اخبار السعودية
موقع كل يوم -جريدة الرياض
نشر بتاريخ: ٣٠ تموز ٢٠٢٥
م. هاني الغفيلي
يقف الإعلام السعودي على أعتاب مستقبل مشرق لا يرضى بالبقاء على الهامش، إذ لم يعد الإعلام مجرد وسيط ناقل للأخبار، بل أصبح أداة استراتيجية ترسم صورة الوطن وتعبّر عن رؤيته، فاليوم، ومع التوجهات القيادية الداعمة، والبنية الرقمية المتقدمة، والكفاءات الوطنية المتألقة، والتشريعات الحديثة، تتشكل منظومة إعلامية سعودية جديدة تحمل ملامح المستقبل.
لقد أدركت القيادة السعودية مبكرًا أهمية الإعلام في دعم التنمية الوطنية وتعزيز مكانة المملكة عالميًا، فكانت ضمن مستهدفات رؤية 2030، التي جعلت من الإعلام صناعة واعدة، تتقاطع مع التقنية، وتقوم على الابتكار، وتتوسع في المحتوى المحلي والمنافسة الدولية.
هذا الدعم كان حاسمًا، إذ قاد إلى تعزيز مكانة وزارة الإعلام وتطوير وكالة الأنباء السعودية وتأسيس بنية تنظيمية متقدمة مثل الهيئة العامة لتنظيم الإعلام، ومركز التواصل الحكومي، وغيرها من الأذرع التي تنظم وتنهض بالإعلام السعودي.
ومن أبرز مؤشرات التحول، البنية الرقمية المتقدمة التي تمكّن الإعلام من التفاعل اللحظي مع الجمهور، وتحليل توجهاته، وصناعة المحتوى بناءً على البيانات، فالسعودية اليوم تتصدر دول الشرق الأوسط في سرعة الإنترنت على الهواتف المحمولة، بحسب تقرير “Speedtest” العالمي لعام 2024، كما تحتل المركز الثاني عالميًا في جاهزية البنية التحتية للجيل الخامس (5G).
أما على صعيد الكوادر، فإن الإعلام السعودي يزخر بكفاءات مؤهلة، تدمج بين الخبرة الإعلامية والمهارة الرقمية، وقد أظهرت دراسة حديثة لوزارة الإعلام أن 72 % من العاملين في القطاع الإعلامي من السعوديين، وأن 65 % منهم يمتلكون مهارات تقنية في الإنتاج الرقمي والتحرير الآلي، كما أسهمت برامج مثل “صُنّاع المحتوى”، وأخرى لتأهيل الإعلاميين في إنتاج جيل جديد متعددي المهارات، يجيدون التعامل مع الذكاء الاصطناعي، وفهم التحليل الرقمي، وإدارة المحتوى التفاعلي.
ولا يمكن تجاهل الضوابط التشريعية التي تسهم في حماية المهنية وتعزيز الثقة، فالتحولات الإعلامية لا يمكن أن تكتمل دون حوكمة، تضمن حرية التعبير مع الالتزام بالمعايير المهنية، وتحفز على الإبداع مع احترام الخصوصية. وقد أطلقت وزارة الإعلام العديد من اللوائح والسياسات والتشريعات التي تنظم النشر الرقمي، وتحدد المسؤوليات، وتهدف إلى ضمان الشفافية، وتطوير الأداء، ورفع كفاءة المخرجات الإعلامية.
ومما يعزز تفاؤل المستقبل الإعلامي في السعودية، هو الأرقام المتزايدة في استثمارات الإعلام الرقمي، حيث ارتفع الإنفاق الإعلاني على المنصات الرقمية في المملكة إلى أكثر من 2.2 مليار ريال في 2024، وفق تقرير “Statista”، بنسبة نمو تتجاوز 17 % سنويًا. كما ارتفعت نسبة الاعتماد على الإعلام المحلي لدى الجمهور السعودي إلى 71 % وفق استطلاع أجرته هيئة الإذاعة والتلفزيون، وهو ما يعكس ثقة الجمهور بالإعلام الوطني وتفاعله معه.
وفي خضم الثورة الرقمية، يبرز الذكاء الاصطناعي كأحد أعمدة الإعلام الجديد. فاليوم تُستخدم أدوات الذكاء الاصطناعي في كتابة التقارير، وتحرير الفيديو، وترجمة المحتوى، بل وحتى التنبؤ بميول الجمهور. والسعودية كانت سباقة في تقنين هذا المجال من خلال “اللائحة التنظيمية لاستخدام الذكاء الاصطناعي في الإعلام”، التي تضمن أن تكون التقنية أداة تطوير لا تشويش، ووسيلة تمكين لا تحييد.
المستقبل إذًا ليس بعيدًا، بل يتشكل الآن في كل منصة ترفع اسم السعودية وتُعبّر عن هويتها، إنه إعلام يرتكز على التقنية، وينمو بالدعم، ويزدهر بالحوكمة، ويتميّز بشغف كوادره. إعلام لا يرضى بالتقليد، بل يكتب روايته الخاصة، وينافس عالميًا من منطلق محلي، ويثبت كل يوم أن السعودية ليست فقط مستهلكة للمحتوى، بل صانعة له، ومُصدّرة لرسالته، ومهندسة لواقعه ومستقبله.