أجنحة القراءة.. تسويق للكتاب وربط للمجتمع بالمعرفة

جدة - صلاح الشريف

في الوقت الذي تكتظ فيه المولات بالمتسوقين وآخرين لقضاء الوقت في المقاهي الموجودة بالمولات، ثمة أفكار ومقترحات تشغل أذهان المهتمين بالشأن الثقافي من بينها: فكرة إطلاق مبادرات لتشجيع المراكز التجارية بإضافة أجنحة وزوايا للقراءة، عبر تجهيز مكتبة مصغرة بجانب 'الكفيهات' لخدمة المرتادين الذين يرغب الكثير منهم في قضاء فترة الانتظار في القراءة، وللحديث حول ذلك تستضيف 'الرياض' عددا من المهتمين في الأسطر التالية.

إشعال جذوة حب القراءة لدى المجتمع

الشاعر والناقد د. إبراهيم بن محمد هجري أشار إلى أهمية إشعال جذوة حب القراءة في نفوس الشباب والشابات، حيث تشكل القراءة حياة أخرى لكل من يتعاطاها، فهي غذاء الروح والعقل، ولهذا كان منطلق البداية في الخطاب السماوي للنبي - صلى الله عليه وسلم- هي كلمة (اقرأ)؛، فالقراءة أعظم وسيلة تعلم عرفها الإنسان.

إننا عندما (نقرأ) فإننا نملك المعلومات، ونكسب المهارات، بل نتخطى الزمان والمكان، ولهذا يقول فيلييس ميندل: 'إن العامل المشترك الذي يجمع الناجحين من البشر هو أنهم يقرؤون'.

إن الفعل القرائي هو ما جعل المجتمعات الإسلامية الأولى تحتل موقع الصدارة، ولا ريب في أن يقول الجاحظ مقولته في كتابه الحيوان: 'من لم تكن نفقته التي تخرج في الكتب ألذّ عنده من إنفاق عُشّاق القِيان، والمستهترين بالبنيان، لم يبلغ في العلم مبلغاً رضياً، وليس ينتفع بإنفاقه حتى يؤثر اتخاذ الكتب إيثار الأعرابي فرسَه باللبن على عياله، وحتى يُؤمِّل في العلم ما يؤمل الأعرابي في فرسه'.

الغامدي: زوايا القراءة حلم يراود الجميع

وإن قليلًا من التأمل في حياة المجتمعات العربية يدرك أن ثمة عزوفًا عن ممارسة (القراءة) الحقيقية، فإذا كانت هذه (القراءة) أهم وسيلة لاكتساب المعرفة التي ستقودنا نحو التقدم الحضاري، كان لزامًا على كل المؤسسات الثقافية ألا تتوانى عن تبني المبادرات التي تجعل الشباب والشابات يقبلون على (القراءة)، بحيث تصبح فعلًا منتسبًا إلى صفاتهم الشخصية.

وإن من أهم الأماكن التي يرتادها الشباب والشابات 'المولات والكفيهات'، فهي متنفسهم، ونزهة أرواحهم، ومكان اجتماعهم، فإذا كان الأمر كذلك فلماذا لا تسعى الجهات المعنية بالثقافة - بالتنسيق مع هذه المولات والكفيهات- في تخصيص ركن لإنشاء مكتبة، وتهيئتها للقراءة؟ إنه سؤال مهم، ينبغي ألا نغفل عنه لا سيما ونحن نرى الذكاءات المتعددة التي تتوقد في عقول أبنائنا وبناتنا.

إننا حينما نفعل مثل هذه المبادرات؛ فإننا نشعل جذوة حب القراءة في نفوس هؤلاء الشباب والشابات، كما نسهم في تطوير ذواتهم، فينشأ لدينا جيل مختلف وعيًا وفكرًا.

القراءةَ عمرٌ ثانٍ

فيما يرى القاص والكاتب علي السعلي أن وضع زوايا للقراءة في المولات فكرة رائدة، مقترحا تحوير بيت الشِعْر إلى تصرّف يسير ليكون:

دقّات قلبِ المرء قائلة له

إن (القراءة) دقائق وثوان

مضيفا أن القراءة عمود الفكر، ومِنْهاج الحياة، وطريق الاعتدال، وراحة للنفس، وفلسفة الإفادة في الانتظار، فالانتظار مُمِل، يسرقُ الوقتَ منك دون أن تشْعُر، وغالبا تندم ولات حين مناصٍ ينفع الندم، ومن أثمن الأوقات التي من وجهة نظري تُهْدر التسوّق في المراكز الكبيرة، فللمرأة متعة الشراء وهذا حقها بصراحة، وليس للرجال سِوى هذا الانتظار القاتل!

