اخبار الكويت
موقع كل يوم -جريدة القبس الإلكتروني
نشر بتاريخ: ٨ أيلول ٢٠٢٥
لو نظرنا إلى واقعنا اليوم، سنجد أن هناك توازنا قد اختلّ، وكأننا نعاند فطرتنا البشرية.
ورد في القرآن الكريم: «وجعلنا الليل لباساً * وجعلنا النهار معاشاً»، ليكون الليل وقت سكن وراحة، والنهار وقت سعي وإنتاج. وجاءت السنة النبوية لتؤكد هذه الفطرة، ففي الحديث الشريف: «اللهم بارك لأمتي في بكورها»، أي في ساعاتها الأولى من النهار، فأبناؤنا ينامون متأخرين بسبب الأجهزة الإلكترونية أو السهر غير المبرر، ويستيقظون مُرهقين متثاقلين إلى مدارسهم، فيذهبون إليها بأجساد حاضرة وعقول غائبة. ليس غريباً إذن أن نسمع شكوى المعلمين من ضعف التركيز، أو أن نشاهد عزوف الطلاب عن الدراسة؛ فكيف سيحب الطفل مدرسته إذا كان يجرّ نفسه إليها نصف نائم؟
إنَّ من يملك صباحه يملك يومه، ومن يملك يومه يملك عمره. لم تكن هذه مجرد شعارات يرددها المتفائلون، بل هي حقيقة يدركها الناجحون في مختلف المجالات. فإذا نظرت في سير أعلام العلماء، المبدعين، والرياضيين، ستجد أن أغلبهم يشتركون في عادة واحدة: الاستيقاظ المبكر، والبدء بيومهم بطاقة وصفاء لا يملكهما من اعتاد السهر.
هذا الاضطراب في ساعات النوم واليقظة لا يؤثر فقط في التحصيل الدراسي، بل يمتد إلى الصحة النفسية والجسدية. فقد أثبتت الدراسات الحديثة أن قلة النوم الكافي عند الأطفال والمراهقين تزيد من معدلات القلق والاكتئاب، وتضعف الجهاز المناعي، بل وتؤدي أحياناً إلى زيادة الوزن والسمنة. أي أننا حين نتساهل مع أبنائنا في مسألة النوم، فإننا نُعرّضهم لسلسلة من المشكلات التي قد تمتد إلى المستقبل.
إعادة الاعتبار لبركة الصباح لا تعني فقط أن نُوقظ أبناءنا مبكراً، بل أن نُنشئ لهم روتيناً ثابتاً: نوم مبكر، استيقاظ مع الفجر، لاسيما صلاة الفجر، إفطار صحي، وبدء اليوم بنشاط جسدي أو ذهني. بهذا فقط يمكن للطفل أن يذهب إلى مدرسته بروح متجددة، فيرتبط لديه الصباح بالنجاح، لا بالإجهاد.
وهنا يبرز دور المستشارين التربويين الذين يعملون مع الأسر لمساعدتهم على ضبط هذا الإيقاع الحياتي. فالمستشار لا يعطي النصائح النظرية فقط، بل يُقدّم خططاً عملية تناسب كل أسرة بحسب ظروفها، ويُتابع مع الأبناء كيفية الالتزام بها. وعندما يدرك الوالدان أن التربية ليست اجتهاداً عشوائياً، بل علم له قواعد واساليب فانهم يختصرون على أبنائهم سنوات من المعاناة، ويزرعون فيهم عادةً ستبقى معهم طيلة حياتهم.
إنَّ البركة التي نبحث عنها في أعمارنا وأعمالنا قد وُضعت لنا في الصباح، فهل سنُعلّم أبناءنا كيف يقطفونها؟ إنَّ الإجابة تبدأ اليوم، قبل أن يحين الغد.
ندى مهلهل المضف