اخبار السعودية
موقع كل يوم -صحيفة الوئام الالكترونية
نشر بتاريخ: ٦ نيسان ٢٠٢٥
في الميثولوجيا الأوروبية، تعٌرف 'مطاردة الساحرات' بأنها واحدة من أكثر الفترات المظلمة في التاريخ الغربي، وقد امتدت بين القرنين الرابع عشر والثامن عشر، حيث شهدت أوروبا حملة واسعة للتحقيق مع من يُعتقد أنهن 'ساحرات'، وتمت محاكمتهن بناءً على اتهامات سحرية لا دليل عليها.
ولم تقتصر تلك الحروب ضد 'السحر والشعوذة' على معاقبة المتهمات بممارسات لا وجود لها في الواقع، بل كانت تحمل في طياتها اعتقادًا راسخًا في وجود 'الساحرات' اللاتي يتحالفن مع الشيطان، ويستخدمن القوى الشيطانية لارتكاب الجرائم.
وقد وجد هذا المصطلح التاريخي المشحون بالدلالات الميثولوجية طريقه بقوة إلى قاموس السياسة المعاصر، حيث استخدمه بعض السياسيين لوصف حملات التحقيق ضدهم، مدعين أن الهدف من هذه التحقيقات ليس تحقيق العدالة، بل استهدافهم سياسيًا.
آخر هؤلاء كان ثلاثة من السياسيين المتهمين باليمينية، وهم رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الذي استخدم هذا المصطلح في تصريحاته الأخيرة، للدلالة على التحقيقات التي تجري ضده، مؤكدًا أن تلك التحقيقات لا تستند إلى أي دليل قاطع، بل تأتي ضمن محاولة لإقالته من منصبه لأغراض سياسية، والرئيس الأمريكي دونالد ترمب، الذي استخدم المصطلح ذاته دفاعًا عن السياسية الفرنسية مارين لوبان، التي وصفت الحكم القضائي الصادر ضدها بمنعها من الترشح للانتخابات الرئاسية المقبلة في فرنسا، بأنه 'مطاردة ساحرات' ومحاولة سياسية لتهميشها وإقصائها عن المشهد السياسي الفرنسي. فما الذي تعنيه 'مطاردة الساحرات' سياسيًا؟
'مطاردة الساحرات'.. بين الماضي والحاضر
يُعرف المركز الأوروبي للدراسات الشعبوية (ECPS) 'مطاردة الساحرات' السياسية بأنها حملات تصعيدية تستهدف شخصيات سياسية معينة تحت شعار البحث عن الأدلة، بينما في الواقع، يكون الهدف هو تنفيذ خطط سياسية متعمدة.
ويقول العديد من الخبراء إنه على الرغم من أن هذه التحقيقات قد تُسند إلى اتهامات معينة، فإن ما يجري هو جزء من صراع سياسي أكبر، يتم فيه استخدام القضاء والإعلام كأدوات لتحقيق أهداف سياسية بدلًا من السعي وراء العدالة.
وفي كتاباته، يشير البروفيسور بيتر ت. ليسون أستاذ الاقتصاد والقانون بجامعة جورج ماسون الأمريكية، إلى أن مصطلح 'مطاردة الساحرات' في العصور الوسطى كان يتعلق بالتحقيقات التي كانت تُجرى بشكل واسع ضد الأشخاص الذين وُصفوا بأنهم 'ساحرات'، وهو مصطلح استخدم للقبض على أي شخص يُشتبه في ممارسة السحر أو التعامل مع قوى شيطانية.
لكن في العصر الحديث، أصبحت هذه العبارة تستخدم في سياقات سياسية حيث يتم اتهام خصوم سياسيين باتباع نهج غير عادل أو مسيء عبر وسائل التحقيق والمقاضاة.
ويشير دارين أولدريدج، أستاذ التاريخ الحديث المبكر بجامعة ووستر، إلى أن 'مطاردة الساحرات' لم تكن مجرد عمليات محاكمات غير عادلة، بل كانت بمثابة حملة ضخمة تَجرّد الضحايا من حقوقهم الإنسانية. ويضيف أولدريدج أن استخدام هذا المصطلح في سياق السياسة الحديثة قد يساهم في تقليل فهمنا لأبعاد التاريخ، بينما يُمكن أن يكون تعبيرًا عن الصراع السياسي على السلطة.
نماذج معاصرة 'لمطاردة الساحرات'
في العقود الأخيرة، ظهر العديد من الأمثلة على 'مطاردة الساحرات' السياسية حول العالم. يقول تشيب بيرليت، وهو محلل أول في شركة البحوث السياسية في منطقة بوسطن، إن العديد من الصحف والمواقع الإعلامية اليمينية في الولايات المتحدة كانت تسهم في تشكيل 'مطاردات ساحرات' حديثة، حيث تُسَلط الأضواء على مهاجمة المعارضين السياسيين بشكل جماعي، باستخدام وسائل الإعلام لتحقيق أهداف سياسية تهدف إلى تشويه سمعة خصومهم.
هل هي مجرد استعارة أم حقيقة سياسية؟
إن 'مطاردة الساحرات' السياسية ليست مجرد استعارة تاريخية، بل هي تجسيد حقيقي للضغوط التي يتعرض لها السياسيون في مختلف أنحاء العالم في صراعات السلطة.
ولعل السؤال الأبرز هنا هو: هل ما نراه اليوم من تحقيقات واتهامات ضد السياسيين هو بالفعل سعي للعدالة، أم أنها أداة أخرى تُستخدم لتحقيق مكاسب سياسية؟ بينما تظل الإجابة على هذا السؤال غامضة في كثير من الأحيان، ويبقى مصطلح 'مطاردة الساحرات' رمزًا لسياسات القوة التي تعتمد على الظلم والانتقام بدلًا من السعي وراء الحقيقة.