مؤكدا تأييده لفكرة تشجيع أصحاب المراكز الضخمة، والمقاهي المكتظّة بالمرتادين لإضافة أجنحة وزوايا للقراءة من قبل أصحاب هذه المراكز والمقاهي (كوفي شوب) وإن طمعنا قليلا في تعاون وزارة الثقافة مع هؤلاء بتزويدهم بكل الكتب الثقافية والفكرية والأدبيّة وفي شتّى الفنون، لأن القراءة عمرٌ ثانٍ إن ذَهَبَ لم ولن يعود، فهو عُمْرٌ لا يقاس إلا بـكم سَطْرٍ قرأت، وحروفٍ تكحّلتْ بها عيناك، وكم كتابٍ تعطّرتْ به يداك.. القراءة ثقافة ومثاقفة، كأنها امرأة تأتيك مُدلّلة.

زوايا القراءة حلم يراود الجميع

القاصة وفاء بنت سالم الغامدي أشارت إلى أن زوايا القراءة في المراكز التجارية حلم يراود الكثير، في خضم ضجيجهم، وركضهم خلف ما يقتنون، في صخب الأطفال وتعالي أصواتهم واختلاط الأصوات والأحاديث، فهناك رؤوس تحتاج أن تُسند فكرها على صدر كتاب، تبحث عن زوايا خافتة الضوء هامسة الكلمات تحتضن أصحاب الأرواح المجنحة والرؤى المحلقة لتقضي هذه الساعات فيما يمتع ويفيد ويغذي الروح والفؤاد.

كم تمنيت وأنا في عواصم عالمية أرتشف قهوتي وأطالع كتابًا في مراكزهم التجارية أن تجد أرفف الكتب وشغف القراء مساحةً لها ولنا هنا في مراكزنا التجارية الضخمة التي تترامى في أنحائها المقاهي والمساحات الفارغة، وكم أغمضت عيني لأحلم بواحاتِ المعرفة وحدائق الثقافة تفتح ذراعيها لنا ولأبنائنا تمسح عن كاهلنا عناء الجهل وتنفض غبار التقليد بتوفير الكتب النافعة والماتعة والثرية.. حلم يرواد الكثيرين.. فهل تتحقق الأحلام؟

الخزيم: لأجنحة القراءة أهمية متزايدة

لأجنحة القراءة أهمية متزايدة

بدورها قالت سارة بنت عبدالله الخزيِّم مُؤسِسة ومديرة صالون سارة الثقافي: إن كثرة المراكز التجارية الكبرى وانتشار المقاهي تستلزم وقفة جادة من الجهات المسؤولة والتطوعية لتوفير أركان قراءة بشكل جاذب لمن ينتظر عائلته في أحدها، وقد شاهدت وجودها بالفعل في بعض الكافيهات بالرياض والمنطقة الشرقية ولكن بشكل محدود. ففي محافظتنا الجميلة الخرج بذل صالون سارة الثقافي جهده بتوفير أركان قراءة في بعض الأماكن، ونطمح في توفير المزيد بتعاون الجميع لما للقراءة من دور فاعل في تنوير العقول وتوسيع المدارك ورفع مستوى التفكير خاصة لدى الناشئة، إذ هم عماد المستقبل ومن الجيد الاطلاع على تجارب الآخرين والاستفادة منها شخصياً لمست رغبة حقيقية من الفرق التطوعية في إيجاد هذا على أرض الواقع، المبادرات كثيرة، والحماس موجود، فقط تحتاج جهات راعية وداعمة.

القراءة تجعل للتسوق طابعاً مختلفاً

أخيرا عبرت المذيعة روان مكي عن تأييدها لإيجاد مثل تلك الأجنحة القرائية في المراكز التجارية، فالقراءة غذاء الروح أينما وجدت تجد معها أجواء الثقافة ترفرف، فعندما يكون التسوق ممزوجاً بها يصبح له طابع مختلف ويزيد من معدل القرءاة للفرد مهما كثرت وسائل التواصل ويساعد على ملء وقت مرتادي السوق ومن معهم لقضاء وقت الانتظار بما هو مفيد.