اخبار الاردن
موقع كل يوم -وكالة مدار الساعة الإخبارية
نشر بتاريخ: ٨ أيار ٢٠٢٥
منذ أن سقط النظام السوري السابق قبل عدة أشهر، اتخذت إسرائيل موقفاً عدائياً من النظام الجديد، فأعلنت عن عدم التزامها باتفاقية فصل القوات التي كانت مُبرمة بينها وبين النظام السابق منذ عام 1974، واحتلت أجزاء جديدة من جنوب سوريا وبعض أعالي جبل الشيخ، معلنةً أنّ هذه الأراضي (محافظات جنوب سوريا: القنيطرة، درعا، السويداء) يجب أن تكون 'منزوعة السلاح'، وغني عن القول أنها دمرت في غارات متواصلة، معظم مقدرات الجيش السوري السابق. ويبدو أن إسرائيل لم تعد تكتفي بما فعلته حتى الآن، بل بدأت بتحريض الدروز على التمرد على السلطة الانتقالية الجديدة في سوريا مدعيةً أنها معنية بالدفاع عن حقوقهم، وبخاصة أنّ 'إخوانهم' في إسرائيل يدافعون عن إسرائيل وينخرطون في الجيش الإسرائيلي. ولكن... ماذا تريد إسرائيل حقيقةً من سوريا؟ إنها تريد ببساطة أن تبقى سوريا ضعيفة، غير قادرة على حماية نفسها، وصولا إلى التفاهم معها، والانضمام إذا أمكن ولو بعد حين، إلى 'الاتفاقيات الإبراهيمية' التي طبّعت من خلالها بعض الدول العربية مع إسرائيل، والواقع أن إسرائيل كانت تفضل دائماً ما هو أكثر من ذلك أيّ تقسيم سوريا وتفكيكها بحيث تكون هناك دولة علوية في الساحل السوري، وأخرى سنية في الوسط، وثالثة كردية في الشمال وشرق سوريا، ورابعة درزية في الجنوب، ولكن من الواضح أن هذا الحلم الإسرائيلي غير قابل للتحقيق، وذلك بالنظر إلى الاعتبارات الآتية: أولاً: رفض الشعب السوري بشكل عام لتقسيم سوريا، والواقع أنه قد تكون هناك أصوات ضمن ما يُسمى ببعض مكونات (أو أقليات الشعب السوري) قد تكون راغبة في الانفصال، ولكن هذه الأصوات تظل هامشية وغير مؤثرة، فضلاً عن أنّ هناك عوامل موضوعية تحول دون هذا التقسيم ففيما يتعلق بالأكراد تقف تركيا (وهي قوة إقليمية وازنة وعضو في حلف الأطلسي) بصرامة ضد تكوين 'دولة كردية' فضلاً عن الدول الأخرى التي يتواجد فيها الأكراد كالعراق وإيران، وفيما يتعلق 'بالدروز' فإنهم يعانون من انقسام تاريخي بين زعاماتهم، وقد حمل زعيمهم التاريخي 'سلطان باشا الأطرش' لواء الثورة ضد الاستعمار الفرنسي في عام 1925، كما أن أحد زعمائهم الأفذاذ وهو المرحوم 'كمال جنبلاط' كان قائداً للحركة الوطنية اللبنانية والفلسطينية التي وقفت في وجه القوى الانعزالية في لبنان، ولا يخفى على أحد الموقف العروبي القوي الذي يأخذه الآن الزعيم اللبناني 'وليد جنبلاط' ضد أية نزعة انفصالية للدروز السوريين مناصرةً لإسرائيل وللعيش في ظل حمايتها. ثانياً: الموقف الدولي وبالذات الأمريكي الرافض لتقسيم سوريا. صحيح أن الإدارة الأمريكية الحالية منقسمة على نفسها فيما يتعلق بالتعامل مع السلطة الانتقالية الجديدة في دمشق، ولكن مصالحها وتحالفاتها في المنطقة العربية تفرض عليها آجلاً أو عاجلاً أن تتعامل مع الوضع الجديد في سوريا كما فعلت أوروبا وأن تحول دون خلق حالة فوضى في سوريا حيث ما زالت هناك قواعد روسية، وحيث ما زالت هناك تجمعات إرهابية كبيرة (داعش في البادية السورية) تترصد أية حالة فوضى لكي ترفع رأسها وتتمدد من جديد! ثالثاً: الموقف الإقليمي حيث تستند السلطة الانتقالية الجديدة في سوريا إلى دعم تركي ثابت وقوي، الأمر الذي يزعج إسرائيل، ولكنها لا تستطيع أن تفعل إزاءه الشيء الكثير فالجيش التركي قوي (رقم 9 ضمن أقوى جيوش العالم حسب تصنيفات الجهات العالمية المختصة) ولها حدود تزيد عن 900 كم مع سوريا، وهي معنية بقوة بالشأن السوري بحكم 'القضية الكردية' التي تفرض نفسها على الطرفين (السوري والتركي). إنّ تركيا قد تتسامح في بعض التنازلات لإسرائيل في الجنوب السوري، ولكنها بالقطع لن تسمح بالتنازل عن حليفها السوري الجديد بعد أن عانت ما عانته مع 'نظام بشار الأسد' وحليفه الإيراني. إنّ مما لا شك فيه