اخبار السعودية
موقع كل يوم -جريدة الرياض
نشر بتاريخ: ٧ تشرين الأول ٢٠٢٥
الرياض - نورة الحربي
في خضمِّ التحوّل الثقافي الذي تشهده المملكة العربية السعودية ضمن رؤية 2030، بات دور النشر عاملًا محوريًا في ترسيخ الوعي المعرفي، ودعم الإبداع، ونشر الأدب والفكر بين أوساط الجمهور، ومن هذا المنطلق بادرت وزارة الثقافة من خلال هيئاتها المعنية، بإطلاق كيانات نشرية ذات صبغة وطنية لتكون جسرًا يربط بين المبدع السعودي والقارئ، وتعزيز حضور الثقافة السعودية داخل المملكة وخارجها ومن بين تلك الكيانات الناشئة تأتي دار ناشر، التي عُدّت أول دار نشر تتبع هيئة الأدب والنشر والترجمة، لتقوم بدور تكاملي يُكمّل دور «دور النشر» المحلية بدلًا من منافستها، ويهدف إلى نشر الكتب النوعية ودعم المبدعين السعوديين.
ومنذ انطلاقتها حرصت دار ناشر على أن تكون منصّة تُجسّد تطلعات وزارة الثقافة في بناء صناعة نشر سعودية رائدة، تُعنى بتوثيق المشهد الثقافي المحلي وتقديمه بأسلوب معاصر يجذب القرّاء من مختلف الفئات، اتخذت الدار نهجًا نوعيًّا في اختيار عناوينها ومشروعاتها، لتقدّم إصدارات ذات قيمة فكرية وجمالية عالية تسهم في تعزيز الهوية الوطنية، وتُبرز التنوع الثقافي الغني الذي تزخر به مناطق المملكة.
وقد أطلقت الدار سلسلة مميزة من الكتب التي تتناول مناطق المملكة العربية السعودية الست، حيث يُخصَّص كل كتاب للتعريف بمنطقة محددة من جوانبها الجغرافية والتاريخية والثقافية والتراثية، وقد ركّزت هذه السلسلة على إبراز ملامح كل منطقة بما تحمله من إرث إنساني ومعماري وفني، فضلًا عن تسليط الضوء على الفعاليات والمهرجانات الثقافية التي تشهدها تلك المناطق على مدار العام، مما يجعل السلسلة بمثابة مرجعٍ بصري ومعرفي يوثق جمال وتنوّع المشهد السعودي.
ويتناول أحد الكتب منطقة العُلا بما فيها من مواقع أثرية ساحرة وفعاليات عالمية مثل “شتاء طنطورة”، بينما يركّز آخر على المنطقة الشرقية وما تزخر به من بيئة بحرية وثقافة غوص وصيد لؤلؤ، إلى جانب المهرجانات التراثية مثل “مهرجان الساحل الشرقي”، أما منطقة عسير فقد خُصص لها كتاب يعرض طبيعتها الجبلية الفريدة وفعالياتها الموسمية ضمن “صيف السعودية”، في حين تُسلّط بقية الكتب الضوء على الرياض، مكة المكرمة، والمدينة المنورة بمزيجٍ من التراث والتطور الحضري المتسارع.
وفي إطار جهودها لتوسيع نطاق المحتوى الثقافي، أصدرت دار ناشر عددًا من الكتب المتميزة التي تمثل تجارب نوعية في النشر الثقافي والأدبي، من أبرزها كتاب “المحاورة الشعرية” الذي يوثّق هذا الفن الشعبي الأصيل ويستعرض تاريخه العريق في الموروث السعودي، باعتباره أحد أشكال التفاعل الشعري التي تجمع بين الإبداع والارتجال والذكاء اللغوي، فضلاً عن دوره في تعزيز التواصل الاجتماعي والفني بين الشعراء والجمهور، ويُعد الكتاب مرجعًا مهمًّا يقدّم دراسة تحليلية للمحاورة بوصفها فنًّا أدبيًا قائمًا على الارتجال والتحدي والذائقة الشعرية الرفيعة.
كما أصدرت الدار كتاب “المملكة الزرقاء”، وهو عمل أدبي بصري يأخذ القارئ في رحلة إلى أعماق البحر الأحمر والخليج العربي، موثقًا جمال الحياة البحرية السعودية وتاريخ الغوص وصيد اللؤلؤ، ومسجّلًا ارتباط الإنسان السعودي بالبحر منذ القدم، ويعكس هذا الكتاب البعد البيئي والثقافي للمملكة، ويُبرز جهودها في الحفاظ على التنوع الطبيعي والبحري بوصفه جزءًا من الهوية الوطنية.
ومن بين الإصدارات اللافتة أيضًا كتاب “شْداد”، الذي يجمع بين السرد القصصي والتوثيق التاريخي في تناول شخصية تراثية تمثّل القوة والشجاعة في الذاكرة الشعبية، يقدّم الكتاب رؤية فنية حديثة لإعادة قراءة الموروث الشعبي بطريقة تستحضر الأصالة وتواكب الحاضر، ليكون بذلك مثالًا على كيف يمكن للأدب أن يُعيد تشكيل الرموز الشعبية ويمنحها حياة جديدة في الوعي المعاصر.
بهذه الإصدارات وغيرها أثبتت دار ناشر قدرتها على الجمع بين الأصالة والمعاصرة، وعلى تقديم محتوى يُخاطب القارئ السعودي والعربي بلغته وثقافته مع الالتزام بأعلى معايير الجودة في التحرير والإخراج الفني، كما تسعى الدار إلى فتح آفاق جديدة للنشر عبر التعاون مع الكتّاب الشباب والمبدعين في مختلف المجالات الأدبية والفكرية، بما يعزز المشهد الثقافي الوطني ويدعم الحراك المعرفي المتنامي في المملكة.
وفي السنوات الأخيرة تسارعت جهود المملكة الثقافية ومثلت دار ناشر نموذجًا رائدًا في مسيرة النشر السعودي الحديث، فهي لا تكتفي بإصدار الكتب بل تساهم في صناعة الوعي الثقافي وإبراز الهوية السعودية المتجددة، بما يتماشى مع أهداف رؤية المملكة 2030 التي جعلت الثقافة إحدى ركائز التنمية الوطنية، ومن خلال مشروعاتها المتنوعة وسلسلتها الثرية، تؤكد الدار أن النشر ليس مجرد طباعة، بل رسالة تحمل فكرًا وإبداعًا وذاكرة وطن.