اخبار السعودية
موقع كل يوم -جريدة الرياض
نشر بتاريخ: ٣ أيلول ٢٠٢٥
الرياض الثقافي
شهدت ديوانية آل حسين التاريخية بالرياض محاضرة للباحث سهم بن ضاوي الدعجاني بعنوان 'الوجه الثقافي لمدينة الرياض: قراءة في جهود أمانة منطقة الرياض'، استعاد فيها ملامح المشهد الثقافي للعاصمة وتطوراته التاريخية، وصولاً إلى الحراك المعاصر الذي ساهمت فيه الأمانة. وأشار الدعجاني في مستهل حديثه إلى كتاب الشيخ حمد الجاسر 'مدينة الرياض عبر أطوار التاريخ' الذي وثّق جذور المدينة منذ أن كانت 'حَجَر' إلى أن أصبحت الرياض المعروفة اليوم، مبيناً أنّ الأمانة بادرت منذ وقت مبكر إلى افتتاح مكتبة عامة، وهو ما يعد مؤشراً على بعدها الثقافي. كما أكد أن خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز -حفظه الله-، حين كان أميراً للرياض، يعد المؤسس الحقيقي للمشهد الثقافي للعاصمة، فقد منحها أكثر من نصف قرن من الرعاية والاهتمام وأسّس معمارها الثقافي، حتى بات يُعرف بحارس ذاكرة الدولة وقارئ متابع وملهم للمثقفين والباحثين. وتوقف الدعجاني عند محطة عام 2000 حين اختيرت الرياض عاصمة للثقافة العربية، مستشهداً بحوار أجرته مجلة العربي الكويتية آنذاك مع الملك سلمان، الذي أوضح أن الدعم الحكومي والاهتمام المتواصل بالثقافة سيضمن استمرار الحراك بعد انتهاء المناسبة، وهو ما تحقق بالفعل عبر مشهد ثقافي متجدد تشهده العاصمة اليوم. وانتقل الدعجاني للحديث عن مبادرات الأمانة المعاصرة، وفي مقدمتها مشروع 'ذاكرة الرياض' لتوثيق المباني والمعالم العمرانية منذ منتصف القرن العشرين وحفظها كرصيد ثقافي واجتماعي، وتشكيل لجنة ثقافية تضم نخبة من الباحثين والأكاديميين لإبداء الرأي وصياغة المبادرات، إضافة إلى شراكاتها مع المنتديات الأدبية مثل ندوة آل حسين وأحدية العبدلي، وإطلاقها 'ديوانية الرياض' بجوار قصر المصمك التي غدت منارة حوارية وثقافية، فضلاً عن 'ديوانيات الغالين' في أحياء عليشة ولبن والروضة التي خُصصت لكبار السن وفاءً لعطائهم ومزودة ببرامج اجتماعية وصحية وثقافية. وفي ختام محاضرته طرح الدعجاني جملة من المقترحات لتعزيز الدور الثقافي للأمانة، من أبرزها بناء قاعدة بيانات للصالونات الأدبية بالرياض، وتطوير ديوانية الرياض وتوقيع شراكات مع المقاهي الأدبية، والبحث عن موقع المكتبة العامة التي أنشأتها الأمانة قديماً وتحويلها إلى متحف يوثق بدايات الثقافة في العاصمة، إلى جانب التوسع في إنشاء ديوانيات الغالين لتغطي أحياء العاصمة ومحافظات المنطقة.
