اخبار السعودية
موقع كل يوم -اندبندنت عربية
نشر بتاريخ: ١٩ أيار ٢٠٢٥
بعد تدخل ولي العهد السعودي في لجم أسعار مدينة الرياض يتحدث متابعون للملف الشائك عما يعدونه أوان 'تفجر الفقاعة'
في لحظة بدت فاصلة في مسار سوق العقار السعودية، أطلق ولي العهد الأمير محمد بن سلمان توجيهاته بإجراء تعديلات جوهرية على نظام رسوم الأراضي البيضاء، ليشمل للمرة الأولى 'العقارات الشاغرة' في خطوة قال عنها مراقبون إنها قد تعيد تشكيل خريطة التملك والإيجار في البلاد، وتضع حداً لتضخم الأسعار الذي بلغ ذروته في الأعوام الأخيرة، خصوصاً في العاصمة الرياض.
فبعد أن قفز سعر المتر المربع في بعض مناطق شمال الرياض إلى أكثر من 9 آلاف ريال (2400 دولار)، بحسب بيانات سابقة، بدأت السوق تشهد تباطؤاً لافتاً، انعكس في توقف مزادات عقارية رغم وصول سعر المتر إلى 5 آلاف ريال (1300 دولار)، من دون أن تجد من يشتري، ويقول أحد العقاريين ممن تحدثت إليهم 'اندبندنت عربية'، إن المزادات الأخيرة التي جرت عقب السياسة الجديدة شهدت عزوفاً واضحاً، نتيجة الترقب والحذر اللذين يطبعان المشهد.
تعديل جوهري
بحسب وزارة الشؤون البلدية والقروية والإسكان تم تعديل اسم 'نظام رسوم الأراضي البيضاء' ليصبح 'نظام رسوم الأراضي البيضاء والعقارات الشاغرة' ليشمل العقارات غير المستغلة الواقعة داخل النطاق العمراني، التي تركت من دون استخدام لفترات طويلة من دون مبرر مقبول، وسيفرض رسم سنوي على هذه العقارات بنسبة لا تتجاوز خمسة في المئة من قيمة العقار، باحتساب أجرة المثل.
وأوضح وزير المالية السعودي محمد الجدعان في تصريح سابق أن 'التوجيهات الملكية تستهدف رفع نسبة تملك الأسر السعودية للمساكن وفق مستهدفات رؤية 2030' مؤكداً أن الإجراءات الجديدة 'ستسهم في الحد من ارتفاع الأسعار وكبح التضخم' فضلاً عن 'تعزيز المعروض من الوحدات السكنية على المدى الطويل، من خلال إصلاحات هيكلية تضبط العلاقة بين المؤجر والمستأجر'.
في المقابل، يرى المحلل الاقتصادي أحمد الشهري أن أسعار العقارات في بعض مناطق الرياض وصلت إلى مستويات غير منطقية، محذراً من أن 'الارتفاع المبالغ فيه بأسعار الأصول العقارية ليس مجرد تحد اقتصادي، بل عبء اجتماعي قد يقوض فرص الشباب في التملك ويكرس فجوة الثروة'.
وتظهر بيانات منصة 'عقار' حتى مايو (أيار) الجاري مؤشرات واضحة إلى هبوط أسعار بيع وإيجار العقارات في العاصمة، سواء في المناطق النشطة أو الطرفية يأتي ذلك بعد فترة من الارتفاعات الحادة، إذ كانت أسعار العقارات في الرياض قد سجلت قفزة بنسبة 75 في المئة خلال الأعوام الخمسة الماضية، فيما بلغ متوسط سعر المتر المربع في الفلل أكثر من 5 آلاف ريال (1300 دولار).
الطلب لا يزال مرتفعاً... ولكن
على رغم التراجع الطفيف تؤكد تقارير دولية أن السوق السعودية لا تزال تواجه ضغطاً في الطلب، وتشير شركة 'نايت فرانك' العالمية إلى أن السعودية تحتاج إلى بناء 115 ألف منزل سنوياً خلال الأعوام الستة المقبلة لتلبية حاجات السكان المتزايدة.
وفي السياق العالمي، تشير بيانات سوق الأسهم 2025 إلى تراجع حصة العقارات ضمن القيمة السوقية للقطاعات المدرجة في الأسواق العالمية إلى ثلاثة في المئة فحسب، مقارنة بـ21 في المئة لمصلحة شركات تكنولوجيا المعلومات، وخمسة في المئة لشركات الطاقة. وهو ما يعكس اتجاهاً استثمارياً متحفظاً تجاه الأصول العقارية، وربما يعكس مزاجاً عالمياً يعيد تقييم أولويات الاستثمار في ظل التقلبات الاقتصادية.
تجارب دولية للإصلاح
في مواجهة أزمة السكن وتضخم الأسعار، لم تترك الحكومات حول العالم السوق ليتحكم بمفرده في مسار العقارات، بل تبنت سياسات ضريبية صارمة على الوحدات غير المستخدمة، بهدف كبح جماح المضاربة وتحفيز الملاك على ضخ عقاراتهم في السوق أو تطويرها. ففي كندا، فرضت مدينة فانكوفر ضريبة سنوية بنسبة ثلاثة في المئة على العقارات الشاغرة، بينما طبقت ولاية فيكتوريا الأسترالية نسبة مماثلة على العقارات غير المستغلة لأكثر من ثلاثة أعوام.
