستمرار في دعم أوكرانيا، ومَن يرون ضرورة التفاوض مع روسيا لإنهاء الأزمة، ومن المؤكّد أن هذه السياسات ستترك بصمة واضحة على مستقبل العلاقات الأمريكية-الروسية وعلى المشهد السياسي الأوروبي.تراجع المصداقية
ومع استمرار الخطابات المتناقضة والقرارات المثيرة للجدل، يبقى السؤال قائماً حول مدى قدرة إدارة ترامب على إعادة رسم ملامح السياسة الخارجية الأمريكية بما يخدم مصالحها الإستراتيجية على المدى الطويل، ففي ظل هذه التحولات الخطيرة، يبدو أن المخاطر تكمن في تراجع مصداقية الولايات المتحدة أمام حلفائها، مما قد يفتح المجال أمام بوتين لترسيخ موقفه وتعزيز نفوذه في أوكرانيا وما حولها.
وبينما يتجه العالم نحو مفاوضات قد تحمل في طياتها تغييرات جذرية في موازين القوى الدولية، يبدو أن الطريق أمام أوكرانيا لا يزال محفوفاً بالتحديات، وتتوقف مصيرها على القدرة في مواجهة التنازلات التي قد تُفرض دون ضمانات حقيقية للدفاع عن سيادتها، وهل ستظل الولايات المتحدة وفروعها الدفاعية إلى جانب شركائها أم ستنحرف السياسات بما يخدم مصالح أخرى؟