اخبار السعودية
موقع كل يوم -اندبندنت عربية
نشر بتاريخ: ١٦ تموز ٢٠٢٥
حتى بعد مرور 100 عام على اللقاء الأول بين موسكو والرياض لا يزال الدبلوماسي التتري الحاضر الغائب في تعميق الروابط السياسية والثقافية بين البلدين
في التاريخ القديم والمعاصر، هنالك العديد من الشخصيات المؤثرة لكنها عابرة ويتوقف دورها عند ظرفها الزماني والمكاني. غير أن قلة نادرة كانت الاستثناء من تلك القاعدة، فيظل أثرها السياسي أو الثقافي والعلمي ممتداً لعقود وقرون.
من هؤلاء في باب العلاقات الروسية- العربية، والسعودية منها بالأخص السياسي المخضرم التتري المسلم كريم حكيموف، الذي لم يزل حضوره طاغياً وملهماً للمستعربين الروس والدبلوماسيين المهتمين بتعميق الروابط بين موسكو والرياض، والبناء على أسسها القديمة جسوراً جديدة، يرونها أصلب ما يمكن أن تصبح عندما تقام على جذور أعمق إرثاً وثقافة ومعنى.
قد يفسر ذلك جانباً من عودة الاهتمام الروسي بـحكيموف وترميزه سياسياً وثقافياً، فيما يشبه محاولة رد الاعتبار إليه بعد تبخيس إرثه في الحقبة السوفياتية ولا سيما على يد رفاقه في الجيش الأحمر والسياسيين الأكابر أمثال ستالين المعروف ببطشه في بدايات الاتحاد الذي نشأ على أنقاض 'القيصرية' بعد الثورة البلشفية عام 1917.
يأتي ذلك في سياق فلسفة الرئيس بوتين، الذي جاهد على المستويات الثقافية والسياسية في إعادة روسيا إلى جذورها القيصرية والأرثوذكسية الأعراق، وتطهيرها من التوحش الشيوعي، والتغول الليبرالي الغربي، الذي تراه نخبة الحكم الحالية خطراً على الهوية الروسية برمتها، في تصور أشهر من ينظر له سوى بوتين المفكر ألكسندر دوغين، الذي يوصف على سبيل المبالغة 'عقل بوتين' لشدة التلاقي بينهما في الأفكار.
في هذا السياق يأتي كتاب سفير روسيا السابق في الرياض أوليغ أوزيروف، الذي وثق فيه حياة سلفه ومحطات تجربة حكيموف في مشهد الإيرانية وعدن اليمنية، قبل أن يؤسس للعلاقة بين موسكو والرياض، يوم كان الاتحاد أول القوى العالمية في ذلك الحين المبادرة إلى الاعتراف بالدولة السعودية الوليدة عام 1926، إذ كانت السوفيات تراقب النفوذ الغربي في الجزيرة العربية وتريد منافسته ما أمكنها ذلك، وتلك مهمة مثلها كريم باقتدار باعتباره دبلوماسياً محنكاً، استطاع توظيف خصائصه الدينية واللغوية والثقافية في بناء الجسور مع العرب، قبل أن تنقلب عليه موسكو، التي هالها التأثير الذي غدا على حكيموف الشيوعي من أصدقائه الجدد، على نحو بدا أن ستالين استكثره وخشى من عواقبه الأيديولوجية في حزبه.
وتكشف الوثائق التي اطلعت عليها 'اندبندنت عربية' شهادة سفير الاتحاد السوفياتي في الجمهورية العربية اليمنية، 'في في بوبوف'، واصفاً عمل حكيموف في الجزيرة العربية، قائلاً 'ليس من قبيل المبالغة أنه بفضل إسهاماته الشخصية، تم إرساء أسس العلاقات بين الدولة السوفياتية الفتية والعالم العربي... وبفضل معرفته العميقة بالتاريخ والتقاليد والعادات العربية، ولباقته الاستثنائية وقدرته على جذب الناس، حظي باحترام كبير بين الشعبين اليمني والسعودي'.
وأضاف 'كان يتحدث العربية بطلاقة، حتى أن العرب كانوا يُعجبون بقدرته على التعبير عن أفكاره بأسلوب عميق ومنمق وعربي. إنه لمن دواعي سروري قراءة الوثائق التي كتبها: فهي غاية في الإتقان والاحترافية، ولغته غنية ومعبرة. كان يُستقبل في القصور وأكواخ الفقراء. كان منزله يعج بالضيوف دائماً من التجار وأفراد العائلة المالكة وعامة الناس '.