فرنسا ذهبت إلى مدى أبعد، بضرائب تراوح ما بين 20 في المئة و34 في المئة سنوياً، فيما فرضت سنغافورة نسباً تصل إلى 20 في المئة بحسب مدة الشغور. أما إيرلندا، فتطبق ضريبة تصل إلى ثلاثة أضعاف الضريبة العقارية المعتادة، في حين تصل النسبة في واشنطن العاصمة إلى 10 في المئة، وتفرض في إسطنبول ضريبة سنوية بـ0.6 في المئة على العقارات غير المؤجرة. هذه التجارب تكشف عن توجه عالمي واضح نحو تحميل المالك مسؤولية إبقاء العقار شاغراً، والانتقال من منطق الاستثمار الصامت إلى منطق التوظيف العمراني الفعال.
وفي هذا السياق يرى المتخصص العقاري خالد المبيض أن 'التوسع في فرض الرسوم على العقارات الشاغرة ليس إجراء طارئاً، بل هو امتداد طبيعي لمسار إصلاحي يستهدف خفض الأسعار وكبح الارتفاع المتسارع في الإيجارات'، ويقول لـ'اندبندنت عربية'، 'هذا التوجه كان ضمنياً في صلب النظام العقاري الصادر بالأمر الملكي، وقد آن أوان تفعيله على نحو أوسع'.ويضيف أن 'العلاقة الوثيقة بين أسعار البيع والإيجار تفرض تحركاً متوازناً على الجانبين. ومن هنا، فإن فرض الرسوم على العقارات غير المستغلة سيحفز الملاك على طرح وحداتهم في السوق بدلاً من احتكارها، مما يسهم في زيادة المعروض، ويخلق نوعاً من الانضباط في التعامل بين المؤجر والمستأجر'.
ويلفت المبيض إلى أن 'تحسين سلوك بعض الملاك سيكون نتيجة طبيعية لهذا الإجراء، إذ سيحرصون على الحفاظ على المستأجرين بدلاً من المجازفة بخلو العقار وخضوعه للرسوم، مما قد يحد من الممارسات المجحفة المتعلقة برفع الإيجارات'.
ويمضي المبيض إلى اعتبار أن القرارات الأخيرة تجاوزت البعد الاقتصادي لتلامس بعداً اجتماعياً، مشيراً إلى أن 'فتح مشاريع الإسكان المدعومة أمام شرائح جديدة من المجتمع، كالعزاب والمطلقات، خطوة نحو تكافؤ الفرص، وإعادة تشكيل المشهد السكني على أسس أكثر شمولاً وعدلاً'. وأردف، 'على رغم مما يقال عن الرسوم، لا تزال السعودية من أقل الدول فرضاً للضرائب على العقارات الشاغرة، مقارنة بدول مثل كندا والولايات المتحدة التي تفرض ضرائب متعددة على الوحدات غير المسكونة. مما يميز التجربة السعودية أن الهدف من الرسوم ليس الجباية، بل تحريك السوق وتحقيق التوازن بين العرض والطلب، وهو ما بدأنا نلمس آثاره تدريجاً'.
أحكام قضائية
أكد طارق الشهيب المشرف العام على برنامج رسوم الأراضي البيضاء، أن النظام حدد رسماً سنوياً لا يتجاوز 10 في المئة من قيمة الأرض، على أن تطبق الرسوم على الأراضي التي لا تقل مساحتها عن 5 آلاف متر مربع. وأوضح في لقاء تلفزيوني أن الهدف من فرض الرسوم يتمثل في تحفيز تطوير الأراضي غير المستغلة، وتعزيز المعروض العقاري داخل النطاقات العمرانية.
في سياق متصل، صدرت أحكام قضائية من ديوان المظالم بإلغاء رسوم الأراضي البيضاء في حال وجود موانع نظامية تحول دون التصرف في الأرض. ومن بين أبرز تلك الموانع إيقاف الملكية العقارية، إيقاف ترخيص البناء أو التخطيط، صدور قرار بنزع الملكية أو جزء منها للمصلحة العامة، وجود صكوك موقوفة أو ملغاة، أو خضوع الأرض لنزاع قضائي أو لدى لجان 'إحكام' أو المساهمات المتعثرة. على أن يشترط ألا يكون المكلف طرفاً متسبباً في هذه العوائق.
وبينما يدور النقاش القانوني حول الاستثناءات من الرسوم، يذهب الكاتب السعودي عبدالحميد العمري إلى بعد أوسع مشيراً إلى أن نزع ملكيات الأراضي الشاسعة غير المستغلة في المدن الرئيسة بات ضرورة تنموية واقتصادية تتفوق، بحسب وصفه، على مبررات نزع أراض لمصلحة شارع أو مرفق عام، ويرى أن 'تعويض الملاك يمكن أن يتم وفق الآلية المعتمدة لتقييم رسوم الأراضي البيضاء، التي لقيت قبولاً لدى معظم الملاك'.
ويقول العمري، إن 'الاحتفاظ بتلك المساحات الكبيرة من دون استغلال تسبب في آثار سلبية امتدت للاقتصاد والمجتمع والقطاع الخاص'، مضيفاً أن المعالجة الجذرية لم تعد خياراً، بل أصبحت ضرورة، لتحقيق مصلحة عامة تتقدم على أي اعتبارات استثمارية خاصة. ويختتم قائلاً 'نحن أمام مفترق طريق فإما استمرار الضرر العام، أو إطلاق العنان لحلول إسكانية حقيقية تنهض بالقطاع وتعيد التوازن للسوق'.لكن مع ذلك لا يزال العقار وتملك المساكن يشكل تحدياً في السوق السعودية، بسبب الزيادة في الطلب وتهم لبعض كبار التجار بالتحكم في أسعار القطاع، فيما تظهر مؤشرات رؤية السعودية الاقتصادية تحسن في مؤشر تملك المساكن بين السعوديين، أكثر من المستهدف في 2030.