نتفليكس تقر باستخدام الذكاء الاصطناعي في أحد مسلسلاتها

محمد الأحمري – أحمد الأحمري – مشاعل  الأحمري – ليان العمري

تُعد السياحة الداخلية أحد الركائز الأساسية لرؤية المملكة 2030، لما لها من دورٍ محوري في تنشيط الاقتصاد الوطني وتعزيز الهوية الثقافية وإبراز ثراء المملكة الطبيعي والتراثي. وقد أصبح هذا القطاع الواعد مصدرًا مهمًا لتنويع الدخل، وخلق فرص العمل، وتنمية المجتمعات المحلية.

وفي هذا الإطار، تبرز قرية “آل ينفع” الواقعة جنوب غرب مدينة أبها –وتحديدًا في مركز تمنية بمنطقة عسير– كإحدى الوجهات السياحية ذات المقومات الفريدة، والمكانة التاريخية البارزة. تبعد القرية نحو 40 كيلومترًا عن مدينة أبها، وتُعد من أعرق قرى بني مالك شهران، وأكثرها تميزًا من حيث الإرث الحضاري والبيئي.

موقع جغرافي فريد وطبيعة مميزة

تقع القرية على جبل من الحجر الرملي الأحمر، وهو ما منحها طابعًا عمرانيًا فريدًا، حيث بُنيت منازلها القديمة على سفوح الجبل المطلّة على المزارع، في تناغم بين الإنسان والطبيعة. يتميز هذا النوع من الصخور بمساماته التي تسمح بمرور المياه، مما سهّل على السكان حفر الآبار وسط الصخور منذ القدم.

يبلغ ارتفاع القرية عن سطح البحر نحو 2600 متر، ويمنحها هذا الموقع مناخًا باردًا شتاءً ومعتدلًا صيفًا، حيث لا تتجاوز درجات الحرارة 30 درجة مئوية. كما تتأثر القرية بالرياح الموسمية الجنوبية الغربية المحمّلة بالأمطار، ما يجعلها وجهة سياحية مناسبة على مدار العام.

كنوز تاريخية تنبض بالحياة

تتميّز قرية آل ينفع بثراءٍ تاريخي لافت، حيث تزخر بمعالم أثرية وتراثية تُجسّد عمقها الحضاري وتنوعها الثقافي. من أبرز هذه المعالم، المسجد القديم الذي يُعد من أقدم المساجد في المنطقة، ويقف شاهدًا على حقبة زمنية عريقة.

وتنتشر في أرجاء القرية سبعة آبار قديمة، حُفرت بدقة في الصخور الرملية، ويتراوح عمقها ما بين 18 إلى 25 مترًا، وكانت تمثل مصدرًا حيويًا للمياه. كما تحتوي الصخور الجبلية على أكثر من 50 مدفنًا للحبوب، استُخدمت قديمًا لتخزين المحاصيل، ما يدل على التنظيم الزراعي والمعيشي للسكان آنذاك.

وتشكّل ساحة “الحوية” القلب النابض للقرية، حيث كانت مركزًا للتجمعات والمناسبات الاجتماعية، فيما كانت الطرق التجارية القديمة تمر عبرها، أبرزها عقبة القرون التي حظيت باهتمام الملك سعود بن عبدالعزيز –رحمه الله– عام 1373هـ، وعقبة الريل التي ربطت الشعف بأسواق تهامة مثل صبيا وبيش.

كما يبرز سوق “اثنين بن حموض” الذي أُنشئ عام 1322هـ، كمَعلم اقتصادي واجتماعي مهم، إضافةً إلى الطابع العمراني التقليدي الذي يظهر في مباني “القِصيب” المبنية بأساليب تراثية فريدة، ما يمنح القرية طابعًا معماريًا استثنائيًا.

ومن المعالم اللافتة أيضًا، الطريق المائي المحفور في الصخر بطول 160 مترًا، والذي كان يربط بئر “رقادة” بالمزارع، ويعكس مهارة السكان في تسخير الطبيعة لخدمة احتياجاتهم الزراعية. وتحتضن المزارع الشمالية المعروفة باسم “السر” أكثر من 90 بئرًا زراعيًا، ما يؤكد أهمية الزراعة في حياة أهل القرية.

وتتخلل القرية 26 ممرًا حجريًا قديمًا تُعرف محليًا بـ”الشداخات”، وهي ممرات ضيقة تمر أسفل المباني، وتربط أجزاء القرية القديمة ببعضها، ما يسهل الحركة والتنقل بين البيوت والمزارع. ووفقًا لمكتب البيئة الهندسي، تضم القرية 235 مبنًى تراثيًا قديمًا، لا تزال صامدة وتُشكّل مَعالم بارزة في ذاكرة المكان.

وجهة استثمارية واعدة بمقومات متكاملة

تتمتع قرية آل ينفع بمقومات استثمارية قوية تجعل منها وجهة سياحية واعدة في منطقة عسير. ويأتي موقعها الاستراتيجي في مقدمة هذه المميزات، إذ تقع على مقربة من مدينة أبها، وتحديدًا على مسافة 40 كيلومترًا تقريبًا، كما أنها قريبة من مطار أبها الدولي، ما يُسهل الوصول إليها من مختلف مناطق المملكة.

وتحظى القرية بإقبالٍ متزايد من الزوّار، بفضل طبيعتها الجبلية الخلابة، ومكانتها التاريخية، وهدوئها الذي يبعث على الراحة والتأمل. هذا الزخم السياحي يفتح الباب أمام فرص استثمارية متنوعة، من أبرزها إنشاء نُزل ريفية تُراعي الطابع المعماري المحلي، وإقامة مطاعم ومقاهٍ تراثية تعكس الموروث الثقافي، بالإضافة إلى إمكانية إنشاء متحف يعرض تاريخ القرية وآثارها.

كما يمكن دعم الأسر المنتجة لتقديم منتجاتها الحرفية والغذائية للزوّار، إلى جانب تطوير المنتجات الزراعية المحلية ذات الجودة العالية. وتُعد المنطقة مؤهلة لاحتضان منتجعات سياحية صغيرة تتناغم مع البيئة، مع إمكانية إحياء الأنشطة والمحلات القديمة لتكون جزءًا من تجربة الزائر.

وتتوافق هذه الجهود مع التوجه الاستراتيجي لمنطقة عسير، التي تتميّز بأصالتها وطبيعتها وهوّيتها الثقافية، حيث تسعى الخطط التنموية إلى الحفاظ على هذه العناصر وتقديمها بشكل يعزز من الجذب السياحي. وتمثل قرية آل ينفع خيارًا مثاليًا لتحويلها إلى مركز ثقافي وتاريخي يمكنه استقبال الوفود الرسمية، وتنظيم الندوات الثقافية، والأمسيات الشعرية، والفعاليات التراثية، بما يعكس الوجه الحضاري المتجدد للمنطقة.

اهتمام رسمي يعكس قيمة المكان

حظيت قرية آل ينفع باهتمام كبير من القيادة الرشيدة، ممثلة بخادم الحرمين الشريفين، وسمو ولي عهده الأمين، وسمو أمير منطقة عسير، في إطار الجهود الوطنية للحفاظ على القرى التراثية، وإبرازها كنماذج حية تجسد تاريخ المملكة وثراءها الحضاري والثقافي.