اخبار السعودية
موقع كل يوم -جريدة الرياض
نشر بتاريخ: ٢٣ أيلول ٢٠٢٥
حسين بن حمد الرقيب
في فجرٍ مهيب، حين كانت الرمال صامتة إلا من همس الريح، انطلقت عزيمة عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود كالسيف، تحمل حلم أمةٍ تبحث عن وحدتها ومجدها، في عام 1319 هجريًا، بزغ النور من بين جنبات الرياض يوم أن ارتفع صهيل الحق، معلنًا فتح الرياض، الحدث الذي دوّى في أرجاء الجزيرة العربية كبداية عهد جديد، وبذرة زرعها القائد المؤسس لتثمر لاحقًا وطنًا شامخًا. لم يكن ذلك الفتح مجرد استرداد مدينة، بل كان استردادًا للهوية، وإحياءً لروحٍ كادت أن تخبو تحت وطأة الفرقة والشتات، فكان صوت عبدالعزيز ينادي بأمل جديد، ويكتب أولى صفحات المجد في سفر المملكة.
من ذلك الفجر، انطلقت المسيرة الكبرى، مسيرة لم تعرف السكون ولا التراجع، ثلاثون عامًا من الكفاح والنزال، كان فيها الملك عبدالعزيز قائدًا وجنديًا، سياسيًا حكيمًا ومحاربًا صبورًا، يتنقل بين القبائل، يوحّد الصفوف، ويرأب الصدع بين الإخوة، حتى استطاع أن يجمع القلوب قبل أن يوحد الأرض، لم يكن النصر عنده حدودًا جغرافية فحسب، بل كان توحيدًا للعقيدة، وترسيخًا لراية التوحيد، وتأسيسًا لدولة جعلت القرآن دستورها، والعدل نهجها، والعزة مسارها.
وجاء اليوم الموعود، يوم السابع عشر من جمادى الأولى 1351هـ الموافق الثالث والعشرون من سبتمبر عام 1932، ليعلن للعالم ميلاد المملكة العربية السعودية، دولة راسخة الأركان، موحدة الصفوف، يلتف شعبها حول راية خفاقة تحمل كلمة التوحيد، وتنطلق منها رسالة إسلامية جامعة للعالم أجمع، لقد كانت تلك اللحظة تتويجًا لتضحيات عظيمة، ودماء طاهرة سُفكت في سبيل الوحدة، وأحلام سطّرها المؤسس بمداد العزيمة والصبر.
ومع ميلاد المملكة، بدأت صفحة جديدة من البناء والتشييد، فقد كان الملك عبدالعزيز يدرك أن بناء الإنسان لا يقل أهمية عن بناء الدولة، فعمل على إرساء نظام إداري متين، وتأسيس مؤسسات حديثة، ووضع اللبنات الأولى لاقتصاد وطني مستقل، ولما أكرم الله هذه البلاد بخيرات النفط، لم يكن ذلك نعمة اقتصادية فحسب، بل كان فرصة لتعزيز التنمية وتشييد المدارس والمستشفيات وشق الطرق، حتى باتت المملكة بعد عقود قليلة نموذجًا للتحول المذهل من بادية متواضعة إلى دولة عصرية تنبض بالحياة.
ثم جاء عهد الأبناء من بعد المؤسس، يتسلمون الراية جيلاً بعد جيل، يحفظون الأمانة، ويواصلون البناء. في عهد الملوك سعود، فيصل، خالد، فهد، عبدالله، ثم الملك سلمان –حفظه الله–، توالت مراحل النهضة، فتعزز الاقتصاد، واتسعت البنية التحتية، وارتفعت راية المملكة في المحافل الدولية، لقد كان لكل ملك بصمته الخاصة، ولكنهم جميعًا اتفقوا على غاية واحدة: رفعة هذا الوطن وخدمة شعبه، ورعاية الحرمين الشريفين ليظلّا منارة هدى للعالمين.
ولعل أعظم ما يميز المملكة عبر تاريخها هو الأمن والأمان الذي تنعم به، ففي منطقة مضطربة، تحيط بها النزاعات والحروب، بقيت السعودية واحة استقرار، حصنًا منيعًا ضد الفوضى، وذلك بفضل حكمة قيادتها وقوة أجهزتها الأمنية التي جعلت المواطن والمقيم يعيشان في طمأنينة، يزاولان حياتهما تحت مظلة من النظام والعدل، إن نعمة الأمن ليست مجرد شعور، بل هي أساس لكل نهضة، وسبب في استقطاب الاستثمارات، وازدهار الاقتصاد، وطمأنينة المجتمع.
ومع إشراقة رؤية 2030 التي أطلقها سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، دخلت المملكة مرحلة جديدة من المجد والطموح، لم تعد التنمية محصورة في النفط، بل انطلقت المشاريع العملاقة التي ستصنع مستقبلًا استثنائيًا: نيوم، المدينة الحلم التي تجمع بين التقنية والطبيعة، البحر الأحمر الذي سيعيد صياغة مفهوم السياحة العالمية، والقدية التي ستجعل الترفيه صناعة وطنية تنافس بها السعودية دول العالم، كما تنوع الاقتصاد ليستند على الصناعات الحديثة، والطاقة المتجددة، والابتكار، والتقنية، لتصبح المملكة قوة اقتصادية عظمى ومركزًا عالميًا للتجارة والاستثمار.
إن النهضة التي نشهدها اليوم ليست مجرد خطط مكتوبة، بل هي واقع يتجسد في شوارعنا ومؤسساتنا، في تعليمٍ متطور، ومبادرات صحية نوعية، وفرص وظيفية تفتح أبواب الأمل للشباب، ومع كل ذلك، تبقى المملكة وفية لهويتها، متمسكة بقيمها الراسخة، تجمع بين الأصالة والمعاصرة، لتثبت للعالم أن الحداثة لا تعني التخلي عن الجذور، وأن التنمية الحقيقية هي التي تبنى على القيم الراسخة.
واليوم، ونحن نحتفل باليوم الوطني، نستحضر تلك المسيرة المجيدة التي بدأت بفتح الرياض، مرورًا بتوحيد الأرض، وصولاً إلى نهضة الحاضر، لنجد أنفسنا أمام وطن لم يعرف التوقف عن التقدم، إنه وطن يُروى تاريخه بفخر، وتُحكى بطولاته للأجيال، ليظل اسم السعودية رايةً خفاقة في سماء المجد، هذا اليوم ليس مجرد مناسبة للاحتفال، بل هو عهد يتجدد بالولاء والانتماء، عهد بأن نحافظ على هذا الكيان العظيم، وأن نسير خلف قيادته الرشيدة، متمسكين بوحدتنا، عاملين على رفعة وطننا.
فالمملكة العربية السعودية لم تُبنَ صدفة، ولم تنعم بالأمن والرخاء بلا ثمن، بل شُيّدت على تضحيات رجال عظام، ورؤية قادة أوفياء، وإيمان شعبٍ لا يلين، وفي ظل حكم آل سعود، سيبقى هذا الوطن شامخًا، لا تهزه رياح الأحداث، ولا تنال منه تقلبات الزمان، ما دامت شمس الحق تشرق على هذه الأرض الطيبة، وما دام شعبها يرفع راية التوحيد عاليًا، مرددًا بفخر: هي لنا دار، ونحن لها حماة.