اخبار السعودية
موقع كل يوم -جريدة الرياض
نشر بتاريخ: ١٠ كانون الأول ٢٠٢٥
الرياض - رؤى مصطفى
هذا وافتتح صاحب السمو الملكي الأمير تركي الفيصل، رئيس مجلس إدارة مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية، النسخة الثالثة من «أيام المروية العربية» التي ينظمها المركز على مدى يومين، في إطار مشروع ثقافي يسعى إلى إعادة بناء السردية العربية وإضاءتها من جديد، عبر قراءة نقدية تربط التراث بمختبرات الفكر والفن المعاصر.
ومنذ بدايتها، كشفت الفعالية عن رغبة عميقة في إعادة فتح السردية العربية على أسئلتها الأولى؛ لا بوصفها ذاكرة تُروى، بل بوصفها مشروعًا حياً يُعاد بناؤه ليمنح الإنسان العربي القدرة على قراءة ذاته من جديد.
'جماليات الصحراء.. وارتقاء الحسّ العربي مع الوحي'
في كلمة الافتتاح، أشار الأمير تركي الفيصل إلى أن الحس الجمالي العربي ولد من «صمت الصحراء العربية، حيث صفاء الأفق ميزان للعين»، وأن التجربة الأولى للجمال خرجت من تلك اللحظة النقية التي تشكل فيها الإدراك عبر «صوت يُتلى، وكلمة تُكتب، واتجاه تُضبط به الجهات».
وأكد سموه أن المبدأ القرآني: (لَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ) شكل الإطار الجمالي الأعلى الذي استلهم منه الفن العربي والإسلامي نسبه البصرية، ووجد فيه معياراً يعيد الأشياء إلى توازُنها، ويمنح الفنون روحها الجامعة.
كما توقف عند اللحظة التي ارتقت فيها العربية بظهور الوحي، حين «انشق الأفق لصوت السماء»، فارتقى معها الحس اللغوي، وتحول الخط العربي إلى وعاء للمعنى المقدس، لتبدأ رحلة الفن الإسلامي في تشكّل هادئ وعميق امتد من المصاحف العثمانية المبكرة إلى اتساع الزخارف والهندسة والعمارة.
'الفن العربي.. انفتاح لا يذيب الخصوصية'
وأوضح الأمير تركي الفيصل أن الفن العربي الإسلامي لم ينشأ في عزلة، بل انفتح على أثر الفرس والروم والبيزنطيين والهنود، ثم أعاد تشكيل تلك التأثيرات داخل نسق بصري وروحي موحد، يحفظ الاختلاف ولا يقصيه، ويمنحه مكانه داخل بنية جمالية متصلة.
وامتد هذا النسق كما أشار إلى العمارة والمخطوطات والمنسوجات، حيث تتعدد اللهجات الفنية ولكنها تتوحد في رؤية تتأسس على وحدة الروح وتنوع التعبير.
'مركز الملك فيصل.. تحويل التراث إلى مروية حية'
ونوه الأمير بالدور الذي يحمله المركز منذ تأسيسه، إذ حول مقتنياته وكنوزه إلى «مروية عربية» تُقرأ عبر الفن والمعرفة، وجعل من معارضه مثل «وحدة الفن الإسلامي» و«أسفار: كنوز مركز الملك فيصل» تجارب حيّة تعيد تشكيل علاقة الجمهور بالتراث، وتضعه داخل سياق فكري لا يكتفي بالمشاهدة، بل يحفّز على التأمل.
كما أشار إلى أن التعاون مع المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم (الألكسو) يعكس هذا التوجه، ويؤسس لشراكة معرفية تُعيد الاعتبار للسردية العربية عبر برامج «المروية العربية».
'الألكسو: نحو سردية عربية تستعيد دورها الحضاري'
وفي كلمته، أكد الدكتور محمد ولد أعمر، المدير العام للمنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم، المكانة العلمية والثقافية التي يحتلها مركز الملك فيصل في العالم العربي، مشيرًا إلى أن انعقاد «أيام المروية العربية» ينسجم مع رؤية المنظمة في صون التراث وتعزيز حضوره في الوعي الحديث.
ووصف المشروع بأنه خطوة محورية في إعادة بناء المروية العربية على أسس نقدية تتصل بتاريخ الأمة الفكري والعلمي، وتُفعّل العلاقة بين الإبداع واللغة والهوية ومسارات التحديث.
'ثلاث نسخ.. ومسار واحد نحو ترميم السردية العربية'
تأتي هذه النسخة امتدادًا للنسخة الأولى من «المروية العربية» (2023م) التي ركزت على نقد المروية الكلاسيكية ورحلة انتقال العلوم من العرب وإليهم، ثم النسخة الثانية (2024م) التي أعادت قراءة ثقافة الصحراء بوصفها الذاكرة الأولى التي تشكّلت فيها اللغة والخيال والقيم.
أما النسخة الثالثة، فتمضي خطوة أخرى في ترميم المروية العربية وتعزيز حضورها في الوعي المعاصر، عبر بناء جسر بين التراث والبحث العلمي والفنون، وإعادة تأكيد موقع الثقافة العربية في المشهد الحضاري العالمي.
'المروية كنافذة لإعادة تعريف الذات'
بهذا الأفق، تبدو «أيام المروية العربية» أكثر من فعالية فكرية؛ إنها مشروع لإعادة قراءة الذات العربية في مرايا تاريخها وفنونها ولغتها، وبناء مروية جديدة تمنح الإنسان العربي القدرة على استعادة حضوره وصوته في مسيرة الحضارة.










































