اخبار السعودية
موقع كل يوم -صحيفة البلاد
نشر بتاريخ: ٣ أيلول ٢٠٢٥
'لابد أنهما تكلما عنك. لم أسمع ما كانا يقولان لأنني لم أكن على مسمع. لم أسترق السمع ولم أسمع عرضاً. لا تترك كل من هبّ ودبّ يسخر منك. عندما رأياني أنصرف قالا:' إذا ذهب الحمار بأم عمرو، فلا رجعت ولا رجع الحمار'.
كانت الفقرة السابقة جزءاً من اختبار مقرر الترجمة في السنة الثانية لطلاب قسم اللغة الإنجليزية، الذين كانوا لن يجدوا أي صعوبة في الإجابة عليه إذا كان الطالب قد انتبه إلى المحاضرات الثرية والممتعة، التي كان يقدمها الأستاذ الدكتور علي بكر جاد. كانت محاضراته من الثراء إلى الدرجة، التي ما زلت فيها أحتفظ بالدفتر الجامعي الذي كنت أسجّل فيه تلك المحاضرات النادرة، وأعود إليه بين الفينة والأخرى بعد سنوات من التخرّج لعلاج مشكلات في الترجمة؛ مثل كيفية التفريق بين كتابة الضاد والظاء، أو القاف والغاء أو الثاء والذاء في الأسماء العربية عند محاولة كتابتها بالإنجليزية. أما ترجمة المعنى فحدّث ولا حرج. كان البروفيسور جاد يستخدم معجمه اللفظي الغني، الذي بناه خلال سنوات طويلة منذ دراسته في جامعة أكسفورد كأول سعودي تخرج منها، وحتى الآن مروراً بالمعاجم اللغوية والمصطلحات التي صكّها في كتبه إلى الدرجة، التي تكون فيها استطراداته أجمل من النص، الذي يناقش ترجمته مع الطلاب، خاصة وأن الثقافة الموسوعية الأفقية الشاملة والتخصصية العميقة التي يتمتع بها أستاذنا الكبير تساعده على الخوض فيها لغوياً- كيفما شاء.
يقول الأستاذ جاد: إن الإلمام والإحاطة بالفروق الدقيقة، أو الخفية بين الكلمات التي تبدو مترادفة أو متقاربة لا يكون إلا عن طريق القراءة الكثيرة المتمعّنة في الكتابة الجيدة المتنوّعة في مختلف الحقول، وهذا ينطبق كثيراً على الدكتور جاد الذي أدمن القراءة قبل عصر الإنترنت، ولم يجد تسلية إلا في القراءة.
كانت الدهشة تملأ طلابه وهم يستمعون إلى الدكتور جاد، وهو يتنقّل بين المصطلحات الفصيحة والعامية، بل وأيضاً المصطلحات الشعبية البدوية والنجدية، وكيف تختلف عن تلك المصطلحات الحجازية، على سبيل المثال لا الحصر، وما هو المرادف اللغوي المناسب لكل مصطلح.
والدكتور جاد يحاول أحياناً الغوص في أعماق اللغة وتجريب فضاءات جديدة للكلمة وإيحاءاتها المتعددة ومن ذلك محاولته في تطوير معجم موجز لترجمة قائمة طويلة من المصطلحات الشعبية والمفردات العامية المحلية المنتشرة في المدينة المنورة. لدى أستاذنا القدير شغف حقيقي ومعلومات تاريخية مهمة حول تاريخ المدينة المنورة- على ساكنها أفضل الصلاة والسلام- وتاريخ رجالاتها، منذ الحرب العالمية الأولى ومروراً بحروب العثمانيين والأشراف والحرب العالمية الثانية، ثم بعد توحيد المملكة على يد الملك عبد العزيز- طيب الله ثراه- حيث شهدت طيبة الطيبة الرخاء والطمأنينة والازدهار. أصبح الأستاذ جاد مرجعاً للكثير ممن يسأل عن الأماكن التاريخية، أو الأسماء الشهيرة أو العائلات في المدينة المنورة. يقول: إنه ما زال مدنياً عتيقاً يعرف الكثير عن شوارع المدينة وأزقتها؛ ابتداء من الحرم النبوي وحتى مبنى سكة الحديد الذي اشتغل فيه ردحاً من الزمن.
khaledalawadh @