الجملة "الاسمية والفعلية" بالقرآن.. إعجاز إلهي وبلاغة تعبير لفهمه وتدبّر معانيه

في حلقة 'سبق' الرمضانية العاشرة مع دكتور البلاغة والأدب 'زيد الخريصي'

تُعد الجملة الاسمية والفعلية من لطائف وبلاغة النظم القرآني التي تُسهم في فهم دلالة نصه وإيضاح الفروقات بدلالات ألفاظه وتركيبه؛ لذا جاء الإعجاز الإلهي في كتابه الكريم مستعملًا بنيةَ الكلمة استعمالًا في غاية الدقة والجمال.

'سبق'، وفي الحلقة الرمضانية 'العاشرة' من 'قبسات بلاغية'، خصّصت الحديث عن بعض من بلاغة التعبير في الجملة الاسمية والفعلية بالقرآن الكريم، وتستضيف فيها وبشكلٍ يوميٍ طوال شهر رمضان المبارك، دكتور البلاغة والأدب 'زيد بن فرج الخريصي'.

وقال: تنقسم الجملة في العربية إلى ثلاثة أقسام: جملة اسمية؛ وهي التي صدرُها اسم كقولنا: 'زيد قائم'، وجملة فعلية؛ وهي التي صدرها فعل كقولنا: 'قام زيد'، وجملة ظرفية؛ وهي التي صدرُها ظرف أو جارٌّ ومجرور كقولنا: 'أعندك زيد؟'، و'أفي الدار زيد؟'، وحديثنا في هذه القبسات عن الجملتين 'الاسمية/الفعلية'، ولكل من هاتين الجملتين أغراضها البلاغية؛ فعندما أقول: الشَّمْسُ مُشرقةٌ، فهذه جملة اسمية أفادت ثبوت وتأكيد الحُكم؛ أي: تأكيد وثُبوت شروق الشّمس، أما عندما أقول: أشرقتِ الشَّمسُ، فهذه جملة فعلية أفادت الحدوث والتجدُّد؛ أي: حدوث وتجدد ذهاب الظّلام، وهذا هو الأصل في الجملتين من حيث الدلالة.

وأضاف: يقول الدكتور عبد العزيز عتيق: 'والجملة الاسمية تفيد بأصل وضعها ثبوت شيء لشيء ليس غير؛ فجملة 'الناجح مسرور' لا يفهم منها سوى ثبوت شيء لشيء للناجح من غير نظر إلى حدوث أو استمرار، أما الجملة الفعلية فموضوعة أصلًا لإفادة الحدوث في زمن معين، فإذا قلت: 'يعود الغريب إلى وطنه' أو 'سيعود الغريب إلى وطنه'، لم يستفد من الجملة الأولى إلا احتمال حدوث عودة الغريب إلى وطنه في الزمن الحاضر أو المستقبل، كما لم يستفد من الجملة الثانية إلا حدوث عودة الغريب إلى وطنه في الزمن المستقبل'.

وأتبع 'دكتور البلاغة والنقد': ومن الشواهد ما جاء في الآية الكريمة '62' في سورة الأعراف، قوله تعالى: 'أُبَلِّغُكُمْ رِسَالَاتِ رَبِّي وَأَنصَحُ لَكُمْ وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ'، ويقابل هذه الآية ما جاء في السورة نفسها، في الآية '62'، قوله تعالى: 'أُبَلِّغُكُمْ رِسَالَاتِ رَبِّي وَأَنَا لَكُمْ نَاصِحٌ أَمِينٌ'، فعبَّر في الآية الأولى بالفعل، في قوله: 'وَأَنصَحُ'، وعدل عن الفعل بالاسم في قوله: 'نَاصِحٌ'؛ لتجدد النصح من نوح دون هود، عليهما السلام، يقول ابن عاشور: 'فنوحٌ قال ما يدلّ على أنّه غير مُقلع عن النّصح للوجه الذي تقدّم، وهود قال ما يدلّ على أنّ نصحه لهم وصف ثابت فيه متمكّن منه، وأن ما زعموه سفاهةً هو نصح'.

وأكّد الدكتور 'الخريصي': ومن الشواهد ما جاء في سورة البقرة، في قوله تعالى: 'وَإِذۡ قَالَ رَبُّكَ لِلۡمَلَٰٓئِكَةِ إِنِّي جَاعِل فِي ٱلۡأَرۡضِ خَلِيفَة ...' 'البقرة:٣٠'، عبَّر بالاسم: 'جَاعِلٌ'، دون الفعل 'يجعل'؛ على أن الأمر حاصل لا محالة، فكأنه تم، واستقر، وثبت.

وختم: ومن طريف استعمالات القرآن الكريم: أنه لم يخبر عن 'الإنفاق' إلا بالجملة الفعلية، في كامل القرآن الكريم، إلا في آية واحدة؛ لأن الإنفاق أمر يتكرر ويحدث باستمرار، ومن شواهد ذلك قوله تعالى: 'الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُم بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرًّا وَعَلَانِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ' 'البقرة: 274'؛ حيث عبَّر بالفعل المضارع 'يُنفِقُونَ'، دون الاسم 'منفق'؛ لأن في استعمال الفعل المضارع دلالة على التجدد والحدوث، وكذلك الإنفاق يتجدد ويحدث من المنفق، أما في قوله تعالى: 'الصَّابِرِينَ وَالصَّادِقِينَ وَالْقَانِتِينَ وَالْمُنفِقِينَ وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحَارِ' 'آل عمران:17'، فعبَّر بالاسم 'الْمُنفِقِينَ'، دون الفعل 'ينفقون'؛ لأن الآية في سياق الحديث عن صفات المؤمنين الثابتة.