اخبار الكويت
موقع كل يوم -جريدة القبس الإلكتروني
نشر بتاريخ: ٢٧ تموز ٢٠٢٥
أمجد جمال
في تحوّل غير تقليدي لمسار أفلام الأبطال الخارقين، تعود شخصية سوبرمان هذه المرة من بوابة السينما، لا لتأخذنا في نزهة ترفيهية بعيدة عن هموم العالم، بل لتضعنا في مواجهة واضحة أمام الواقع السياسي المؤلم، الذي يعيشه العالم في السنوات الأخيرة.
الفيلم الجديد Superman، من إخراج جيمس جان، لا يقدّم ما اعتدناه من مغامرات خيالية أو صراعات كونية، بل يتورط بجرأة في قلب الخلافات السياسية العالمية، ليجعل من سوبرمان – لأول مرة – عنصراً فاعلاً في مشهد سياسي شائك، لا سيما حين يتدخل لوقف الحروب، ويقف في وجه قوى احتلالية واستعمارية، مما يجعل من السهل تأويله كهجاء صريح للاحتلال، وانتصاراً لحق الشعب الفلسطيني.
سوبرمان يتصدّى للتطهير العرقي
تدور أحداث الفيلم حول عودة البطل الخارق كلارك كينت، القادم للأرض من كوكب كريبتون الخيالي، ليحاول إرساء العدالة في عالم مضطرب تمزقه المصالح السياسية والحروب.
يجد سوبرمان نفسه لأول مرة مضطراً للتدخل في نزاع عسكري بين دولتين متنازعتين، إحداهما تُعرف باسم «بورافيا»، وتمثل قوة احتلال كبرى مدعومة من الولايات المتحدة الأمريكية، بينما الأخرى دولة صغيرة ضعيفة تدعى «جارهانبوريا» يخضع شعبها من المدنيين العزّل للاستباحة العسكرية والتطهير العرقي.
وبينما يحاول سوبرمان وقف الحرب وإنقاذ الأبرياء، يصطدم بآلة إعلامية مضللة، تشوّه الحقائق وتحرض عليه، وتحاول شيطنة شخصه أمام الرأي العام العالمي؛ لتجميل قوى الاستعمار في المقابل.
حرب التغريدات
هذا التوجه الجديد لهذا النوع من الأفلام أثار كثيراً من الجدل والنقاشات المحتدمة على موقع إكس ومنتديات ريديت، خاصة أن الفيلم يعتمد على رمزية واضحة الأهداف، رغم محاولة صنّاع الفيلم تمييع هوية الأطراف المتنازعة بتغيير أسماء الدول المتنازعة. إلا أن المتفرج من المشاهد الأولى يستطيع أن يلمح إسقاطاً سياسياً مباشراً على القضية الفلسطينية، حيث تمثل دولة «بورافيا» القوى المستعمرة، بينما تظهر «جارهانبوريا» الدولة الضعيفة المحتلة كرمز واضح لمعاناة الشعب الفلسطيني.
وقد اعتبر بعض النقاد المحسوبين على الاحتلال أن الفيلم يتضمن هجاء مبطّناً للكيان المحتل، إلا أن صناع الفيلم، ومعظمهم من أصول يهودية، نفوا تماماً أي نية لاستهداف تل أبيب، مؤكدين أن القصة رمزية وشاملة لأي شكل من أشكال الظلم السياسي في العالم. فيما تدخل كثير من المعلقين، واعتبروا أن الهجوم على الفيلم من الأصوات الداعمة للكيان المحتل، يعكس تماهي المهاجمين مع القوى الشريرة بالفيلم، ويؤكد صحة موقف الفيلم من الاحتلال.
المؤكد، أنه مهما حاول صنّاع العمل التنصل عن التفسير السياسي المباشر، فإن الجمهور في أغلبه اختار أن يقرأ الفيلم من هذا المنظور، وهو ما جعل الفيلم محط جدل واسع، خاصة أنه يخالف الانحيازات المعتادة من هوليوود، بل يدين الولايات المتحدة نفسها، ويسخر من إدارتها، ومن تطويع إمكاناتها العسكرية والاقتصادية لخدمة دول تعتدي على جيرانها.