لم يكن هذا رأي الروس وحدهم وإنما كذلك السعوديون الذين وثقوا أن حكيموف نجح في نسج علاقة خاصة مع مؤسس الدولة السعودية الراهنة الملك عبد العزيز الذي اشتهر بمعرفته معادن الرجال وبناء الصداقات مع مختلف الجنسيات والانتماءات، في وقت كان يضع اللمسات الأخيرة على مشروع توحيد الجزيرة العربية، في منتصف ثلاثينيات القرن العشرين، حين وصل حكيموف الدبلوماسي السوفياتي المسلم، وأول مبعوث رسمي من موسكو إلى المملكة الفتية.
كان حكيموف، المولود عام 1890 يجسّد في شخصه مزيجاً نادراً من الإيمان والثقافة الشرقية والولاء الثوري للبلاشفة. وهو ما مكنه من فهم المجتمع الحجازي والتواصل مع الملك المؤسس عبد العزيز بلغةٍ مشتركة من الاحترام والديبلوماسية والوعي الديني، إذ جاء وهو يعرف جيداً العربية ومطّلع على عادات المسلمين، بحسب ما يقول المؤرخون.
وصل الحجاز رسمياً عام 1924، ثم أصبح أول قنصل عام لبلاده في جدة بعد افتتاح القنصلية عام 1926. كان ستالين قد كلّفه بمهمة بناء جسور مع الملك عبد العزيز، انطلاقاً من مصالح موسكو في كسر عزلة بلادها دولياً، وفي الوقت ذاته جذب المملكة الصاعدة بعيداً من النفوذ البريطاني.
ما لبث حكيموف أن أصبح شخصية مألوفة في مجلس الملك عبد العزيز، مستفيداً من أصوله الإسلامية وقدرته على التزام القيم الدينية. تطورت العلاقة إلى ما يشبه الصداقة الشخصية؛ إذ وصفه الملك مراراً بـ'الصديق الأمين'. وثّق الطرفان اتفاقيات لتسهيل شؤون الحجاج السوفيات، وفتحت جدة أبوابها للحجاج المسلمين من الجمهوريات السوفياتية.
لكن هذه الصداقة لم تشفع لحكيموف لدى ستالين. فعندما اشتد جنون الشك لدى الزعيم السوفياتي في الثلاثينيات، اتُهِم كريم بالتجسس والخيانة العظمى بعد استدعائه إلى موسكو عام 1937. وعلى رغم عدم وجود دليل حقيقي، أُعدم عام 1938، مع كثيرين من كوادر السياسة الخارجية السوفياتية في إطار ما عُرف بـ'التطهير الكبير'.
عندما استدعى ستالين مبعوثه في السعودية لم يكن الملك السعودي المعروف بدهائه السياسي يستبعد النهاية التي انتهى إليها صديقه، لذلك عرض عليه اللجوء السياسي في الرياض، إلا أن ثقته على ما يبدو في رفيق السلاح ستالين جعلته يلبي النداء بثقة الرجل العارف بنقاء مهمته، لكن عيون الرفيق أخبرته بما يزعجه، وفق الأكاديمي الروسي المعاصر ألكسندر ياكوفليف الذي يرجح أن التقارير التي كانت تصل إلى الكرملين تفيد بأن حكيموف تجاوز حدود التصنع الدبلوماسي في أدائه الشعائر الدينية إلى امتثاله الدين الإسلامي على وجهه الحقيقي بين السعوديين، ولا سيما عندما طلب أن يؤذن له في أداء فريضة الحج رسمياً، فكان ذلك 'خطاً أحمر' لا يمكن التسامح معه في ظل المشهد الروسي يومئذ، فواجه مصير الإعدام عام 1938، الذي انتهى إليه آخرون أيضاً من ممثلي السفارة الذين طلب منهم العودة جميعاً إلى موسكو على متن باخرة أقلتهم من جدة.
