اخبار السعودية
موقع كل يوم -الخليج أونلاين
نشر بتاريخ: ٢١ تموز ٢٠٢٥
يوسف حمود - الخليج أونلاين
الصفقة الأخيرة تعكس حجم الرهان السعودي على الطاقة المتجددة كمسار موازٍ لعصر ما بعد النفط
في خطوة تعكس تحولاً استراتيجياً بتموضع السعودية داخل أسواق الطاقة العالمية أطلقت المملكة، في يوليو 2025، واحدة من أضخم صفقاتها في قطاع الطاقة النظيفة، بقيمة 8.3 مليارات دولار، والتي تأتي في وقت تتسارع فيه التحولات المناخية، ويشتد فيه الضغط العالمي على الحكومات لتقليص الانبعاثات والتحوّل نحو مصادر مستدامة للطاقة.
ولم تعد السعودية تكتفي بأداء دور المصدّر التقليدي للنفط، بل بدأت تُعيد صياغة هويتها الاقتصادية في ضوء معطيات القرن الـ21، فبينما تبقى المملكة لاعباً رئيسياً في أسواق النفط، تسعى في الوقت ذاته إلى قيادة تحوّل خليجي نحو الطاقات المتجددة، عبر صفقات ضخمة، وشراكات حكومية–خاصة، وبرامج تمويل مدروسة تدعم الابتكار والتوطين الصناعي.
ولعل هذه الصفقة تحديداً تعكس حجم الرهان السعودي على الطاقة المتجددة، أو ما يعرف بـ'النفط الأخضر'، كمسار موازٍ لعصر ما بعد النفط، كما تشير إلى دخول المملكة في مرحلة التنفيذ الفعلي لرؤية 2030، لا سيما في قطاع الطاقة النظيفة، بوصفه قطاعاً استراتيجياً للتنمية والاستثمار والتأثير الجيوسياسي.
صفقة كبيرة
منتصف يوليو 2025، أعلنت السعودية توقيع اتفاقيات بقيمة 31 مليار ريال سعودي (نحو 8.3 مليارات دولار) لتطوير 7 مشاريع جديدة للطاقة المتجددة بقدرة إنتاجية تبلغ 15 ألف ميغاواط، تتنوع بين 5 مواقع للطاقة الشمسية في بيشة وحميج وخُليص وعفيف، ومشروعين لطاقة الرياح في ستارة وشقرا، بما يغطي مناطق مختلفة من المملكة.
ومن المتوقع أن تسهم هذه المشاريع في دعم الاستقرار الكهربائي في البلاد، وتوفير فرص عمل مباشرة وغير مباشرة، إضافة إلى تقليل الاعتماد على مصادر الطاقة التقليدية.
وتتولى تنفيذ هذه المشاريع مجموعة من الكيانات الوطنية الرائدة، على رأسها شركة 'أكوا باور'، بالشراكة مع شركة 'بديل' التابعة لصندوق الاستثمارات العامة، وشركة 'SAPCO' التابعة لـ'أرامكو'، حيث تُعد أكبر صفقة تُبرمها المملكة في مجال الطاقة المتجددة من حيث السعة الإنتاجية المتعاقد عليها دفعة واحدة.
وفقاً للبيانات الرسمية، ستُسند مهام شراء الطاقة الناتجة عن هذه المشاريع إلى الشركة السعودية لشراء الطاقة (SPPC)، المشغّلة للبرنامج الوطني للطاقة المتجددة، على أن يبدأ التشغيل الفعلي للمشاريع بين عامي 2027 و2028، عقب إغلاقها المالي المتوقع خلال الربع الثالث من العام الجاري.
ومن المرجح أن تمثل هذه المشاريع قاعدة جديدة لتطوير شبكات ذكية للطاقة في المملكة، تمهيداً لدمج مصادر متجددة على نطاق أوسع في البنية التحتية الوطنية.
تحركات جادة
ومن اللافت أن إعلان هذه الصفقة جاء في وقت تشهد فيه أسواق الطاقة التقليدية تقلبات متزايدة، ما يضيف إلى الخطوة السعودية بعداً استباقياً في ميدان الاقتصاد الأخضر.
وهذا التنوع المؤسسي في تنفيذ المشاريع يعد مؤشراً على رغبة السعودية في توسيع مشاركة القطاع الخاص وتحقيق تكامل بين رؤوس الأموال الحكومية والخبرة التشغيلية للشركات المحلية.