رؤية واقعية من جيمس جان
المخرج جيمس جان، الذي طالما عُرف بلمساته الفنية المجنونة وأفكاره غير التقليدية، خاصة في أفلام الأبطال الخارقين، أعاد تقديم سوبرمان برؤية جديدة لا ينفصل فيها الدور الإنساني عن الدور السياسي. لم يعد البطل الخارق مجرّد منقذ للناس من الكوارث الطبيعية أو غزو الكائنات الفضائية، بل أصبح ينقذ البشر من أنفسهم، ويمثل صوت الحق في عالم يسوده الضلال والالتباس الأخلاقي.
ومع أن السيناريو بدا طفوليا في بعض أجزائه، ووقع في فخ تكرار كليشيهات هذا النوع من الأفلام، وكرر شكل المطاردات والمعارك نفسها، إلا أنه نجح في تمرير رسائل عميقة. من أبرز هذه الرسائل تسليط الضوء على التضليل الإعلامي، وكيف تحوّلت وسائل الإعلام العالمية الكبرى إلى أدوات في أيدي من يحكمون العالم، تردد الأكاذيب وتعيد تشكيل الوعي بما يخدم مصالح القوى الكبرى. هذه النقطة بالتحديد كانت واحدة من أقوى إضاءات الفيلم وأكثرها قرباً من الواقع.
الإبهار البصري غائب حاضر
فيما يخص المؤثرات البصرية، اعتمد الفيلم على بعض المشاهد المبهرة، خصوصاً في التتابعات التي تدور داخل الأكوان الموازية، ومشهد انشطار الأرض إلى نصفين، الذي بدا أقرب إلى لوحة فنية مرعبة.
إلا أن الفيلم تعثّر بصرياً في مشاهد الحرب بين «بورافيا» و«جارهانبوريا»، حيث بدت المعارك العسكرية باهتة وغير متقنة، بالمقارنة مع بقية المشاهد، فلم تعكس حجم فداحة الموقف إنسانيا من حصار وتنكيل، وكأنها لُفقت على عجل لتأدية الغرض دون إبهار يُذكر. لكنها في المقابل قدمت نغزات عاطفية ناجحة بأقل الأدوات، تلك النغزات وصلت لذروتها في مشهد مؤثر، يقوم فيه طفل مسكين من شعب جارهانبوريا برفع لافتة ضخمة عليها شعار «سوبرمان»، كأنه يطلب منه النجدة في وجه الظلم، وهي من اللقطات التي ترتج فيها قاعات السينما بالتصفيق والتأييد.
أبطال خارقون على الهامش
الفيلم يقدّم عدداً من الشخصيات الخارقة إلى جانب سوبرمان، سواء من الحلفاء أو الأعداء، إلا أنه لم يمنحها العمق الكافي. كل شخصية بدت كأنها مجرد ظل، دون جاذبية درامية أو دوافع مقنعة للمتفرج بالتوحد مع هؤلاء. ورغم الجهد المبذول في التصميم البصري لتلك الشخصيات، لم تتمكن أي منها من سرقة الأضواء من «سوبرمان»، أو حتى ترك بصمة تذكر.
أما الممثل ديفد كورنسويت، الذي جسّد دور سوبرمان، فقد قدم أداء مقنعا جدا لشخصية البطل بجانبيها الحقيقي والمتنكر في هيئة صحافي. يمتلك كورنسويت الوسامة والكاريزما والقوة البدنية التي تتطلبها الشخصية، وتمكّن من مزج القوة بالهدوء، والصرامة بالرحمة، مما جعله اختيارا موفقا للغاية، وربما يكون هذا الدور بوابة لانطلاقة أكبر في مسيرته الفنية، وبذرة لسلسلة ممتدة من الأفلام الناجحة عن الشخصية نفسها.
البطولة كما يجب أن تكون
ختاماً، فيلم سوبرمان الجديد هو بلا شك تجربة بعيدة عن التوقعات، قد لا ترضي كل محبي أفلام الأبطال الخارقين الباحثين عن الترفيه الخالص، لكنها ستروق لمن يبحث عن قصة تمس الواقع وتحاكي أزمات عالمنا من زاوية فنية.
ورغم أن السيناريو لم يكن في أفضل حالاته، ورغم التفاوت في مستوى الإبهار البصري، فإن الفيلم يملك ما يكفي من الجرأة والطموح ليفتح بابا جديدا أمام هذا النوع من الأفلام، بابا يرى أن البطل الخارق لم يعد مجرد شخصية كرتونية، بل قد يصبح ضميراً للعالم.