ما فات كريم صديق الملك استدركه الطبيب عبد الكريموف الذي تخلف عن البعثة المغادرة للديار السعودية، في قصة رواها الشاهد عليها ذلك الحين إبراهيم الحسون في مذكراته، فهو الكاتب العام لقائمقام جدة الشيخ إبراهيم بن معمر، الذي دخل عليه الطبيب في الليل فزعاً، يطلب الحماية واللجوء.
ويقول حسون في مذكراته إن بن معمّر، الحاكم الإداري السعودي لجدة، حينها، سمع كلام الطبيب بهدوء، ثم قال له 'إن التقاليد العربية تحمي من هو في مثل وضعك، وأنت فوق ذلك مسلم، والحكومة السعودية ملزمة بالدفاع عنك، مهما كلّفها ذلك، أنت الآن هنا مُكرّمٌ في بيتك'، على إثر ذلك رفع بن معمر برقية إلى الملك عبد العزيز في الرياض يخبره بما جرى، فأتاه الجواب سريعاً بأن 'أحسنتم في تصرّفكم، عمّدوا المذكور بتوجّه إلى مكة، وقد عمّدنا الابن فيصل (الملك فيصل لاحقاً، وكان نائب الملك على الحجاز) بإشعار السلطات الروسية بأن الطبيب المذكور لاجئ عند المملكة العربية السعودية وقد وافَقتْ على طلبه، ومنَحتهُ اللجوءَ لديها، ولذا فلا موجب لبقاء البارجة بعد الآن في الميناء، كما عمّدناه باتخاذ اللازم نحو ما يلزم بتأمين سكن المذكور في مكة، وتوفير كل ما يحتاجه'، عندما قرأها الطبيب أجهش باكياً غير مصدق.
وتروي خديجة خانم، زوجة الراحل حكيموف بعد عقود حجم العلاقة التي تربط زوجها بالقيادة السعودية بعد ذلك بعقود في حديث مع 'المجلة' اللندنية في أكتوبر (تشرين الأول) 1989 عند زيارتها في موسكو، أن الملك زار زوجها كريم في منزله، معربة عن دهشتها في كون 'الزعيم الذي ترتعد فرائص الرجال مهابةً له، كان عطوفاً طيب القلب، وكنا نشعر أنه يخصنا بمعاملة خاصة، ربما لأنه كان يشعر بمعاناة المسلمين السوفيات على أيدي رجال ستالين'. وتابعت أن الملك جاء مشياً، يحيط به مرافقوه، وعندما رآه حكيموف هرع إليه مرحباً. جلس الملك مع حكيموف في ديوان الضيوف، وتبادلا الحديث الودي الذي دار معظمه حول أوضاع المسلمين في الاتحاد السوفياتي وأحوال البلاد والمشاريع الاقتصادية الجديدة هناك.
وتروي خديجة أنها كانت تستمع من الغرفة المجاورة، تحاول كتم دموعها وحزنها لفقدان ابنها شامل، لكن العاطفة غلبتها فانفجرت باكية بصوت مرتفع. سأل الملك عبد العزيز بتأثر واضح: 'يا حاج عبد الكريم، إنني أسمع نحيباً، فما سبب هذا النحيب؟ لعله خير إن شاء الله؟'، فأجاب مرتبكاً 'إنها زوجتي يا طويل العمر، لقد وافت المنية ولدي الصغير شامل ليلة أمس بعد إصابته بالزحار' المنتشر بين الأطفال في حينه.
عندها وقف عبد العزيز على الفور، واستأذن لرؤية جثمان شامل، واقترب منه يردد: 'يرحمه الله، يرحمه الله، وألهمكم الصبر والسلوان'، وأمر بإقامة عزاء رسمي للطفل وبدفنه في مكة المكرمة. تقول خديجة عن تلك اللحظة: 'شعرت كم أن هذا الرجل، الذي اهتزت لمهابته صحاري الجزيرة، متواضع غاية التواضع، تواضع المؤمن القوي'.
وتضيف 'لقد كان موضع ثقة جلالته وحكومته، وكان يتنقل في عرض البلاد وطولها من دون رقيب أو حسيب. كان مسلماً شديد التمسك بإسلامه، وكان مؤمناً يؤدي فرائض الله من دون انقطاع، وقد دفعه إيمانه وتعلقه بمكة المكرمة والديار المقدسة الى أداء فريضة الحج سبع مرات (ربما بصورة غير رسمية)، هذا علاوة عن أنه زار كعبة المسلمين خلال وجودنا هناك مرات عدة'.
