اخبار السعودية
موقع كل يوم -ار تي عربي
نشر بتاريخ: ١٤ أيار ٢٠٢٥
يركز الرئيس ترامب الاستراتيجية الكبرى للولايات المتحدة حول الممرات المائية الخمسة الكبرى ونقاط الاختناق البحرية في العالم. آرثر هيرمان – ناشيونال إنترس
تسلّط حملة الرئيس ترامب لإنهاء هجمات الحوثيين على الملاحة في البحر الأحمر الضوء على قضيةٍ ينبغي على كل استراتيجي أمريكي كبير التركيز عليها، داخل الإدارة وخارجها: فأيّ قوة عظمى ستسيطر في نهاية المطاف على نقاط الاختناق الاستراتيجية الرئيسية للتجارة البحرية العالمية، الولايات المتحدة أم الصين؟
لقد سُلّط الضوء على هذه القضية قبل أسبوع عندما بدأ الرئيس ترامب بالضغط من أجل منح السفن الأمريكية حرية الوصول إلى قناة السويس وقناة بنما، وهي خطوة أثارت غضب النقاد المعتادين الذين سارعوا إلى اتهامه بالغطرسة والتجاوز، ناهيك عن الجهل التاريخي؛ إذ لم تلعب الولايات المتحدة، على عكس قناة بنما، أي دور في بناء قناة السويس أو امتلاكها.
وعلى العكس من ذلك، أود أن أزعم أن مسعى ترامب في قناة السويس يكشف عن فهمٍ دقيقٍ للتخطيط الاستراتيجي الكبير. ويجب أن تُتاح للولايات المتحدة إمكانية الوصول بسهولة إلى كل نقاط الاختناق البحرية لسفنها التجارية بحرية لحماية التجارة الأمريكية وللبقاء في صدارة المنافسة العالمية مع الصين.
في الواقع، يذكرنا تفكير ترامب بقائمة اللورد البحري البريطاني الأول جون 'جاكي' فيشر التي تضم 'خمسة مفاتيح استراتيجية'، والتي حصل عليها هو والبحرية الملكية البريطانية في السنوات التي سبقت الحرب العالمية الأولى، من مضيق دوفر وجبل طارق إلى قناة السويس وسنغافورة ورأس الرجاء الصالح.
واليوم، قد تكون بعض مفاتيح فيشر (مثل دوفر وجبل طارق) أقل قيمة من غيرها (مثل قناة السويس وسنغافورة). ومع ذلك، لا يزال التفكير الاستراتيجي حول من يتحكم في الوصول إلى أهم ممرات الشحن في العالم أمراً بالغ الأهمية؛ خاصة وأن منظمة الأمم المتحدة للتجارة والتنمية (الأونكتاد) قد قدرت الشهر الماضي أن التجارة البحرية تمثل 80% من حجم التجارة العالمية.
عندما يضع المرء قائمة حديثة بخمسة 'مفاتيح استراتيجية' للرئيس ترامب والولايات المتحدة، ينبغي أن يبدأ بقناة بنما. في الوقت الحالي، يدير هذا الممر العابر للمحيطات ما بين 5% و6% من تجارة الاستيراد والتصدير العالمية. أما بالنسبة للولايات المتحدة، فإن هذا الرقم يمثل 40% من حركة الحاويات. وفي الوقت نفسه، أدت خطة توسعة القناة لعام 2016 إلى إنشاء قناة بنما حديثة وجديدة كلياً إلى جانب القناة الأصلية، مما ضاعف سعة القناة.
هذا يعني أن أهمية القناة للولايات المتحدة وجيرانها في أمريكا اللاتينية، فيما يتعلق بسلاسل التوريد ونقل البضائع السائبة، ستزداد بلا شك. وبما أنه في حال نشوب أي صراع أو اضطراب، ستكون قواتنا المسلحة، وخاصة البحرية، هي التي ستتدخل، فهذا يزيد من أهمية حرية الوصول، مع استبعاد المصالح الصينية، كهدف استراتيجي حيوي للولايات المتحدة.
أما المفتاح الثاني فهو قناة السويس، حيث تتركز 12% من التجارة العالمية و30% من حركة الحاويات. ومن بين مستخدميها المتكررين البحرية الأمريكية، إذ تمر بها سنوياً ما يقرب من 35 إلى 45 سفينة، بما في ذلك حاملات الطائرات. وتقع القناة في قلب منطقة الشرق الأوسط المضطربة، حيث تعتمد قدرة البحرية على دعم حلفاء مثل إسرائيل وإجراء عمليات في البحر الأبيض المتوسط والبحر الأحمر اعتماداً كبيراً على الوصول غير المقيد إلى قناة السويس.
