اخبار السعودية
موقع كل يوم -جريدة الرياض
نشر بتاريخ: ٢٢ تموز ٢٠٢٥
د. طلال الحربي
لقد أثبت الملتقى أن العمل المؤسسي التعاوني هو السبيل الأمثل لتحقيق التنمية المستدامة في التعليم، وهو ما يتوافق تمامًا مع أهداف رؤية المملكة 2030، كما برزت جهود منسوبي الوزارة في التخطيط والتنظيم المحكم، مما جعل الملتقى منصة حيوية لتبادل الخبرات وعقد الشراكات الفاعلة..
يشهد العالم تحولات جذرية في أنماط التعليم والتدريب، مما يستدعي إشراك كافة القطاعات في صياغة الحلول المستدامة. وفي هذا السياق، يبرز ملتقى القطاع غير الربحي في التعليم والتدريب 2025 كمنصة استراتيجية تعكس رؤية المملكة لتوطيد التعاون بين القطاع الحكومي والقطاع غير الربحي لتحقيق نقلة نوعية في المنظومة التعليمية.
هذا الملتقى ليس مجرد فعالية سنوية، بل هو إطار مؤسسي يهدف إلى تحويل الشراكات من شكلها التقليدي إلى نموذج تكاملي قائم على الابتكار والاستدامة. والأبعاد الاستراتيجية لهذا الملتقى وأهدافه في سياق رؤية 2030 هي البعد الأول: الشراكة كمدخل لتحقيق الاستدامة المالية.
تمثل أحد أبرز التحديات التي تواجه القطاع غير الربحي هو الاستدامة المالية، فمعظم الجمعيات والمبادرات التعليمية تعتمد على التمويل المؤقت، مما يعرض استمراريتها للخطر، هنا يأتي دور الملتقى في تعزيز النموذج التكاملي بين القطاعين العام والخاص وغير الربحي، عبر:
توقيع 30 اتفاقية شراكة تهدف إلى تحويل الدعم من «إعانة» إلى «استثمار» في البرامج التعليمية.
إنشاء منصة مجتمع الشراكات التي تربط بين الجهات المانحة والمؤسسات التعليمية، مما يضمن استمرارية التمويل، وورش عمل متخصصة حول آليات تحقيق الاستدامة المالية، مثل: نماذج «التأثير الاجتماعي» القابلة للقياس.
وهذا يتوافق مع الهدف الرابع من أهداف التنمية المستدامة (التعليم الجيد)، حيث تُعد الشراكات إحدى الركائز الأساسية لضمان جودة التعليم واستمراريته.
أما البعد الثاني وهو التكامل بين التعليم وسوق العمل، فلم يعد دور القطاع غير الربحي مقتصرًا على تقديم الخدمات التعليمية التقليدية، بل امتد إلى سد الفجوة بين مخرجات التعليم ومتطلبات سوق العمل، وقد ركز الملتقى على هذا البعد عبر:
جلسة «بناء القدرات البشرية» التي ناقشت كيفية تصميم برامج تدريبية تلبي احتياجات القطاعات الناشئة مثل التقنية والاقتصاد الرقمي، وإبرام شراكات مع جهات التوظيف لضمان أن البرامج التدريبية غير الربحية تُترجم إلى فرص عمل فعلية.
وجاء عرض التجارب ناجحة مثل مشاركة موهوبي جمعية «مسار المستقبل» في معرض «إيتكس» الدولي، كنموذج للربط بين الموهبة واحتياجات الابتكار.
هذا التوجه يعكس مستهدفات برنامج تنمية القدرات البشرية ضمن رؤية 2030، الذي يسعى إلى تمكين الشباب بمهارات المستقبل.
أما البعد الثالث: التمكين المجتمعي عبر التعليم الشامل، فقد أكد الملتقى على ضرورة أن يكون التعليم شاملًا وعادلًا، وهو ما تجلى في:
جلسة الطفولة المبكرة، التي سلطت الضوء على ضرورة توسيع نطاق رياض الأطفال غير الربحية، خاصة في المناطق النائية. وجلسة ذوي الإعاقة، التي طرحت نماذج ناجحة لدمج هذه الفئة في المنظومة التعليمية عبر شراكات مع جمعيات متخصصة.
أما مبادرات مثل: «الاتزان الرقمي» (سينك)، فقد هدفت إلى تمكين المجتمعات من الاستخدام الآمن للتكنولوجيا في التعليم.
هذه الأبعاد تُظهر أن الملتقى لم يركز على «الكيف» فقط، بل أيضًا على «المن؟»، أي ضمان وصول التعليم الجيد لكافة شرائح المجتمع ويمكن تلخيص الأهداف الاستراتيجية للملتقى في ثلاثة محاور رئيسة:
تحويل الشراكات من «رمزية» إلى «إستراتيجية»: عبر وضع أطر واضحة للتعاون، مثل: مؤشرات قياس الأداء (KPIs) للبرامج المشتركة.
إضفاء الطابع المؤسسي على العمل غير الربحي: من خلال ورش عمل حول «إدارة المشاريع» و»التخطيط الاستراتيجي»، مما يرفع كفاءة الجمعيات.
الانتقال من «الدعم» إلى «التأثير»: عبر التركيز على مبادرات قابلة للقياس، مثل: عدد الخريجين المُوظفين أو نسبة التحسن في جودة التعليم.
رغم النجاح الكبير، تظل هناك تحديات تحتاج إلى معالجة في النسخ المقبلة، مثل:
ضعف التنسيق بين بعض الجهات غير الربحية، مما يؤدي إلى تكرار المبادرات.
الحاجة إلى مزيد من الشفافية في تقييم أثر الشراكات على الأرض.
تعميم النماذج الناجحة على جميع مناطق المملكة، وليس المراكز الحضرية فقط.
يُعد نجاح هذا الملتقى ثمرة الجهود الكبيرة التي تبذلها وزارة التعليم تحت قيادة معالي الوزير يوسف البنيان، الذي أظهر التزامًا واضحًا بتعزيز دور القطاع غير الربحي في دعم المسيرة التعليمية، ودليلًا على الرؤية الثاقبة للوزارة التعليم وقيادتها، وجهود منسوبيها الذين يعملون بدأب لتحقيق التكامل بين القطاعات.
لقد أثبت الملتقى أن العمل المؤسسي التعاوني هو السبيل الأمثل لتحقيق التنمية المستدامة في التعليم، وهو ما يتوافق تمامًا مع أهداف رؤية المملكة 2030، كما برزت جهود منسوبي الوزارة في التخطيط والتنظيم المحكم، مما جعل الملتقى منصة حيوية لتبادل الخبرات وعقد الشراكات الفاعلة.
ويبقى ملتقى القطاع غير الربحي في التعليم 2025 ليس حدثًا عابرًا، بل هو نموذج ريادي يُظهر كيف يمكن تحويل التعليم من مسؤولية حكومية إلى مشروع وطني تشاركي.
والنجاح الأكبر للملتقى يكمن في كونه جسرًا بين السياسات والتطبيق، حيث يتم تحويل الأهداف الكبرى لرؤية 2030 إلى خطط عمل ملموسة، ومع كل دورة، يثبت هذا الملتقى أن القطاع غير الربحي ليس «مساعدًا»، بل هو شريك استراتيجي في صناعة مستقبل التعليم.
فالتعليم مسؤولية الجميع، والشراكة مع القطاع غير الربحي ليست خيارًا، بل ضرورة استراتيجية.