وعقب المحاضرة، قدّم الزميل مدير التحرير عبدالله الحسني مداخلة استهلها بالإشادة بديوانية آل حسين التاريخية وما تمثله من منبر عريق ظلّ طوال عقود يفتح أبوابه للثقافة والفكر والمعرفة. وأكد أن الرياض ليست مجرد عمران وأبراج، بل روح ومعنى وذاكرة متجددة، مدينة تكتب نصّها الحضاري المفتوح عبر الأجيال. واستعاد الحسني دور الملك سلمان بن عبدالعزيز في صياغة هوية الرياض المعمارية والثقافية، مشيراً إلى أن العمارة السلمانية لم تكن قالباً عمرانياً وحسب، بل فلسفة جمالية تمزج بين أصالة التراث وجرأة الحداثة. وروى ذكرياته عن لحظة رفع أكبر علم للمملكة في ميدان الأمير سلمان بالدرعية، واصفاً المشهد بأنه إعلان رمزي عن رسوخ الهوية وتجذر التاريخ. وأشاد الحسني بوعي أمانة الرياض الثقافي المبكر، حيث رعت المسرحيات والأنشطة الفنية والمهرجانات، لتؤكد أن الثقافة ليست ترفاً، بل جزء أصيل من التنمية. وأوضح أن الأمانة على مرّ أمنائها وفرقها الإبداعية كانت تحمل ميثاقاً شرفياً للتطوير والعصرنة والتحديث، وهو ما جعل الرياض مدينة متفردة بزخمها التاريخي والسياسي والحضاري. كما أشار إلى أن الثقافة اليوم، بفضل جهود وزارة الثقافة ورؤية المملكة 2030، لم تعد مجرد مشهد مضاف إلى الحياة، بل تحولت إلى نمط حياة، جعل من الرياض عاصمة كبرى تعلن للعالم أن الثقافة هي قلب التنمية وروح العمران.
كما نوّه الكاتب عوضة الدوسي بدور ديوانية آل حسين التاريخية وما تقدمه من جهد ثقافي ومجتمعي لافت، مؤكداً أن المحاضرة وضعت الحضور على شرفة التاريخ ونقلت لهم مناخاً فكرياً يحتاج الجميع إلى استذكاره. ولفت إلى أنه سبق أن قدّم مقترحاً بإنشاء شارع بعنوان 'شارع الثقافة' يبدأ من قصر المصمك والأماكن التاريخية حتى شارع الأعشى، ليكون بمثابة مكتبة للكتب المستعملة، بما يمنحه بعداً ثقافياً يليق بالرياض العاصمة. وهو الرأي الذي تقاطع مع رؤية الكاتب أحمد السماري الذي دعا إلى استثمار شارع الأعشى بالذات، ليغدو أيقونة ثقافية على غرار 'شارع المتنبي' في بغداد، بما يمثله من حضور فكري وتاريخي ومجتمعي.
وفي السياق ذاته، اعتبر الإعلامي والمذيع سعد الثنيان أن هناك تقصيراً في الاحتفاء بالرياض كمدينة تاريخية وثقافية ساطعة، مؤكداً أن العاصمة تستحق أضواء إعلامية مضاعفة توازي مكانتها وموروثها الثقافي. ودعا إلى تعزيز الدور الإعلامي الذي ينقل صورة الرياض للعالم كمدينة ثقافية نابضة، ويمنحها ما تستحق من حضور وضوء.
وشهدت الأمسية مداخلات ثرية لعدد من المثقفين والأدباء والإعلاميين؛ حيث تحدث الأستاذ بندر الصالح مثنيًا على نجاح الأمسية ومشيدًا بالمحاضر والديوانية، كما شارك الدكتور عبيد العبدلي، صاحب منتدى العبدلي، مؤكداً على تكامل جهود المؤسسات الحكومية في تعزيز الفعاليات الثقافية، وتواصلت المداخلات التي أشادت بدور أمانة منطقة الرياض، مؤكدة أنها لم تكن مجرد قطاع خدمي تقليدي، بل جهازاً تنموياً وثقافياً فاعلاً ترك بصماته العميقة في وجدان العاصمة وهويتها.
واختتم اللقاء بشكر لسعادة أمين منطقة الرياض الأمير الدكتور فيصل بن عبدالعزيز بن عياف وفريقه، تثميناً لشعار 'الرياض هاجسي وقضيتي' الذي يعكس الروح العملية والرؤية المتواصلة في تعزيز مكانة العاصمة كفضاء ثقافي وحضاري عالمي.