أن تركيا حققت نصراً 'جيوسياسياً' بالتغيير الذي حصل في دمشق ومن المؤكد أنها ليست في وارد التنازل عنه، وهذا يصب في النهاية في صالح سوريا وبالضد من المطامع الإسرائيلية المتنامية. رابعاً: الموقف العربي الذي يرى خطراً داهماً في تقسيم سوريا وتمزيقها إلى دويلات وبالذات بعض هذه الدويلات التي يمكن أن تعيش في حمى إسرائيل ومن خلال تنفيذ مخططاتها. إنّ الأردن سوف يتضرر مباشرةً من قيام 'كيان درزي' في جنوب سوريا حيث سيصبح محاطاً من أعدائه من الغرب (إسرائيل) ومن الشمال (جنوب سوريا)، كما أن العراق سوف يتضرر من قيام أيّ كيان كردي على حدوده وبخاصة أنّه يعاني من شبه استقلال 'إقليم كردستان' في شماله، أمّا لبنان فمن مصلحته بالتأكيد 'نهوض' سوريا الجديدة القادرة على التصدي للخطر الإيراني وتحالفه مع 'حزب الله' في الداخل اللبناني وبخاصة أن لبنان يحاول أن يفرض سلطة الدولة على أراضيه بحيث تصبح حيازة السلاح هي حق حصري للدولة. إنّ إسرائيل وفق هذا التحليل لا تستطيع تحقيق أقاصي أمانيها وهي 'تقسيم سوريا'، ولذا فإنّ من المتوقع أن تسعى بوسيلة أو بأخرى، الآن أو في المستقبل المنظور إلى تحقيق الهدف الواقعي والممكن وهو 'تحييد' سوريا أو ضمها إلى قطار 'التطبيع' العربي الذي يبدو سائراً إلى الأمام بسبب الضعف العربي، والأوضاع الإقليمية، والدولية.
منذ أن سقط النظام السوري السابق قبل عدة أشهر، اتخذت إسرائيل موقفاً عدائياً من النظام الجديد، فأعلنت عن عدم التزامها باتفاقية فصل القوات التي كانت مُبرمة بينها وبين النظام السابق منذ عام 1974، واحتلت أجزاء جديدة من جنوب سوريا وبعض أعالي جبل الشيخ، معلنةً أنّ هذه الأراضي (محافظات جنوب سوريا: القنيطرة، درعا، السويداء) يجب أن تكون 'منزوعة السلاح'، وغني عن القول أنها دمرت في غارات متواصلة، معظم مقدرات الجيش السوري السابق.
ويبدو أن إسرائيل لم تعد تكتفي بما فعلته حتى الآن، بل بدأت بتحريض الدروز على التمرد على السلطة الانتقالية الجديدة في سوريا مدعيةً أنها معنية بالدفاع عن حقوقهم، وبخاصة أنّ 'إخوانهم' في إسرائيل يدافعون عن إسرائيل وينخرطون في الجيش الإسرائيلي.
ولكن... ماذا تريد إسرائيل حقيقةً من سوريا؟
إنها تريد ببساطة أن تبقى سوريا ضعيفة، غير قادرة على حماية نفسها، وصولا إلى التفاهم معها، والانضمام إذا أمكن ولو بعد حين، إلى 'الاتفاقيات الإبراهيمية' التي طبّعت من خلالها بعض الدول العربية مع إسرائيل، والواقع أن إسرائيل كانت تفضل دائماً ما هو أكثر من ذلك أيّ تقسيم سوريا وتفكيكها بحيث تكون هناك دولة علوية في الساحل السوري، وأخرى سنية في الوسط، وثالثة كردية في الشمال وشرق سوريا، ورابعة درزية في الجنوب، ولكن من الواضح أن هذا الحلم الإسرائيلي غير قابل للتحقيق، وذلك بالنظر إلى الاعتبارات الآتية:
أولاً: رفض الشعب السوري بشكل عام لتقسيم سوريا، والواقع أنه قد تكون هناك أصوات ضمن ما يُسمى ببعض مكونات (أو أقليات الشعب السوري) قد تكون راغبة في الانفصال، ولكن هذه الأصوات تظل هامشية وغير مؤثرة، فضلاً عن أنّ هناك عوامل موضوعية تحول دون هذا التقسيم ففيما يتعلق بالأكراد تقف تركيا (وهي قوة إقليمية وازنة وعضو في حلف الأطلسي) بصرامة ضد تكوين 'دولة كردية' فضلاً عن الدول الأخرى التي يتواجد فيها الأكراد كالعراق وإيران، وفيما يتعلق 'بالدروز' فإنهم يعانون من انقسام تاريخي بين زعاماتهم، وقد حمل زعيمهم التاريخي 'سلطان باشا الأطرش' لواء الثورة ضد الاستعمار الفرنسي في عام 1925، كما أن أحد زعمائهم الأفذاذ وهو المرحوم 'كمال جنبلاط' كان قائداً للحركة الوطنية اللبنانية والفلسطينية التي وقفت في وجه القوى الانعزالية في لبنان، ولا يخفى على أحد الموقف العروبي القوي الذي يأخذه الآن الزعيم اللبناني 'وليد جنبلاط' ضد أية نزعة انفصالية للدروز السوريين مناصرةً لإسرائيل وللعيش في ظل حمايتها.
