اخبار السعودية
موقع كل يوم -جريدة الرياض
نشر بتاريخ: ٩ حزيران ٢٠٢٥
مها الوابل
في عام جديد وموسم جديد من مواسم الطهر، وعلى أرض زرعت فيها البركات والطاعات والخيرات، عادت المملكة العربية السعودية لتُجدد عهدها مع خدمة الحجيج، وتفتح قلبها وذراعيها لاستقبال ضيوف الرحمن في حج عام 1446هـ - 2025م، بذات الشغف والوفاء، وبروح تفيض بالحب والإيمان والمسؤولية تجاه ضيوف المملكة العربية السعودية والذين يتوافدون من 'كل فج عميق' عن طريق البر والبحر والجو.
منذ بدء برنامج الحج ولدى وصول الحجاج إلى أرض المملكة، تتجلى ملامح التنظيم المذهل، وتنساب المشاهد وكأنها سيمفونية من الدقة، يتناغم فيها البشر والتقنية، والجهود والمشاعر. فقد سخرت المملكة أحدث ما بلغه الإنسان من تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي، وأنظمة التفويج الذكية، لضمان انسيابية الحركة وتخفيف الزحام، مع الحفاظ على راحة الحاج وسلامته.
إن المشاهد المذهلة وأنت ترى الحشود تمضي إلى عرفات كأنها نسمة واحدة، وتبيت في مزدلفة في سكينةٍ وأمن، ثم تطوف بالبيت العتيق وقد حفت بالعناية من كل جانب. لا شيء يترك للصدفة، فهناك طواقم بشرية مدربة، وأطقم طبية متأهبة، وفرق أمنية لا تنام، وفنيون وإداريون ومتطوعون يعمل الجميع تحت مظلة واحدة، شعارها: 'خدمة الحاج شرف لنا'.
لقد جسدت المملكة هذا العام مثالاً يحتذى في التكامل المؤسسي، حيث تضافرت جهود أكثر من 30 جهة حكومية وخاصة لتقديم خدمات متكاملة، وتتنوع بين التنظيم الأمني، والتجهيزات الصحية، والخدمات اللوجستية، والرقابة الغذائية، والخدمات البلدية والتوجيه الديني، ضمن منظومة تنسج خيوطها بأيد خبيرة وإرادة صادقة.
ومن أبرز مظاهر التقدم هذا العام، اعتماد المملكة على أنظمة ذكية لتفويج الحجاج وتنظيم تنقلاتهم بين المشاعر المقدسة، مدعومة بالذكاء الاصطناعي وتقنيات الاستشعار، ما ساهم في تقليل الزحام وتعزيز السلاسة والانضباط في كل مراحل الحج.
كما شهدت قطارات المشاعر والمرافق الجديدة توسعًا في طاقتها التشغيلية، ما مكن الملايين من أداء مناسكهم براحة وأمان.
تميزت الاستعدادات الصحية والطبية بالجاهزية الكاملة من خلال تشغيل مستشفيات ميدانية، وتوفير آلاف الكوادر المتخصصة، إضافة إلى استخدام طائرات الدرون في مراقبة الكثافات والتعامل الاستباقي مع أي طارئ صحي، في مشهد يؤكد أن الحفاظ على حياة الحاج وسلامته أولوية لا تقبل التهاون.
أما روحانية المكان، فلم تكن يومًا بمعزل عن الجهد البشري. فقد هيأت المملكة بيئة إيمانية عالية الطمأنينة، مزودة بإرشاد ديني متعدد اللغات، وخدمات تسهّل على الحاج أداء المناسك وفق أحكام الشريعة.
وفي ظل رؤية المملكة 2030، التي جعلت من جودة الحياة وخدمة ضيوف الرحمن أولوية وطنية، بدا واضحًا مدى تطور البنية التحتية، من قطارات المشاعر السريعة، إلى التوسعات الضخمة في الحرم المكي، إلى مخيمات منى الحديثة المكيّفة التي جمعت بين الراحة وتسهيل ممارسة الطقوس الدينية، وكانت من أبرز شواهد هذا التوازن بين الروحانيات والمرافق العصرية.
تظل النفوس معلّقة بجمال هذا الوطن، وما بين هذا الجهد الدؤوب الذي لا يتوانى عن بذل الغالي والنفيس من أجل عبور كل حاج هذه الرحلة المباركة بأمنٍ وطمأنينة. وكأن الأرض والإنسان فيها يهتفوا بلسان الحال: 'مرحبًا بكم يا ضيوف الرحمن، في بلد جعل من خدمتكم رسالة خالدة'
إنها ملحمة إنسانية متجددة، وأي مجد هو ذاك الذي تنسجه المملكة عامًا بعد عام، حين تكتب من رمال عرفات وندى منى، أعظم فصول الكرم، والإتقان، والإيمان، ملحمة تثبت فيها المملكة أن خدمة الحجيج ليست مهمة إدارية فحسب، بل هي رسالة سامية تنبع من عمق الانتماء الإسلامي، وصدق الوفاء بالعهد، وبين منى وعرفات والمسجد الحرام ورمي الجمرات، ترتسم ملامح وطنٍ يفيض بالعطاء، ويكتب صفحات مشرقة من الرعاية والإنسانية.
حج 2025، لم تكن المملكة مجرد مضيف، بل كانت قلبًا نابضًا يحتضن العالم الإسلامي، بحفاوة لا تنضب، وبعطاء لا يجارى.