اخبار السعودية
موقع كل يوم -صحيفة الوئام الالكترونية
نشر بتاريخ: ٣٠ حزيران ٢٠٢٥
في ظل التطورات المتسارعة في الذكاء الاصطناعي، يبرز تساؤل جوهري: هل يمكن للأنظمة الذكية أن تقترب من مستوى الفهم والإدراك البشري دون أن يكون لها جسد؟ تقرير موسّع نُشر مؤخرًا يستعرض إجابات علمية متراكبة تشير إلى أن التجسيد – أو ما يُعرف بـ'الذكاء المتجسد' – قد يكون ضروريًا لتطوير ذكاء اصطناعي عام (AGI) يُشبه الإنسان، ليس فقط في المعالجة، بل في الفهم الحسي والتجريبي للعالم.
حدود الذكاء المفصول عن الجسد
وتشير دراسات حديثة – مثل دراسة أجرتها Apple على نماذج 'الاستدلال اللغوي' – إلى أن الذكاء الاصطناعي الحالي، رغم قوته في توليد النصوص، يفشل في حل المسائل المعقدة بطرق منطقية أو متماسكة، ويفتقر إلى القدرة على التعلم التكيفي في بيئات غير متوقعة. فالأنظمة القائمة تعتمد على التنبؤ بالكلمات التالية، وليس على 'الفهم' كما يحدث لدى البشر.
العقل لا يعمل بمعزل عن الجسد
نظريات الذكاء المجسد ترى أن التفكير لا ينفصل عن الإحساس والحركة. فالدماغ البشري تطوّر ضمن سياق جسدي يخوض تفاعلات مستمرة مع البيئة. حتى الأمعاء، التي يُطلق عليها أحيانًا 'الدماغ الثاني'، تشارك في عمليات الإدراك من خلال شبكات عصبية مدمجة.
ويقول رولف بفايفر، مدير مختبر الذكاء الاصطناعي بجامعة زيورخ: 'الدماغ لا يتطوّر في فراغ… بل داخل جسد مصمم للبقاء في عالم مادي متغير'. هذه الرؤية تستند إلى أبحاث في علم النفس، والبيولوجيا العصبية، وحتى سلوك الأخطبوط، الذي يمكن لأذرعه أن تتخذ قرارات حركية مستقلة دون الرجوع للمخ المركزي.
الذكاء المتجسد.. والتصميم الناعم
هنا تبرز أبحاث البروفيسورة تشيشليا لاشي، التي ترى أن 'الروبوتات الناعمة' هي الخطوة التالية. على عكس الهياكل الصلبة، تُصمم الروبوتات الناعمة باستخدام مواد مرنة كالهلام أو السيليكون، لتتمكن من التكيّف مع البيئة دون الحاجة إلى تعليمات حاسوبية مسبقة. الذكاء هنا لا يأتي فقط من الخوارزميات، بل من التصميم الفيزيائي نفسه.
المواد الذكية.. حين يصبح الجسد جزءًا من الدماغ
في جامعة كاليفورنيا بلوس أنجلوس، تعمل الدكتورة كسيمين هي على تطوير مواد تستجيب ذاتيًا للمحفزات، مثل المواد البوليمرية التي تتغيّر حركتها بناءً على رد فعلها الفيزيائي. هذه المواد تنفذ قرارات أولية – كالتحرك للأمام أو التوقف – بناءً على ردود فعل فيزيائية مدمجة، دون حاجة لوحدة تحكم مركزية.
الهدف هنا هو دمج الاستشعار واتخاذ القرار والحركة داخل المادة ذاتها، ما يُمكّن من بناء روبوتات تتفاعل مع العالم ليس وفق برمجة ثابتة، بل كتجارب حية تتطور مع الزمن.
ليس فقط أسرع.. بل أكثر إنسانية
الذكاء الحقيقي، كما يذهب الباحثون، لا يعني مجرد معالجة أسرع، بل فهماً سياقيًا، واستجابة حسّية، وتعلّم من التجربة. الإنسان لا يفهم 'التفاحة' من تعريفها اللغوي، بل لأنه أمسكها، شمّها، تذوّقها، وربما أسقطها على الأرض.
ولكي يتمكن الذكاء الاصطناعي من بلوغ مثل هذا المستوى من الإدراك، لا بد أن يمتلك 'جسدًا' يتيح له اختبار العالم بنفسه، وتكوين فهم خاص به، ليس بالضرورة مطابقًا للفهم البشري، بل ربما يتفوّق عليه إذا زُوّد بحواس مختلفة (كالرؤية تحت الحمراء أو شم الأمراض).
الجسد ليس ترفًا في تصميم الذكاء
'إذا أردنا تطوير ذكاء يُشبه البشر، على الآلة أن تعيش التجربة، لا أن تُحاكيها فقط'، يقول البروفيسور جوليو سانديني من جامعة جنوى. ومن هنا، فإن الجسد – أو بالأحرى التفاعل الحسي الكامل – ليس مجرد إضافة، بل قد يكون الخطوة المفصلية نحو تطوير ذكاء اصطناعي يفهم، لا فقط يستنتج.