اخبار الاردن
موقع كل يوم -جو٢٤
نشر بتاريخ: ٩ أب ٢٠٢٥
غزة تحت المجهر: خطة نتنياهو وملامح استعمار جديد بثوب أمني
د. خالد العاص
تُظهر خطة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الأخيرة للسيطرة على مدينة غزة بوادر تحوّل استراتيجي خطير في طبيعة الحرب الجارية على القطاع، حيث تنتقل إسرائيل من سياسة ضربات موضعية إلى مشروع إعادة احتلال تدريجي، مدعوم بخطاب أمني وبُنى إدارية بديلة، وغير أن ما يقدَّم للرأي العام على أنه خطة أمنية لإنهاء الحرب ليس سوى إعادة هندسة قسرية للمشهد الفلسطيني، تحمل بين طياتها بذور انفجار جديد قد يكون أكثر اتساعًا وخطورة.
الخطة التي أقرها المجلس الوزاري المصغر الكابينت لم تُخفِ طموحها بفرض السيطرة الإسرائيلية على قطاع غزة كأمر واقع، ضمن إطار من إعادة البناء وتسليم المساعدات، لكنها تُخفي تحت هذا الغلاف أهدافًا أعمق وهي: سحق مشروع المقاومة، وإنهاء وجود حماس، وفرض شكل حكم محلي ضعيف يتوافق مع التصور الإسرائيلي – لا الفلسطيني – لحل ما بعد الحرب.
بعيدًا عن التفاصيل العملياتية، تكشف هذه المقاربة عن فشل سياسي إسرائيلي في إنتاج حل واقعي ومستدام؛ فعلى الرغم من العمليات العسكرية الكثيفة، لا تزال قضية الأسرى تشكل نقطة توتر داخلية في إسرائيل، في ظل تحذيرات خبراء عسكريين من مغبّة التورط في معركة شاملة داخل مدينة مكتظة كغزة. التصعيد يُهدّد بوقوع خسائر مدنية فادحة، ويزيد من عزلة إسرائيل دوليًا وسط تزايد الإدانات وتحذيرات منظمات الإغاثة من كارثة إنسانية وشيكة.
الأخطر أن الخطة تتجاهل عمق المأساة الإنسانية في القطاع، حيث تفيد تقارير بأن 99 شخصًا – بينهم 29 طفلًا – لقوا حتفهم جراء سوء التغذية منذ بداية العام، وهي أرقام مرشحة للارتفاع مع استمرار الحصار المشدد. ففي حين تُمنع وكالات الإغاثة من أداء دورها، ويُفرض على المدنيين النزوح مجددًا، لا تقدّم الخطة أي ضمانات واقعية لحماية السكان أو تأمين احتياجاتهم، بل تعمّق مأساة شعب بات محاصرًا بالجوع والبارود.
وفي ظل هذا الواقع، يُطرح سؤال جوهري: هل تعني السيطرة الأمنية التي تحدث عنها نتنياهو بداية مرحلة احتلال ناعم يعيد إنتاج نموذج ما قبل 2005؟ وهل يمكن فعليًا بناء إدارة مدنية جديدة بلا قبول شعبي أو إطار سياسي جامع؟ الإجابة الأقرب للواقع أن هذا النهج لن يؤدي سوى إلى إعادة إنتاج الأزمة، وتعميق العداء، وربما إشعال جولات صراع جديدة أشد عنفًا.
خلاصة المشهد أن غزة تُراد لها أن تُحكم لا أن تُعالج. أن تُدار من الخارج لا أن تُبنى من الداخل. وأن تُقدّم كجائزة حرب لخصوم المقاومة، لا كوطن لشعبها المكلوم، وهنا، يصبح واجب العالم – وليس الفلسطينيين فقط – أن يقف أمام مشروع إعادة الاحتلال المتدثّر بلغة الأمن والمساعدات، لأن الشرعية لا تُبنى على الدبابة، والمستقبل لا يُصنع على أنقاض المجاعة.