اخبار الكويت
موقع كل يوم -جريدة القبس الإلكتروني
نشر بتاريخ: ٢٤ تشرين الأول ٢٠٢٥
وليد منصور -
أفاد تقرير حديث على فايننشال تايمز، بأن موجة أدوية فقدان الوزن، وفي مقدمتها «أوزمبيك» و«مونجارو»، بدأت تغيّر ملامح الحياة الاجتماعية والمهنية في أوساط المال والأعمال، بعد أن امتدت آثارها من صالات الرياضة إلى موائد الاجتماعات والغداءات الرسمية، لتتحول من مجرد ظاهرة صحية إلى عامل مؤثر في عادات الأكل والتواصل داخل عالم الشركات.
يشير التقرير إلى أن كثيراً من التنفيذيين والعاملين في القطاع المالي بلندن باتوا يتناولون وجبات أخف بكثير أثناء لقاءاتهم المهنية، حيث يكتفي بعضهم بطبق واحد أو مقبّل صغير، فيما يتراجع حضور الأطباق المتعددة والمشروبات، التي لطالما رافقت «الغداء الطويل» الشهير، الذي كان بمنزلة مساحة ذهبية لعقد الصفقات وبناء العلاقات.
ويصف التقرير مشهداً أصبح مألوفاً في مطاعم الحي المالي: ضيوف يدفعون طعامهم على الأطباق بتردد، قبل أن يعتذروا عن إكماله، أو يكتفون بشرب القهوة لإنهاء اللقاء.
ويضيف التقرير أن مطاعم لندن الراقية ـ التي تعاني أصلاً من ارتفاع تكاليف العمالة وأسعار المواد - باتت تواجه تحدياً جديداً، يتمثل في زبائن أقل شهية وأقل إنفاقاً. فقد لاحظ عدد من أصحاب المطاعم انخفاضاً واضحاً في الطلب على المقبلات والحلويات، وزيادة عدد الأطباق غير المكتملة، وهو ما يرونه مؤشراً على التأثير المباشر لانتشار أدوية كبح الشهية.
التحوّل الصحي
وبحسب بيانات، نقلتها فايننشال تايمز عن معهد الأبحاث الأمريكي Rand، فإن نحو %12 من الأمريكيين استخدموا هذه الأدوية، فيما أشارت شركة IQVIA البريطانية إلى أن 1.4 مليون شخص في المملكة المتحدة اشتروا الدواء حتى أبريل الماضي.
ويؤكد التقرير أن هذه الأدوية غيّرت حياة كثيرين، إذ ساعدتهم على تحسين صحتهم وخفض أوزانهم بشكل لافت، غير أن هذا التحول الصحي انعكس اجتماعياً على سلوك تناول الطعام وأجواء اللقاءات المهنية.
وترى الصحيفة أن هذه التغيرات تشكّل تهديداً جديداً لما تسميه «فن غداء رجال الأعمال» - وهو تقليد راسخ في عالم المال، يتيح للمديرين والمسؤولين بناء الثقة مع العملاء وإبرام الاتفاقات في أجواء غير رسمية.
وتوضح جولي ماكين، الشريكة ورئيسة قطاع الإعلام والترفيه في شركة البحث التنفيذي Odgers Berndtson، أن «الغداء الطويل يتيح فرصة للتعمق في المحادثات وبناء التفاهم. وحتى فنجان القهوة في نهايته يكون أحياناً رغبة في استمرار الحديث أكثر من كونه حاجة إلى الكافيين».
وتضيف أن شخصاً يكتفي بطبق سلطة واحد «قد يخلّ بالتوازن الاجتماعي، الذي يجعل تلك اللقاءات مثمرة وممتعة في آن».
واقع جديد
ويبرز التقرير أن بعض مستخدمي هذه الأدوية لا يجدون حرجاً في الحديث عنها في بيئة العمل، بينما يفضل آخرون الصمت تجنباً للإحراج.
ومن بين من يتعاملون مع الأمر بانفتاح، السير نايجل بوردمان، الشريك السابق في شركة المحاماة Slaughter and May، الذي أشرف على تحقيقات حكومية بارزة في بريطانيا. إذ يقول: «أنا منفتح تماماً بشأن استخدامي للدواء، فهو إجراء صحي منطقي أشبه بالاستعانة بمدرب شخصي. أرى دواء مونجارو بهذا الشكل تماماً». ويضيف: «ان كانت النتيجة أن يصبح غداء العمل أقصر قليلاً، فلا بأس».
