اخبار الاردن
موقع كل يوم -جو٢٤
نشر بتاريخ: ٢٠ تموز ٢٠٢٥
نتنياهو وخطة مارشال
د. هاني العدوان
في تسجيل مسرب يتحدث نتنياهو الى ايلون ماسك كاشفا دون مواربة عن مشروع بالغ الخطورة ، مشروع لا يتوقف عند دمار غزة ولا ينتهي باسكات صوت المقاومة ، بل يبدأ بعد الصمت مباشرة بخطة مارشال جديدة ، خطة ظاهرها اعادة الاعمار وباطنها اعادة تشكيل الانسان العربي ، دينه ، لغته ، ذاكرته ، مفاهيمه ، رؤيته للعالم
يريد الكيان هذه المرة نصرا بلا طلقة ، نصر يمر عبر المدارس لا المتاريس ، عبر المسرح لا المدفع ، عبر المؤتمرات لا الخنادق ، نصر يبدل الكلمات في الكتب ويغسل المفاهيم في العقول ، وينحت هوية جديدة على مقاسه ، هوية تكره المقاومة وتخجل من دم الشهداء
نتنياهو قالها بوضوح ، لقد بدأنا فعليا بتنفيذ الخطة في ثلاث دول عربية دون ان يسميها ، لكنه ترك وراءه ادلة لا تقبل الانكار ، دول كانت ترفض التطبيع باتت تتسابق في الاحتفاء به ، انظمة حذفت كلمة العدو من المناهج واستبدلت رموز التحرير بعبارات عن الاستقرار والازدهار والتسامح المعلب على الطريقة الصهيونية
في هذه الدول تغيرت ملامح الوعي الشعبي ، خضع الاعلام وتسلل المستشارون الى وزارات التربية والثقافة ، تم تبييض وجه المحتل وتحويله الى جار يجب احتضانه ، صارت الشهادة عبثا ، وصار الجهاد تطرقا ، والدم العربي مادة باردة في نشرات الاخبار لا تحرك ساكنا
الخطة تنفذ بذكاء قاتل ، لا معسكرات ، لا دبابات ، فقط حفلات ومؤتمرات واعلانات عن الشراكة والسلام ، مراكز لحوار الاديان بادارة صهيونية ، ومهرجانات موسيقية على انقاض البيوت المهدمة في غزة ، ومقالات عن بناء الانسان الجديد
انها خطة مارشال بنسختها العبرية ، الخدعة ذاتها التي استخدمتها واشنطن مع المانيا واليابان بعد الحرب ، اذ اعادت بناء الحجر وازالت الهوية ، محوا للنازية هناك وتبديلا لعقيدة الساموراي هناك وترويضا للوعي الجمعي في الحالتين ، والان جاء دور العرب
يريد نتنياهو انسانا عربيا جديدا بلا ذاكرة ، لا يعرف النكبة ولا يحفظ اسماء الشهداء ، يرى القدس زقاقا سياحيا ، ويرى العدو شريكا في التنمية لا كائنا دمويا متغولا على الارض والتاريخ والانسان
حين يقول ان حماس تقف حجر عثرة امام هذه الخطة ، فانه لا يمدحها بل يقر بحقيقة ان وجودها يفسد مشروعا كاملا ، مشروع سحق الذاكرة قبل سحق الحجر ، لان المقاومة هنا ليست سلاحا فحسب ، بل معنى وهوية وعقدة في حلق كل خائن
لذلك ما يجري في غزة ليس حربا فقط ، بل تمهيد لمعركة الوعي ، معركة الانسان العربي مع ذاته ، مع تاريخه ، مع لغته ، مع ايمانه ، مع خريطته التي يراد طمسها كي تولد خريطة جديدة بلا فلسطين وبلا عدو وبلا شرف
وقد قالها بن غوريون سنقضي على العربي كهوية لا كجسد ، واعلنتها غولدا مائير بثقة حين ينسى العرب اطفالهم فلسطين ننتصر ، واليوم بعد ان نضجت الثمار الخبيثة يخرج نتنياهو ليعلن بدء الحصاد
لكن ما زال في الامة ما يفسد هذا الحصاد ، غزة تقف كالصخرة ، تقاتل بكل ما تبقى من شرف ، وتعيد تعريف العدو ، وتوقظ البوصلة ، وتفضح كل خائن وكل مثقف مأجور يكتب عن وهم السلام
المعركة المقبلة ليست معركة سلاح بل معركة معنى ، وان هزمت غزة هزمنا جميعا ، ليس فقط امام العدو بل امام انفسنا ، وان صمدت صمد معها اخر جدار بيننا وبين الاستسلام الثقافي الكامل
ما قاله نتنياهو هو بيان نوايا وخارطة طريق لاحتلال العقول ، فان لم نستعد لمعركة ما بعد الحرب ، سنستيقظ ذات يوم لنجد اولادنا يمجدون قاتلهم ويرددون نشيده ويكتبون اسمه على جدران الذاكرة كأنه محرر لا غاصب