اخبار السعودية
موقع كل يوم -جريدة الرياض
نشر بتاريخ: ١٨ تشرين الثاني ٢٠٢٥
د. محمد المسعودي
السنوات المقبلة مع سمو ولي العهد ستشهد تحولًا في طبيعة العلاقات السعودية - الأميركية؛ فالشراكة رغم أنها ترتكز على معادلات الأمس، لكنها تستند إلى رؤية تقودها المملكة نحو اقتصاد جديد، ومكانة دولية أكثر تأثيرًا، وإستراتيجية مستدامة ترفع مستوى الشراكة إلى أفقٍ أوسع..
العلاقات بين المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة الأميركية بدأت عام 1933 بتوقيع اتفاقية تعاون، ثم توسعت دوائرها مع الزمن لتشمل الاقتصاد والدفاع والطاقة والتعليم. وفي 14 فبراير 1945، صنع اللقاء التاريخي الذي جمع الملك عبدالعزيز -رحمه الله- بالرئيس الأميركي فرانكلين روزفلت نقطة ارتكاز لعقود طويلة من الشراكة، ذلك اللقاء الذي كان حجر أساس لعلاقة تقوم على الاحترام والثقة وتوازن المصالح، وتعزيز من الحضور الإقليمي والدولي.
وفي امتداد هذا الإرث، جاءت زيارة سموّ وليّ العهد الأمير محمد بن سلمان إلى الولايات المتحدة هذا الأسبوع في توقيت يحمل وزن التحولات المتسارعة في العالم، فالبلدان يقفان أمام مرحلة تتجاوز المفاهيم التقليدية للعلاقات الثنائية، ويتجهان نحو صياغة أنموذج جديد يستند إلى التكنولوجيا والمعرفة والطاقة الجديدة والمشاريع العابرة للقارات.
وهذه الزيارة لا شك تحمل مسارًا يعكس طموح المملكة في بناء اقتصاد متنوع، ودور دولي ينسجم مع رؤيتها الواسعة، مع أفقٍ اقتصادي يستوعب الشركات الأميركية ويمنحها مساحات أكبر من الاستثمار في بيئة تشهد أحد أسرع التحولات عالميًا.
وتبرز في هذه المرحلة ملامح علاقة خاصة تجمع الرئيس الأميركي دونالد ترمب بسموّ وليّ العهد. فطبيعة القرارات السريعة والرؤية الواضحة لدى الطرفين أوجدت مساحة واسعة من التفاهم السياسي والاقتصادي. وقد انعكست هذه العلاقة في مشاريع استثمارية شاركت فيها شركات أميركية كبرى، وفي حوارات أمنية تُبنى على إدراك مشترك لأهمية استقرار الشرق الأوسط ودور المملكة في الموازنات الإقليمية والدولية معًا؛ لتكون زيارة هذا الأسبوع، متقدمة الدينامية نحو مستوى أعلى من التنسيق في الملفات الاقتصادية والدفاعية والسياسية في المنطقة، وفتح آفاق جديدة في الطاقة المتقدمة وسلاسل الإمداد والتقنيات الكبرى.
وللمتابع، يجد أن تحرك الشراكة اليوم يتجه نحو تكامل يواكب التحولات العالمية، فالمملكة تعيد توجيه اقتصادها نحو الصناعات المتقدمة والذكاء الاصطناعي والاقتصاد الرقمي، بينما تبحث الولايات المتحدة عن شريك يمتلك قدرة على قيادة المنطقة نحو استقرار طويل الأمد، ويمتلك موقعًا إستراتيجيًا يعزز مصالحها. هذا التكامل يفتح المجال أمام تعاون أوسع في التكنولوجيا، وتطوير منظومات دفاعية، وتوسيع الاستثمارات في الطاقة النظيفة والهيدروجين والمعادن الحيوية.
وفي استشراف لمستقبل العلاقة السعودية - الأميركية، تبدو أمام الرياض وواشنطن ثلاثة مسارات رئيسية، أولها.. بناء تحالف اقتصادي - تكنولوجي يتجاوز حدود الاستثمارات التقليدية، ويصل إلى مشاريع بحثية مشتركة، وشراكات في الذكاء الاصطناعي، وربطٍ بين مراكز البيانات، وإطلاق منصات صناعية تجمع قدرات الشركات الأميركية مع المشاريع الوطنية السعودية. وثانيها.. تعزيز الأمن الإقليمي من خلال رؤية تستند إلى الاستقرار، وتطوير القدرات الدفاعية، وتفعيل دور المملكة في التوازنات السياسية في الشرق الأوسط وخدمة ملف الدولة الفلسطينية تحديدًا، بما في ذلك دعم الاستقرار في البحر الأحمر، وتقليل مخاطر التهديدات العابرة للحدود. وثالثها: تأسيس علاقة دبلوماسية أكثر نضجًا، تعتمد على الحوار المباشر، وتوسيع الدور السعودي في القضايا الدولية، وإسهامٍ أكبر في تشكيل أجندة العالم في الطاقة والغذاء والمناخ..
هذه المسارات الثلاثة قد تشير إلى أن السنوات المقبلة مع سمو ولي العهد ستشهد تحولًا في طبيعة العلاقة السعودية - الأميركية؛ فالشراكة رغم أنها ترتكز على معادلات الأمس، لكنها تستند إلى رؤية تقودها المملكة نحو اقتصاد جديد، ومكانة دولية أكثر تأثيرًا، وإستراتيجية مستدامة ترفع مستوى الشراكة إلى أفقٍ أوسع.
ختامًا، ستتواصل رحلة بدأت عام 1933، وتوثقت في فبراير 1945، وتدخل اليوم مرحلة أكثر نضجًا ووضوحًا، فمع حضور سموّ وليّ العهد في واشنطن، تبدو العلاقة السعودية - الأميركية أمام فرصة تاريخية لإعادة كتابة مستقبلها، اعتمادًا على إرث طويل، ورؤية طموحة، وقدرة مشتركة على صياغة مسار عالمي جديد.










