وتسجل في شهادتها أن زوجها 'لم يكن يخبئ شيئاً عن رجالات الدولة السوفياتية التي يعمل سفيراً لها، وكان ينقل تفاصيل لقاءاته مع الملك عبد العزيز إلى رؤسائه، وكان يحدثني بفرح منقطع النظير عن المشاريع الطموحة التي كان يخطط لها لتعزيز العلاقة مع الدولة التي أحبها ومع حكومة بن سعود الذي كان يكن له احتراماً شديداً وكان يدرك أن ما قام به سيكون نقطة تحول في العالمين العربي والإسلامي'.
عمق العلاقة تلك، جعل خبر إعدام كريم قاسياً عندما بلغ الملك الذي رفض لاحقاً استقبال أي مبعوث سوفياتي آخر بعد تلك الحادثة لسنوات طويلة.
بعد إعدام حكيموف، دخلت العلاقات السعودية- السوفياتية في فترة جمود طويلة، زادتها تعقيداً مواقف موسكو الداعمة للتيارات الشيوعية والأنظمة الجمهورية في الشرق الأوسط، بينما كانت الرياض رأس الحربة في مواجهة المد الشيوعي في المنطقة، الذي بلغ ذروته عندما قادت وواشنطن جهداً حربياً واسع النطاق ضد السوفيات في أفغانستان، شكل أحد أدوات الحرب الباردة الناجعة في التعجيل بإسقاط الاتحاد السوفياتي، الذي رأى فيه الغرب والعالم الإسلامي بقيادة السعودية خطراً أيديولوجياً، لمسوا شروره عن قرب بواسطة الجمهوريات الإسلامية الواقعة ضمن هيمنته حينئذ في ما يعرف اليوم بآسيا الوسطى.
استمرت القطيعة حتى عام 1990 أواخر عهد غورباتشوف حينما أعاد البلدان تنشيط العلاقة الدبلوماسية بينهما بعد سقوط الاتحاد السوفياتي. وفي 1991، عُيّن أول سفير روسي رسمي لدى الرياض، وبدأت صفحة جديدة.
لكن المؤرخ السعودي الراحل عبد الرحمن الشبيلي لحظ أن التواصل لم ينقطع بالكلية، على رغم التضاد السياسي بين الدولتين، بسبب النزعة الشيوعية والاضطرابات العالمية، إلا أن 'السوفيات لم يتدخلوا في الشؤون الدينية للمملكة، وظل الاهتمام الأكاديمي الروسي بالإسلام حاضراً'. ووثق في بحث له عن تاريخ علاقات البلدين، اطلعت عليه 'اندبندنت عربية' أنه حتى الثلاثينيات من القرن العشرين، 'واصلت روسيا تزويد السعودية بالحبوب والسيارات (مثل موسكوفيتش)، لكن الحرب العالمية الثانية والانكماش العالمي أوقف هذا التواصل، فانخفض عدد الحجاج الروس بشكل كبير'.
وعلى رغم منافسات القوى الكبرى، وخصوصاً بريطانيا التي حاولت إضعاف الصلات، رأى الشبيلي أن الروابط الدينية والثقافية ظلت بين شعوب روسيا المسلمة وبلاد الحرمين شاهدة على عمق العلاقة. ومع تحسن العلاقات السياسية في العقود الأخيرة، أعيد إحياء هذا الإرث الطويل من الروابط الروحية والثقافية، في سياق جديد يجمع بين الذاكرة التاريخية والتعاون الحديث.
منذ بداية القرن الحادي والعشرين، أخذت العلاقات منحى جديداً يقوم على المصالح الاقتصادية والسياسية، بعيداً من الأيديولوجيا. زار الملك سلمان موسكو عام 2017 في زيارة تاريخية وُصفت بأنها 'غير مسبوقة' باعتباره أول ملك سعودي يزور روسيا، وتبادل الطرفان التوقيع على عدد من الاتفاقيات المهمة في مجالات الطاقة والتقنية والثقافة. كذلك زار الرئيس فلاديمير بوتين الرياض في 2019، مؤكداً على مكانة المملكة كأكبر شريك اقتصادي وسياسي لموسكو في المنطقة.
وفي السنوات الأخيرة، زاد التنسيق بينهما في إطار 'أوبك+' للحفاظ على استقرار أسواق النفط، كما نسّقتا المواقف في عدد من القضايا الإقليمية والدولية.
