اخبار الاردن
موقع كل يوم -جو٢٤
نشر بتاريخ: ١٨ تشرين الأول ٢٠٢٥
'الفوترة الإلكترونية'.. مشنقة للمشاريع الصغيرة أم إصلاح ضريبي ضروري؟ #عاجل
تقرير: مالك عبيدات – الأردن 24
حذّر الناشط الاقتصادي ليث دويكات من أن تطبيق نظام الفوترة الإلكترونية الجديد بشكل مفاجئ ومن دون مراعاة خصوصية المشاريع الصغيرة والمتوسطة، يشكّل 'مشنقة اقتصادية' تهدّد آخر بقايا الحلقات الصناعية والمطابخ الإنتاجية المنزلية في الأردن.
وقال دويكات في تصريحاتٍ لـ'الأردن 24' إن ما يقارب نصف مشتريات مشروعه 'روابي فرح' تأتي من مطابخ إنتاجية منزلية في المحافظات، مشيرًا إلى أن هؤلاء المنتجين البسطاء يعتمدون على هذا العمل كمصدر رزق أساسي، وأن القرار الجديد قد يؤدي إلى توقفهم عن العمل بالكامل.
> 'هؤلاء الناس يصنعون المكدوس واللبن والخلد وغير ذلك من المنتجات المحلية. هم عماد الاقتصاد الصغير، ونموذج ناجح لتوسيع الإنتاج المحلي ورفع دخل الأفراد ومحاربة البطالة التي تتجاوز فعليًا 40% بين الشباب'، قال دويكات.
وأكد أن تطبيق نظام الفوترة الإلكترونية على هذه الفئة سيقود إلى نتائج 'كارثية'، لافتًا إلى أن أغلب المطابخ والمشاريع المنزلية لا تمتلك فواتير رسمية أو أنظمة محاسبية متخصصة، ما يجعلها عاجزة عن الالتزام بالمتطلبات الجديدة.
وأوضح أن كثيرًا من هذه المشاريع ترفد خزينة الدولة بالضرائب بشكل غير مباشر من خلال الشركات التي تتعامل معها، مبينًا أن الدولة 'لا تعترف بهم رسميًا رغم أنهم يحققون قيمة مضافة واضحة للاقتصاد الوطني'.
> وأضاف: 'نحن اليوم أمام خطوة انتحارية ستدمّر جهودنا في دعم الإنتاج المحلي وتشغيل الشباب. الدولة تقول إن من تقل مبيعاته عن 75 ألف دينار سنويًا لا يخضع للضريبة، فكيف تُلزمه بنظام فوترة إلكتروني مكلف ومعقد؟'
وأشار دويكات إلى أن القرار قد يدفع بعض المنتجين لنقل نشاطهم إلى دول أخرى أو العمل خارج الإطار الرسمي، وهو ما سيؤدي إلى خسارة اقتصادية مزدوجة للدولة والمجتمع.
وختم حديثه بالقول:
> 'نحن لا نعارض تنظيم السوق، لكننا نطالب بتطبيق تدريجي للفوترة الإلكترونية، مع إعفاءات واضحة وتسهيلات للمشروعات الصغيرة. المطلوب حماية الاقتصاد المحلي لا خنقه. الأرض أرضنا، والهوا هوانا، وواجبنا نحافظ على بلدنا وننميه لا نحمّله ما لا يحتمل.'
---
الكتوت: نظام الفوترة الإلكترونية يكشف خلل السياسة الضريبية ويهدد صغار المنتجين
من جانبه، قال الخبير الاقتصادي والأمين العام للحزب الشيوعي الأردني الدكتور فهمي الكتوت إن نظام الفوترة الإلكترونية الذي بدأ سريانه تدريجيًا على جميع المكلّفين الذين يحققون إيرادات خاضعة للضريبة، بما في ذلك المنشآت الصغيرة، اعتبارًا من نيسان 2025، يستند إلى المادة (23) من قانون ضريبة الدخل رقم (38) لسنة 2018، التي أجازت لدائرة ضريبة الدخل والمبيعات استخدام الأنظمة الإلكترونية لتنظيم الفواتير. وقد تم تنظيم ذلك بموجب نظام الفوترة الإلكترونية رقم (33) لسنة 2019 والتعليمات التنفيذية الصادرة لاحقًا.
وأوضح الكتوت أن المشرّع وضع هذا النظام بهدف مكافحة التهرب الضريبي ورفع كفاءة التحصيل، لتصبح الفاتورة الإلكترونية وثيقة قانونية معتمدة لأغراض المحاسبة والضريبة.
وبيّن أن المؤسسة التي لا تتعامل بنظام الفوترة لا تُعتمد فواتيرها كنفقات ضمن تكلفة السلع أو الخدمات المقدَّمة، ما يؤدي إلى ظهور أرباح دفترية وهمية تُعدّ خاضعة للضريبة. وهذا يدفع المنتج أو التاجر إلى تجنّب التعامل مع الجهات غير الملتزمة بالفوترة الإلكترونية، الأمر الذي يعرّض المؤسسات الصغيرة لخطر الخروج من السوق إذا لم تصدر فواتير إلكترونية، بما في ذلك المطابخ المنزلية التي تؤمّن منتجات غذائية للمحال التجارية وتسهم في تأمين لقمة العيش لأسرها.
وأكد الكتوت أن الهدف الرئيس من نظام الفوترة هو إلزام قطاع المهنيين والمؤسسات الصغيرة بالخضوع للرقابة الضريبية الشاملة (ضريبتي الدخل والمبيعات). غير أن هذه الفئة من المكلّفين تجد نفسها غالبًا خاضعة لضريبة المبيعات رغم أنها لا تخضع أصلًا لضريبة الدخل.
