اخبار السعودية
موقع كل يوم -الخليج أونلاين
نشر بتاريخ: ٢٦ تموز ٢٠٢٥
كامل جميل - الخليج أونلاين
المحلل السياسي محمود عثمان:
السعودية تقف على أعتاب مرحلة جديدة تسعى فيها لتثبيت نفسها قوة إقليمية صاعدة ومؤثرة في صياغة السياسات بالمنطقة والعالمين العربي والإسلامي.
ما تشهده السعودية من مشاريع ضخمة وطموحة جداً هي خطوات استراتيجية بعيدة لجهة نقل التكنولوجيا إلى المملكة والتطوير الهائل في جميع الصعد.
تؤسس الاتفاقيات السعودية مع تركيا المتعلقة بتوطين الصناعات الدفاعية، لمرحلة تحول نوعي لا يكتفي بتعزيز قوة المملكة العسكرية وصناعاتها الدفاعية، بل يصل إلى بناء نفوذ اقتصادي وسياسي، بما ينعكس إيجابياً على مكانة الرياض إقليمياً وفي المحافل الدفاعية الدولية.
ما أعلنته الشركة السعودية للصناعات العسكرية (سامي)، الخميس (24 يوليو 2025)، بتوقيع 3 اتفاقيات استراتيجية مع شركات تركية لتوطين صناعة الأنظمة الأرضية، تعدّ خطوة تعكس تحولاً مدروساً في مسار السياسة الصناعية والدفاعية للمملكة، حيث شملت:
نقل التقنية والمعرفة لتوطين تصنيع العربات المدرعة رباعية الدفع (4x4) داخل المملكة، في الاتفاق الموقَّع مع شركة 'نورول ماكينا'.
نقل تقنيات تصنيع العربات المدرعة ذات الدفع الثماني (8x8)، إضافة إلى الأبراج المسلحة، في الاتفاق الموقع مع شركة 'FNNS'.
توطين إنتاج الأبراج المسلحة ونقل المعرفة المرتبطة بتقنياتها المتطورة إلى الداخل السعودي، في الاتفاق الموقع مع شركة 'ASELSAN'.
تُخطط الشركة السعودية للصناعات العسكرية (سامي) لتنفيذ عمليات نقل التقنية والتصنيع من خلال مجمع 'سامي صناعي للأنظمة الأرضية'، المقرر بدء تشغيله في الربع الأخير من العام الجاري.
ستكون المنشأة الجديدة وفق أعلى المعايير العالمية، وتركز على تصنيع العربات المدرعة رباعية، وسداسية، وثمانية الدفع، إلى جانب الأبراج الدفاعية، بما يتماشى مع توجهات الثورة الصناعية الرابعة.
ويعتمد المجمع على تقنيات الذكاء الاصطناعي، وإنترنت الأشياء، والروبوتات، لتشغيل أنظمة متقدمة غير مأهولة تُدار ذاتياً، ما يُسهم في تعزيز الكفاءة التشغيلية ورفع مستويات الجودة.
في رؤيتها 2030، تهدف السعودية إلى تعزيز اقتصاد أكثر تنوعاً لا يعتمد على عائدات قطاع الطاقة.
وتمكنت هذه الاستراتيجية، التي أُطلقت عام 2016، من خلق آلاف الوظائف التي تتطلب مهارات عالية، وكان لقطاع الصناعة العسكرية حصة في هذه الاستراتيجية.
وتمكنت المملكة من تحقيق إنجازات فعلية خلال سنوات قليلة، في الصناعات العسكرية. وتعتمد استراتيجية قطاع الصناعات العسكرية في المملكة على ثلاث ركائز رئيسية تتحدد معها مهام القطاع وتشمل:
المشتريات العسكرية: وتستهدف تعزيز عمليات الشراء عبر تحقيق الكفاءة في الإنفاق وضمان بقاء الصناعة في أولوية الصناعات، ودعم قدرات المصنع المحلي.
الصناعات العسكرية: وتعنى بتوطين هذا القطاع في المملكة، وصولاً لنسبة توطين تزيد عن نسبة 50% من إنفاق المملكة على المعدات والخدمات العسكرية بحلول 2030.