اليوم، ومع احتفال البلدين بمرور 100 عام على أول اتصال رسمي بين الملك عبد العزيز والاتحاد السوفياتي، يظل اسم كريم حكيموف رمزاً لبداية تلك القصة: قصة جسور بُنيت بين عاصمتين من عالمين مختلفين، تقاطعت مصالحهما أحياناً وتباينت أحياناً أخرى، لكنها حافظت على خيط من التواصل.
تُحيي روسيا والسعودية ذكرى حكيموف باعتباره 'الشهيد الدبلوماسي' الذي مثّل الروح الإنسانية المشتركة قبل أن يسحقه القمع الستاليني. وفي الوثائق المتداولة، لا تزال صوره ومراسلاته مع الملك عبد العزيز شاهداً على لحظة تاريخية حين التقت مكة بالكرملين على يد رجلٍ تتري مسلم، فهم الإسلام وأتقن السياسة، لكن عجز عن النجاة من آلة القمع التي عرفت بها تلك الحقبة.
لكن الروح التي أراد ستالين الخلاص منها نهضت مجدداً، وعادت لتأثيرها الأول من جديد، وهو ما يقر به كاتب سيرة كريم الدبلوماسي أوزيروف، الذي أكد أن 'روح حكيموف حية الآن وقوية'، على هامش زيارته للرياض بين وفد روسي كان من بين مهامه التعريف بـ'نادي حكيموف' الذي بات صلة وصل ثقافية بين موسكو والبلدان العربية ووسط آسيا على خطى الراحل الذي أعيد إليه اعتباره، بعد أن بات أحد عناوين التبادل الثقافي والسياسي.
ويعتبر النادي 'من خلال الاسم وبرنامج عمله وأعضائه ينقلون روح حكيموف؛ روح الصداقة والعلاقات الودية بين البلدين، روح العلاقات بين المسلمين الروس والمسلمين في المملكة العربية السعودية، ونعتقد أن هذه الروح الآن حية وتعطي لنا قوة وقدرة أن نتقدم للأمام'.
وأبدى البروفيسور فيتالي نعومكين، الحاصل على جائزة الدولة الروسية، لدى تقديمه كتاب سيرة حكيموف أسفه لأن إعادة الاعتبار إليه جاء بعد عقود من مقتله، منوهاً إلى أنه 'بعد سنوات طويلة من النسيان استعاد التقدير الذي يستحق من الدولة... فهو موضع فخر من شعب باشكيرستان (فيدرالية داخل روسيا) الذي ينتمي إليه من حيث القومية وكذلك شعب تتارستان الذي يعتبره أيضاً أحد أبنائه'.
أما على الصعيد السياسي فيرى المحلل الروسي رسلان سليمانوف أن روسيا اليوم على رغم استثمارها في نطاق الدراسات العربية، وعمل العديد من المتخصصين فيها، إلا أنها لم تستطع إعادة إنتاج من 'يضاهي كريم حكيموف في مكانته، إذ كان يتحدث عدة لغات شرقية، وجمع بين كونه عالماً ومستشرقاً بارعاً ودبلوماسياً متميزاً، وضع أسس علاقات الاتحاد السوفياتي مع العالم العربي عموماً ومع المملكة خصوصاً'، مشيراً في حديثه مع 'اندبندنت عربية' إلى أن مستوى التخصص والخبرة الذي كان يتمتع به حكيموف لا يُرى اليوم في روسيا!
ويعتقد أن الراحل أُعيد إليه الاعتبار رسمياً منذ عام 1956، بعد وفاة ستالين، في إطار عملية تطهير البلاد من إرث الستالينية، وإنصاف الضحايا الذين تعرضوا للقمع، 'أما اليوم فيُنظر إلى كريم باحترام كبير في روسيا، باعتباره واحداً من أبرز المستشرقين والدبلوماسيين السوفيات، ورمزاً للدبلوماسية الروسية في الشرق الأوسط'. موضحاً أن روسيا تحتفي بذكراه عبر مؤتمرات متخصصة تُعقد بشكل دوري لتخليد إرثه، إذ يُعتبر 'مرجعاً وقدوة وسلطة لا جدال فيها لكل من يعمل في ميدان العلاقات الروسية- العربية'.