وأشار إلى أن صغار المنتجين والمتاجر الصغيرة يواجهون معضلة واضحة، فمثلًا منتِج صغير تبلغ مبيعاته السنوية نحو 30 ألف دينار (حد التسجيل)، يُقدَّر صافي دخله السنوي بنحو 7500 دينار فقط، أو محل بقالة (ميني ماركت) مبيعاته 70 ألف دينار وأرباحه 14 ألف دينار، في كلتا الحالتين لا يخضع لضريبة الدخل لكون دخله محدودًا، لكنه يخضع لضريبة المبيعات بنسبة 16%، فضلًا عن الأعباء المالية والإدارية المترتبة على تنظيم الحسابات الإلكترونية.
وأضاف الكتوت أن هذا الوضع يفقد المؤسسات الصغيرة قدرتها على المنافسة، وهي أسباب كافية لخروجها من السوق، سواء التزمت بالفوترة – بسبب ارتفاع الكلف – أو لم تلتزم – لعدم التعامل معها من قبل المؤسسات الأخرى.
وأشار إلى أن حصة ضريبة المبيعات تفوق أحيانًا حصة المنتج أو التاجر الصغير من إجمالي المبيعات، ما يشير إلى ارتفاع العبء الضريبي وتحويل المكلّف الصغير فعليًا إلى 'جابي ضرائب' لصالح الدولة، إذا قُدّر له الاستمرار في العمل.
وقال الكتوت إن هذا التحليل لا يعني القبول بالتهرب الضريبي، بل يؤكد ضرورة وجود سياسة ضريبية عادلة تحدّ من التهرب وتنسجم مع النص الدستوري في المادة (111) التي توجب تبنّي مبدأ التكليف التصاعدي في فرض الضرائب، وبما يراعي قدرة المكلّفين على الأداء ولا يتجاوز حاجاتهم الأساسية.
وأضاف أن الضرائب غير المباشرة، بطبيعتها، تقع على كاهل جميع المواطنين بغضّ النظر عن مستويات دخولهم، ما يعني تحميل الطبقات الشعبية والفئات الوسطى العبء الأكبر في تمويل الخزينة. وأوضح أن هذه الضرائب تشكّل نحو 75% من الإيرادات الضريبية، وهي ضرائب لا تستند إلى المبدأ التصاعدي، مثل ضريبة المبيعات والضرائب الخاصة على المحروقات وبعض الخدمات الأخرى.
ولفت الكتوت إلى أن هذا التوجّه يخدم كبار الرأسماليين، فيما يُحمّل الفئات الشعبية أعباءً ضريبية غير مباشرة، فُرضت منذ إخضاع الاقتصاد الأردني لإملاءات صندوق النقد الدولي وسياسات التكيّف الهيكلي، التي قامت على تقليص الضرائب المباشرة – وخاصة ضريبة الدخل – التي كان من المفترض أن تكون تصاعدية وعادلة، وتعويض ذلك بزيادة الضرائب غير المباشرة.
وبيّن أن هذه السياسات أدت إلى تراجع معدلات النمو الاقتصادي إلى نحو 2.5% خلال العقد الأخير، واستنزاف دخول المواطنين، وتقليص القدرة الشرائية، نتيجة تراجع الطلب الكلي، ما كرّس حالة التباطؤ الاقتصادي وزاد من معدلات البطالة والفقر، ووسّع الفجوة الطبقية.
وختم الكتوت بالقول إن بناء نظام ضريبي عادل يتطلب إعادة توزيع العبء الضريبي بتخفيض الضرائب غير المباشرة، وضمان مساهمة الفئات القادرة بنصيب أكبر في تمويل الخزينة العامة. ولتحقيق ذلك، دعا إلى:
1. إعادة هيكلة ضريبة الدخل بما يحقق تصاعدًا فعليًا على الأرباح والدخول العليا، ويُخفف العبء عن أصحاب الدخول المتدنية والمتوسطة.
2. تخفيض ضريبة المبيعات والضرائب الخاصة على السلع والخدمات الأساسية، وتحويلها تدريجيًا إلى ضرائب على الدخل والأرباح الرأسمالية.
3. دعم القطاع الصغير والحرفي والمهني عبر حوافز ضريبية وتشريعية، تُمكّنه من الالتزام الطوعي بنظام الفوترة دون أن يتحول إلى أداة جباية.
4. تفعيل الرقابة على الشركات الكبرى والمكلفين الكبار الذين يستفيدون من الإعفاءات والتحايلات، بدلًا من ملاحقة الفئات الصغيرة.
5. إعادة النظر بالسياسات الاقتصادية المرتبطة ببرامج صندوق النقد الدولي التي فرضت أعباءً ضريبية غير عادلة وأضعفت الإنتاج الوطني.
خلاصة المشهد
بين تحذيرات الناشطين وملاحظات الاقتصاديين، يقف نظام الفوترة الإلكترونية عند مفترق طرق بين هدفين متناقضين:
محاربة التهرب الضريبي من جهة، وحماية المشاريع الصغيرة من الانهيار من جهة أخرى.
ويبقى التحدي أمام الحكومة هو تحقيق التوازن بين التنظيم والعدالة الاقتصادية، بحيث لا يتحول الإصلاح إلى عبء جديد على الفئات المنتجة والبسيطة في المجتمع الأردني.