ثانياً: الموقف الدولي وبالذات الأمريكي الرافض لتقسيم سوريا. صحيح أن الإدارة الأمريكية الحالية منقسمة على نفسها فيما يتعلق بالتعامل مع السلطة الانتقالية الجديدة في دمشق، ولكن مصالحها وتحالفاتها في المنطقة العربية تفرض عليها آجلاً أو عاجلاً أن تتعامل مع الوضع الجديد في سوريا كما فعلت أوروبا وأن تحول دون خلق حالة فوضى في سوريا حيث ما زالت هناك قواعد روسية، وحيث ما زالت هناك تجمعات إرهابية كبيرة (داعش في البادية السورية) تترصد أية حالة فوضى لكي ترفع رأسها وتتمدد من جديد!
ثالثاً: الموقف الإقليمي حيث تستند السلطة الانتقالية الجديدة في سوريا إلى دعم تركي ثابت وقوي، الأمر الذي يزعج إسرائيل، ولكنها لا تستطيع أن تفعل إزاءه الشيء الكثير فالجيش التركي قوي (رقم 9 ضمن أقوى جيوش العالم حسب تصنيفات الجهات العالمية المختصة) ولها حدود تزيد عن 900 كم مع سوريا، وهي معنية بقوة بالشأن السوري بحكم 'القضية الكردية' التي تفرض نفسها على الطرفين (السوري والتركي). إنّ تركيا قد تتسامح في بعض التنازلات لإسرائيل في الجنوب السوري، ولكنها بالقطع لن تسمح بالتنازل عن حليفها السوري الجديد بعد أن عانت ما عانته مع 'نظام بشار الأسد' وحليفه الإيراني. إنّ مما لا شك فيه أن تركيا حققت نصراً 'جيوسياسياً' بالتغيير الذي حصل في دمشق ومن المؤكد أنها ليست في وارد التنازل عنه، وهذا يصب في النهاية في صالح سوريا وبالضد من المطامع الإسرائيلية المتنامية.
رابعاً: الموقف العربي الذي يرى خطراً داهماً في تقسيم سوريا وتمزيقها إلى دويلات وبالذات بعض هذه الدويلات التي يمكن أن تعيش في حمى إسرائيل ومن خلال تنفيذ مخططاتها. إنّ الأردن سوف يتضرر مباشرةً من قيام 'كيان درزي' في جنوب سوريا حيث سيصبح محاطاً من أعدائه من الغرب (إسرائيل) ومن الشمال (جنوب سوريا)، كما أن العراق سوف يتضرر من قيام أيّ كيان كردي على حدوده وبخاصة أنّه يعاني من شبه استقلال 'إقليم كردستان' في شماله، أمّا لبنان فمن مصلحته بالتأكيد 'نهوض' سوريا الجديدة القادرة على التصدي للخطر الإيراني وتحالفه مع 'حزب الله' في الداخل اللبناني وبخاصة أن لبنان يحاول أن يفرض سلطة الدولة على أراضيه بحيث تصبح حيازة السلاح هي حق حصري للدولة.
إنّ إسرائيل وفق هذا التحليل لا تستطيع تحقيق أقاصي أمانيها وهي 'تقسيم سوريا'، ولذا فإنّ من المتوقع أن تسعى بوسيلة أو بأخرى، الآن أو في المستقبل المنظور إلى تحقيق الهدف الواقعي والممكن وهو 'تحييد' سوريا أو ضمها إلى قطار 'التطبيع' العربي الذي يبدو سائراً إلى الأمام بسبب الضعف العربي، والأوضاع الإقليمية، والدولية.