ولا تأتي هذه الخطوة بمعزل عن تحركات سعودية سابقة، ففي عام 2021 أطلقت المملكة مشروع محطة 'سكاكا' للطاقة الشمسية، كأول مشروع متكامل للطاقة المتجددة ضمن رؤية 2030، تلاه عدد من المشاريع الصغيرة والمتوسطة في مناطق متفرقة، مثل دومة الجندل لطاقة الرياح، الذي يُعد الأكبر في المنطقة من حيث الإنتاجية.
كما أعلنت المملكة، في السنوات الماضية، خطة للوصول إلى إنتاج 50% من الكهرباء عبر مصادر متجددة بحلول 2030، ما يجعل من صفقة يوليو امتداداً عملياً لتلك الأهداف.
ووفق تقرير نشره موقع 'أويل برايس' الأمريكي المتخصص (17 يوليو 2025)، فإن السعودية تشهد طفرة غير مسبوقة في مشاريع الطاقة المتجددة، بالتوازي مع الحفاظ على موقعها الريادي في سوق النفط العالمي.
وبعد أيام من الصفقة العملاقة، وقعتشركة 'أكوا باور'، الأحد (20 يوليو)، عدداً من الاتفاقيات ومذكرات التفاهم مع شركات أوروبية ودولية، لتطوير منظومة متكاملة لتصدير الكهرباء من مصادر متجددة والهيدروجين الأخضر من المملكة إلى أوروبا، ضمن مشروع الممر الاقتصادي بين الهند والشرق الأوسط وأوروبا (IMEC).
وتهدف هذه المشاريع إلى ترسيخ موقع المملكة كمزوّد موثوق للطاقة النظيفة عالمياً، وتعزيز الربط اللوجستي مع أوروبا، انسجاماً مع رؤية السعودية 2030، عبر استثمار موقعها الجغرافي في قلب الممرات الاقتصادية الجديدة بين الشرق والغرب.
منافسة إقليمية
على الصعيد الإقليمي تسعى السعودية إلى مجاراة مبادرات مماثلة في الإمارات التي قطعت شوطاً كبيراً في تطوير مجمع محمد بن راشد للطاقة الشمسية، وفي سلطنة عُمان التي أطلقت في عام 2022 مشروعاً لطاقة الهيدروجين الأخضر.
كما تدخل بمثل هذه الصفقات في شراكات مع شركات أمريكية وأوروبية في مجال تصنيع مكونات الطاقة المتجددة وتطوير الكفاءات، تُسهم في نقل المعرفة وتعزيز حضور السعودية كمحور إقليمي للطاقة البديلة.
وتمثل هذه المشاريع جزءاً من الرؤية السعودية الأشمل (2030)، التي أعلنها ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، بهدف إعادة هيكلة الاقتصاد الوطني، وتقليص الاعتماد على النفط، وتعزيز الاستثمار في قطاعات ذات طابع استراتيجي، مثل التكنولوجيا والطاقة واللوجستيات.
وتقوم الرؤية على مبدأ تنويع مصادر الدخل وتحقيق الاستدامة الاقتصادية، بما ينسجم مع التزامات السعودية الدولية بشأن المناخ والطاقة.
إعلان نوايا استراتيجي
يقول الباحث المختص في شؤون الطاقة حمدي ثابت: إن هذه الصفقة 'ليست مجرد استثمار مالي ضخم، بل تمثل إعلان نوايا استراتيجي يكشف كيف ترى السعودية موقعها المستقبلي في سوق الطاقة العالمي'.
ويضيف قائلاً لـ'الخليج أونلاين':
الاستراتيجية السعودية
تستند الاستراتيجية السعودية في قطاع الطاقة النظيفة إلى ثلاثة محاور رئيسية:
أولاً، توسيع القدرات الإنتاجية للطاقة المتجددة من خلال استغلال المساحات الصحراوية وتوفر الإشعاع الشمسي والرياح، ما يمنح المملكة ميزة جغرافية تنافسية.
ثانياً، توطين الصناعة المرتبطة بهذه المشاريع بما يشمل تصنيع الألواح والتوربينات وتطوير سلاسل الإمداد، وهو ما يتيح خلق وظائف وتعزيز المحتوى المحلي.
ثالثاً، بناء شراكات دولية معززة للتمويل والتقنية، خصوصاً مع شركات أمريكية وآسيوية ذات خبرة في هذا المجال، ما يُسهم في تقليص الفجوة التكنولوجية وتسريع وتيرة التنفيذ.