أما على الجانب الآخر، فيحاول أصحاب المطاعم التكيّف مع واقع جديد، يتمثل في زبائن يأكلون أقل، لكنهم لا يزالون يرغبون في الاجتماع والتواصل.
ويقول ويل بيكيت، المؤسس المشارك والرئيس التنفيذي لسلسلة مطاعم Hawksmoor البريطانية الشهيرة، إن المسألة باتت أكثر وضوحاً في الفترة الأخيرة: «نلاحظ أن الأمر أصبح أكثر انتشاراً، لكن الناس لا يتحدثون عنه كثيراً. بدأنا نفكر في تقديم قوائم تسمح لمن لديهم شهية أقل بأن يخرجوا ويستمتعوا بتجربة المطعم، لأن الرغبة في التواصل الاجتماعي وتناول طعام لذيذ لا تزال قائمة».
وفي هذا السياق، نقلت الصحيفة أن بعض المطاعم الشهيرة بادرت فعلاً إلى تعديل قوائمها. فمطعم The Fat Duck، للطاهي البريطاني الشهير هيستون بلومنثال، أطلق قائمة «تجربة واعية»، تتضمن تقليص حجم الحصص وأسعارها. ويقول بلومنثال: «أشعر منذ مدة أن المشهد الغذائي يتغير تدريجياً، وأن الناس باتوا يبحثون عن الشعور بالرضا لا الامتلاء. وأعتقد أن صعود أدوية فقدان الوزن سيسرّع هذا التحول».
كما ينقل التقرير عن الطاهي توم براون، في The Capital Hotel، أنه بدوره يغيّر قائمة مطعمه لتقدّم أطباقاً أخف وأكثر مرونة، مؤكداً من تجربته الشخصيةن بعد استخدامه دواء مونجارو، أن «الناس قادرون على التكيف والاستمتاع بوجبة لطيفة حتى مع الشهية المحدودة».
أما كيت نيكولز، رئيسة اتحاد المطاعم البريطاني UK Hospitality، فترى أن المشهد العام في قطاع الضيافة يتجه نحو «الأطباق الصغيرة والمشاركة وتخفيف الكحول»، لكنها لا تعتقد أن «غداء العمل» سينتهي. وتضيف: «القوائم تتغير، لكن الهدف لا يزال نفسه - اللقاء وبناء العلاقات. فكما تأقلمنا سابقاً مع وجبات أقصر ومشروبات أقل، سنعتاد اليوم على طاولات أخفّ وطعام أقل».
غرف الطعام الخاصة
يشير التقرير إلى أن بعض المطاعم لاحظ منذ سنوات تراجعاً في الغداءات، التي تُموّل ببطاقات الشركات، إذ قال ديفيد مور، مالك مطعم Pied à Terre الحاصل على نجمة ميشلان: «غداء العمل أخذ يتراجع كنسبة من المبيعات على مدى السنوات. نرى القليل من بطاقات الشركة وقت الغداء». لكنه لفت إلى أن غرف الطعام الخاصة أصبحت أكثر ازدحاماً، حيث تُعقد فيها اجتماعات مغلقة للحديث عن «الذكاء الاصطناعي» وعمليات الاستحواذ، وتُقام وجبات احتفالية بعد إتمام الصفقات.
موجات حميات سابقة
ترى فايننشال تايمز أن القطاع لا يزال متفائلاً رغم هذه التحولات. فالتاريخ يشير إلى أن المطاعم نجت من موجات الحميات السابقة، مثل حمية أتكينز و«5:2»، عبر المرونة والتكيف. ومع اتجاه الحكومة البريطانية لتوسيع إتاحة أدوية فقدان الوزن، من المرجح أن يمتد تأثير الظاهرة بشكل أوسع خلال السنوات المقبلة.
ويختم التقرير بإشارة لافتة إلى أن بعض التنفيذيين يحاولون التعامل مع الوضع الجديد بروح الدعابة، إذ نقلت الصحيفة عن أحد مديري شركات التأمين أنه يخطط لإقامة «حفلة أوزمبيك» قبل أن يبدأ باستخدام الدواء لاحقاً هذا العام - حفلة عشاء أخيرة لتناول ما يمكن من شرائح اللحم قبل أن يضع شوكته جانباً إلى أجل غير مسمّى.


