تطوير التقنيات العسكرية: وتهدف إلى بناء الإمكانات الوطنية لدعم الخطط المستقبلية الرامية للارتقاء بصناعات عسكرية حديثة ومتطورة في المملكة.
بحسب تقرير معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام (SIPRI) لعام 2024، تُعدّ السعودية أكبر مستورد للأسلحة في الشرق الأوسط، وهو ما يدفع الشركات العالمية المتخصصة بالصناعات العسكرية والدفاعية إلى التعاقد معها.
وتصدر القطاع العسكري في السعودية الإنفاق في موازنة المملكة لعام 2025، وذلك بقرابة 72 مليار دولار.
بالمقابل، تسعى المملكة لأن تزيد مساهمة الصناعات الدفاعية السعودية في الناتج المحلي الإجمالي للمملكة إلى قرابة 25 مليار دولار عام 2030، لا سيما أنها حققت قفزات في قطاع الصناعات العسكرية.
أكد محافظ الهيئة العامة للصناعات العسكرية، أحمد العوهلي، في جلسة حوارية:
وسط مشهد إقليمي مضطرب ومتغير، حيث تتقاطع المصالح وتتشابك التحالفات، تبرز الشراكة الدفاعية بين السعودية وتركيا لتكون محطة مفصلية في مسار العلاقات الثنائية، ومؤشراً على تحوّل نوعي في معادلة التوازن الإقليمي.
هذا ما يراه المحلل السياسي محمود عثمان، الذي تحدث لـ'الخليج أونلاين'، إذ يصف مكانة السعودية اليوم بأنها تقف على أعتاب مرحلة جديدة، تسعى فيها لتثبيت نفسها قوة إقليمية صاعدة ومؤثرة في صياغة السياسات في الشرق الأوسط والعالمين العربي والإسلامي.
ما تشهده السعودية من مشاريع ضخمة وطموحة جداً – بحسب عثمان – تمثل 'خطوات استراتيجية بعيدة لجهة نقل التكنولوجيا إلى المملكة والتطوير الهائل في جميع الصعد'.
ويلفت إلى أن الرياض تتقدم بخطى واثقة نحو نقل التكنولوجيا وتأسيس بنية دفاعية وطنية، لا تعتمد فقط على الشراء من الخارج، بل على الشراكة ونقل المعرفة.
وهنا، يشير إلى أن التوجّه السعودي نحو تركيا يبدو 'خياراً طبيعياً'، والسبب – وفق قوله – إن أنقرة أثبتت خلال السنوات الماضية أنها لاعب محوري في مجال الصناعات الدفاعية، ونجحت في تطوير منظومتها العسكرية حتى باتت مرجعاً إقليمياً في هذا الميدان.
وعليه، يجد عثمان أن هذا التعاون بين قوتين إقليميتين لن يكون مجرّد تقارب ثنائي، بل سيخلق توازناً جديداً في منطقة تواجه تحديات سياسية وأمنية عميقة.
وشدد على أن الحاجة ملحة لوجود شراكات ترسّخ الاستقرار بدلاً من أن تغذّي الصراع، مبيناً أن التعاون الدفاعي بين الرياض وأنقرة يسير في هذا الاتجاه.
وحول أثر تنامي القوة الدفاعية السعودية على المنطقة، يؤكد عثمان أن له أثراً مهماً، خاصة في الملفات الشائكة مثل ما يجري حالياً في الملف السوري.
وأوضح أن الرياض تعاملت مع سوريا بصفتها دولة ناشئة تحتاج لمن يمدّ لها اليد، وتركيا من جهتها باتت أكثر انخراطاً في دعم الإدارة السورية الجديدة، ليس فقط لأسباب جيوسياسية، بل لقناعة بأن استقرار سوريا هو استقرار للمنطقة، على حدّ تعبيره.
المحلل السياسي يرى أن تلاقي رؤية قطبين كبيرين استراتيجيين مثل السعودية وتركيا، في توقيت حرج كهذا، سوف ينعكس بشكل إيجابي على ملفات المنطقة برمتها.