ومن ناحية أخرى، لا جدوى من حرية الوصول إلى قناة السويس في ظل وجود اضطرابات في الطرف الآخر من الممر، حيث يربط مضيق باب المندب البحر الأحمر بخليج عدن. وقد تعلم العالم هذا الدرس بصعوبة بالغة مع هجمات الحوثيين الصاروخية، التي أجبرت حركة الملاحة البحرية على الدوران حول قارة أفريقيا بأكملها لتجاوزها. كما أن الممر يقع على مقربة شديدة من القاعدة البحرية الصينية في جيبوتي، وهي أكبر قاعدة لها خارج المياه الإقليمية الصينية.
في الحقيقة تتطلب المصالح الاستراتيجية الأمريكية وجوداً بحرياً منتظماً في هذه المنطقة، لحماية الوصول التجاري وموازنة نفوذ الصين المتزايد في الطرف الغربي من المحيط الهندي، وكذلك نفوذ إيران. ولدى أمريكا حلفاء مثل إسرائيل والمملكة العربية السعودية وكذلك الهند يمكنهم المساعدة في الحفاظ على هذا الممر المائي الحيوي حراً وخالياً. ولكن بدون القيادة الأمريكية، سيكون القرن الأفريقي في خطر أن يصبح بحيرة صينية.
وتُعدّ الصين، ذات الثقل الاستراتيجي في المفتاح الاستراتيجي الرابع، وهو مضيق ملقا الذي يربط بحر الصين الجنوبي بالمحيط الهندي. ويعبر من هذا الممر المائي الدولي ما يقدر بنحو ثلث الشحن العالمي، وخاصة شحنات النفط والغاز الطبيعي المسال إلى آسيا. كما أنه أمر بالغ الأهمية للصحة الاقتصادية لكل من الصين واليابان، اللتين تعتمدان عليه في جزء كبير من تجارتهما.
لقد تجاهلت إدارتا أوباما وبايدن إلى حد كبير أهمية المضيق وتنازلتا تقريباً عن السيطرة على بحر الصين الجنوبي للصين. وهذا عكس الاستراتيجية العالمية التي ينتهجها ترامب والتي يمكن أن تستخدم السيطرة على الوصول إلى المضيق لاستعادة التوازن الاستراتيجي في بحر الصين الجنوبي ومنع النزاعات مثل النزاع بين الصين والفلبين من تهديد التجارة أو إشعال فتيل الصراع المسلح.
يمتد الممر الشمالي الغربي من جزيرة بافن إلى بحر بوفورت، وهو المفتاح الاستراتيجي الخامس والأحدث، وذلك بفضل تغير المناخ. ويبلغ طول الممر 900 ميل، وهو أيضاً الأطول (مقارنة بـ 120 ميلاً لقناة السويس). ومع وجود ما لا يقل عن 7 طرق مرور مختلفة، والتي قد يستغرق عبورها من 3 إلى 6 أسابيع، فإن استخدام الممر الشمالي الغربي لا يكون منطقياً للبضائع الحساسة للوقت، كما أنه ليس خالياً تماماً من الجليد.
ومع ذلك، فإن أهميته الاقتصادية تفوق موقعه الجيوسياسي الحيوي. ومع تنافس الصين وروسيا وحليفين في الناتو، كندا والولايات المتحدة، على الميزة على طول شواطئه، بما في ذلك تركيب أنظمة دفاع صاروخي باليستي، فإن الأهمية الاستراتيجية للممر الشمالي الغربي تتطلب وجوداً بحرياً وعسكرياً أمريكياً قوياً. وهذا سبب آخر يجعل الاستحواذ على غرينلاند أولوية لفريق ترامب.
بالطبع لم تعد البحرية الأمريكية هي البحرية الملكية القديمة التي ليس لديها إمبراطورية إقليمية للدفاع عنها ولم تعد تعمل كشرطي العالم. ولكن تجاهل الأهمية الاستراتيجية لهذه الممرات أو التنازل عن السيطرة عليها لصالح خصوم محتملين مثل الصين وروسيا من شأنه أن يعرض المصالح الأمريكية للخطر وكذلك مستقبل الاقتصاد العالمي.
لقد مضى على وفاة الأدميرال جاكي فيشر أكثر من قرن. لكن روحه وشبحه يستحقان مقعداً في اجتماع الأمن القومي القادم في البيت الأبيض.
المصدر: ناشيونال إنترست
المقالة تعبر فقط عن رأي الصحيفة أو الكاتب