اخبار المغرب
موقع كل يوم -العمق المغربي
نشر بتاريخ: ١٥ تموز ٢٠٢٥
سلّطت دراسة حديثة، الضوء على مفارقة جوهرية بين التقدّم النظري في تحديث المقتضيات الدستورية الهادفة إلى تعزيز نموذج ديمقراطي أكثر انفتاحاً، واستمرار هيمنة نخب سياسية تقليدانية، وعلى رأسها نخب الأعيان، على مفاصل المشهد المحلي.
الدراسة، التي أنجزها خالد بنماغة، الباحث بسلك الدكتوراه بكلية الحقوق بجامعة القاضي عياض، جاءت تحت عنوان: 'الديمقراطية التشاركية بالمغرب بين تحديث المقتضيات الدستورية وتقليدانية الأعيان'، وحاولت تحليل التحديات البنيوية التي تعرقل تفعيل هذا الشكل الجديد من الديمقراطية، رغم التنصيص عليه في دستور 2011.
أكد الباحث أن تنزيل الديمقراطية التشاركية يصطدم بعوائق سياسية وثقافية واجتماعية، في مقدمتها هيمنة نخب الأعيان، التي تستثمر في شبكات النفوذ المحلي والاقتصادي والاجتماعي، وتعيد إنتاج نفس الآليات التقليدية المعتمدة على الزبونية والمحسوبية، بدل تقديم برامج سياسية ذات جدوى.
وأشارت الدراسة التي نُشرت ضمن عدد جديد من مجلة القانون الدستوري والعلوم الإدارية الصادرة عن المركز الديمقراطي العربي للدراسات الاستراتيجية والاقتصادية بألمانيا إلى أن هذه النخب غالباً ما تتحكم في مسارات القرار المحلي وتوجيه نتائج الانتخابات، مما يفرغ المشاركة المواطنة من محتواها، ويجعلها شكلية في كثير من الحالات.
وسجّل البحث ضعف تفاعل المؤسسات مع آليات الديمقراطية التشاركية، كالعَرائض والملتمسات، بسبب تعقيد المساطر وهيمنة المقاربة البيروقراطية. وأبرز أن السلطات التنفيذية ما تزال تتعامل مع المجتمع المدني بمنطق استشاري غير ملزم، بدل اعتباره شريكًا فعليًا في صناعة القرار العمومي.
في السياق ذاته، أشار الباحث إلى ضعف ثقافة الممارسة السياسية في صفوف فئات واسعة من المواطنين، مما يؤدي إلى عزوفهم عن التفاعل مع الآليات التشاركية. كما اعتبر أن المجتمع المدني يواجه إكراهات تتعلق بغياب التأطير وضعف الموارد، وهو ما يعيق قدرته على الاستثمار الفعلي لهذه الآليات، في ظل استمرار هيمنة الثقافة التمثيلية الكلاسيكية.
على الرغم من أن دستور 2011 شكّل خطوة متقدمة بإقراره آليات جديدة للديمقراطية التشاركية، مثل العرائض والملتمسات، إلا أن التطبيق العملي لا يزال محدودًا، وفق الباحث.
واستشهد في هذا السياق بتقرير المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي لسنة 2020، الذي رصد ضعف عدد العرائض المقدمة وارتفاع نسب الرفض، غالباً لأسباب شكلية، إضافة إلى غياب الشفافية بخصوص مآلاتها، وعدم احترام الآجال القانونية للرد عليها.
ومن بين الأمثلة التي أوردها البحث، عريضة إحداث هيئة المناصفة ومكافحة كل أشكال التمييز (2016)، التي تم رفضها بدعوى عدم المصادقة على بعض التوقيعات، رغم استيفائها باقي الشروط القانونية.
دعا الباحث، في ختام دراسته، إلى إصلاح وتتميم الإطار القانوني المنظم للديمقراطية التشاركية، بما يضمن إلزامية تفاعل مؤسسات الدولة مع العرائض والملتمسات، وتبسيط الإجراءات الإدارية المرتبطة بها.
كما شدد على أهمية الحد من نفوذ الأعيان داخل المشهد السياسي، من خلال تشديد القوانين الانتخابية لمحاصرة استغلال المال والنفوذ، وتشجيع الأحزاب التي تقدم برامج قائمة على أسس ديمقراطية.
وأوصى كذلك بضرورة تعزيز الثقة بين المواطن والمؤسسات عبر آليات المساءلة، وضمان الحق في الوصول إلى المعلومة، وتفعيل دور الهيئات الاستشارية الجهوية والمحلية، إلى جانب إدماج الديمقراطية التشاركية في المناهج التعليمية، ودعم قدرات المجتمع المدني من خلال برامج للتكوين وتوفير الموارد الضرورية.